ضمن سلسلة اصداراتها العلمية اصدرت اكاديمية نايف العربية للعلوم الامنية اصدارا جديدا حول (العود الى الانحراف في ضوء العوامل الاجتماعية) ويحمل هذا الاصدار الذي اعده وألفه الباحث صالح بن محمد آل رفيع العمري الرقم (292) في سلسلة اصدارات الاكاديمية. ومهدت الدراسة بارتباط ظاهرة انحراف الاحداث والعود اليه بعملية التنشئة الاجتماعية ارتباطا وثيقا ويعزي كثير من الباحثين والمتخصصين في مجال الجريمة والانحراف تفاقم وخطورة هذه الظاهرة في مختلف المجتمعات الانسانية الى قصور واضح في دور المؤسسات الرسمية وغير الرسمية الموكلة اليها عملية تنظيم سلوك الافراد في المجتمع الذين تتجاذبهم الغرائز والاهواء والدوافع والرغبات ولذلك ادركت حكومة المملكة العربية السعودية منذ الوهلة الاولى لتأسيسها اهمية وخطورة هذه الظاهرة وابعادها المختلفة والاثر الذي يتركه اتجاه النشء نحو ممارسة انواع متعددة من السلوك الانحرافي على حياة الفرد والمجتمع على حد سواء لا سيما ان الذين يتعرضون لمؤثرات الانحراف هم من الصغار الذين يعول عليهم النهوض بالمجتمع ومواجهة تحديات المستقبل ولا شك في ان احداث اليوم هم رجال الغد وهم مستقبل الامة وعمادها كما ان ما يعتري تنشئتهم من خلل ينعكس حتما على مستقبلهم ومستقبل المجتمع كله.
ومن اجل ذلك كان لابد من زيادة فاعلية مؤسسات الضبط الاجتماعي لضمان استقرار المجتمع وبقائه وتجدده في اطار ثقافته وقيمه ومعاييره من جانب ومواكبة التغيرات في مختلف جوانب الحياة وما صاحب هذه التغيرات من توتر وقلق وصراع وتعقيد من جانب آخر.
لهذا فقد انشئ العديد من دور التوجيه الاجتماعي ودور الملاحظة الاجتماعية لاستقبال الاحداث المنحرفين والعائدين للانحراف في مختلف مناطق المملكة حتى اصبح هناك سبع دور للملاحظة الاجتماعية تقدم الرعاية والعناية التامة لهم ترتبط اداريا بوزارة العمل والشؤون الاجتماعية, وكالة الوزارة لشؤون الرعاية الاجتماعية. وقد اجري العديد من الدراسات والبحوث العلمية لمعرفة الاسباب والعوامل وراء انحراف الاحداث وقد خلصت تلك الدراسات في غالبها الاعم الى ان السبب في انحراف الاحداث وخروجهم عن الحياة الصحيحة لا يمكن ارجاعه الى عامل واحد من العوامل وانما هناك اسباب وعوامل متعددة.
تجدر الاشارة الى حقيقة لا يمكن اغفالها وهي ان هذه الظاهرة في المجتمع العربي السعودي لم تكن بالدرجة التي تعانيها مجتمعات اخرى لا من حيث حجم الظاهرة وخطورتها او نوعية الافعال الجانحة. وفي ضوء ماتقدم جاءت دراسة الباحث لتناول جانب من الظاهرة الا وهو العود الى الانحراف في ضوء بعض العوامل الاجتماعية للتعرف على العوامل التي تؤدي بفئات الاحداث الى العودة للانحراف في مجتمع الدراسة ولتسهم من خلال النتائج التي يتم التوصل اليها الى جانب غيرها من الدراسات الاخرى في الحد من الظاهرة الى درجة معينة ولتكون بين ايدي المشتغلين في مجال رعاية الاحداث عونا لهم في تبني افضل الاساليب الوقائية والعلاجية وقد قسم الباحث دراسته الى ثمانية فصول وهي على النحو التالي:
الفصل الاول: قدم الباحث فيه عرضا لموضوع الدراسة واهميتها واهدافها وفروضها الى بعض المقومات فيما يتعلق بالدراسة بصفة عامة.
اما الفصل الثاني: فقد تناول الباحث فيه بعض النظريات المختلفة المفسرة للسلوك الانحرافي والعود اليه وهي النظريات التي تأخذ بالتفسير الفردي للانحراف والعود اليه وتشتمل على الاتجاه البيولوجي والاتجاه النفسي والنظريات التي تأخذ بالتفسير الاجتماعي والعود اليه وتتضمن الاتجاه الاقتصادي والاتجاه الاجتماعي والنظريات التي تأخذ بالاتجاه التكاملي وهو الاتجاه الذي تبناه كثير من الدارسين في الوقت الحاضر باعتباره اقرب الاتجاهات الى التفسير الواقعي للسلوك الاجرامي او المنحرف ويأخذ بمبدأ تعدد العوامل المفسرة للسلوك الانحرافي واخيرا المنهج الاسلامي وابعاده في تفسير السلوك الانحرافي والعود اليه باعتباره منهجا ربانيا جاء شاملا وكاملا ليغطي مختلف جوانب الحياة. ويشتمل الفصل الثالث على بعض العوامل الاجتماعية المؤدية الى العودة للانحراف مثل الاسرة المدرسية, جماعة الرفاق, وقت الفراغ باعتبارها عوامل لها علاقة بشكل او بآخر بظاهرة انحراف الاحداث والعود اليه كما تضمن الفصل بعض الدراسات المتعلقة بكل عامل من العواملا السابقة. وقد تناول الفصل الرابع ظاهرة انحراف الاحداث والرعاية الاجتماعية للاحداث المنحرفين بالمملكة وذلك بتقديم عرض للظاهرة بمناقشة احصائية لحجم واعداد الاحداث الذين دخلوا دور الملاحظة منذ افتتاح اول دار للملاحظة بالرياض وكذلك توزيع الاحداث حسب الاحكام الصادرة بشأنهم وحسب الجنحة التي اودعو بشأنها بالاضافة الى عدد حالات العود وهي احصائيات اشتملت على الاعوام الاربعة من 1409هـ الى 1412هـ ويحتوي الفصل ايضا على الرعاية الاجتماعية للاحداث المنحرفين بالمملكة والمؤسسات الاجتماعية التي تقوم باستقبالهم واخيرا الرعاية اللاحقة واهميتها في الحد من العود للانحراف. ويعرض الباحث في الفصل الخامس لبعض الدراسات السابقة ذات الصلة بموضوع الدراسة والتي يمكن الافادة من نتائجها في اظهار مشكلة الدراسة وكذلك ربط بعض ماتوصلت اليه تلك الدراسات من نتائج مع نتائج الدراسة الراهنة وقد اخذت تلك الدراسات جانبين: الجانب الاول: الدراسات المتعلقة بظاهرة انحراف الاحداث بصفة عامة.
الجانب الثاني: الدراسات المتعلقة بظاهرة العود الى الانحراف الى الجريمة والانحراف بصفة خاصة ويتناول الفصل السادس مجالات الدراسة والاجراءات المنهجية للدراسة وتتضمن المناهج والطرق والادوات التي استفاد منها الباحث في دراسته ويشير الباحث في ختام الفصل الى بعض الصعوبات التي واجهت اجراء الدراسة.
اما الفصل السابع فيتضمن تحليل بيانات الدراسة الميدانية وهي بيانات تتعلق بالخصائص الاجتماعية والديموجرافية للحدث وبيانات عن اسباب وعوامل انحراف الاحداث وبيانات عن دور الرعاية الاجتماعية في المؤسسات الاصلاحية وايضا بيانات عن العوامل المؤدية الى العود للانحراف كما يحتوي الفصل ايضا على وصف للعلاقات بين متغيرات الدراسة.
وفي الختام يأتي الفصل الثامن ليشتمل على نتائج وتوصيات الدراسة حيث عرض الباحث فيه أهم النتائج التي توصلت اليها الدراسة موضحا مدى علاقة تلك النتائج باهداف الدراسة ومدى تحقيقها لفرضياتها كما تضمن الفصل بعض التوصيات والمقترحات في ضوء النتائج المستخلصة من الدراسة وتوصيات عامة قد تفيد المهتمين والباحثين في مجال رعاية الاحداث لتلافي بعض السلبيات وتكشف عن موضوعات جديدة صالحة لاجراء المزيد من الدراسات المستقبلية. وينهي الباحث دراسته بخاتمة تعتبر بمثابة تعليق ورؤية نهائية للباحث عن دراسته وحسبه في كل هذا انه حاول ان يقدم جهدا علميا وعمليا متواضعا لدراسة موضوع لم يطرق من قبل في مجتمع الدراسة.
ويقع الكتاب في 310 صفحات من القطع المتوسط.