في آخر ظهور صوتي له عبر قناة (الجزيرة) القطرية، اغدق اسامة بن لادن المديح والثناء على ابطال الغزوات الجهادية: (غزوة الملهى) في بالي في اندونيسيا، و(غزوة المسرح) في موسكو، و(غزوة فيلكا) و(غزوة السفينة /الناقلة) وامتدت سحابة المديح واصابت بوابلها (غزوتي نيويورك وواشنطن) الغزوتان السبب في تحوله الى طريدة هاربة الى اجل غير معلوم، لانه ليس في صالح القناص الامريكي ان يصطادها، فابن لادن ليس هنديا (احمر) لتقول الادارة الامريكية ان الهندي الطيب هو الهندي الميت ولا يراد له ان يصبح شهيدا ورمزا بقتله، فمن صالح القناص الامريكي ان يبقى ابن لادن حيا، يظهر من حين لآخر يهدد ويتوعد الولايات المتحدة وحلفاءها بمزيد من (الغزوات القاعدية) او غزوات محسوبة (قاعدية) وتصبح تلك التهديدات والغزوات ان حدثت مبررا لاستمرار الحملة الامريكية ضد الارهاب الدولي، وذريعة للتدخل في شؤون الدول المتهمة امريكيا بدعم الارهاب.
لست مهتما هنا بتحليل الخطاب (الجهادي) لابن لادن ولا بالتدقيق في التوقيتات المريبة لظهوراته وتصريحاته كما يعتقد البعض، انما اود لفت النظر الى ان ابن لادن هو ابن تاريخه العربي والاسلامي ونتاجه فكريا وسلوكيا.
يتجلى البعد العربي الاسلامي لشخصية ابن لادن في اكثر تجلياته وضوحا في كونه امتدادا وتجسيدا لظاهرة معروفة ومألوفة غبر التاريخ العربي الاسلامي، وهي ظاهرة اغتصاب افراد معينين حق تمثيل الامة والنيابة عنها والنطق بلسانها وتصوير طموحاتهم واهدافهم الشخصية، مشروعة او غير مشروعة، على انها طموحات واهداف الامة.. يشن ابن لادن غزواته (الجهادية) التي تستهدف الابرياء باسم الامة، وفي الامس شهد العالم اجتياح جيش صدام حسين الكويت لتوزيع ثروتها النفطية على الامة، وقبل ذلك خاض حربا ضروسا مع ايران لحماية العرب العاربة والمستعربة من الفرس. ولا يخلو التاريخ العربي الاسلامي من آخرين مثل ابن لادن وصدام يتكلمون بلسان الامة ويتصرفون باسمها وباسم مصلحتها دون تفويض وانابة منها.
يمثل ابن لادن راهنا اسطع امثلة النطق بلسان الآخر دون تفويض منه، النطق المعبر عن اغتصاب (Usurpation) حق الوصاية على الآخر، فردا او امة، وتقديم المتكلم المغتصب نفسه على انه يفهم ما يمثل مصلحة ذلك الآخر، وانه اقدر على التصرف والتحرك لتحقيق مصلحته. والآخر في حالة ابن لادن هو الامة العربية الاسلامية التي يصب في مصلحتها ان تقوم (القاعدة) او مثيلاتها بغزواتها للمدنيين الابرياء تحت لواء الجهاد ضد الامبريالية الامريكية.
التكلم نيابة عن الاخر دون تفويض منه قضية بالغة الخطورة لانها في جوهرها احتلال لحنجرة الاخر واغتصاب للسانه ومصادرة لصوته، وتوريط له فيما يقوله ويفعله ويرتكبه الناطق غير المفوض، وفيما تؤدي اليه اقوال وافعال الناطق المغتصب من تبعات ونتائج خطيرة كما حدث بعد تفجيرات 11 سبتمبر 2001م، لما اصبح كل عربي ومسلم ارهابيا حتى تثبت براءته واصبح الاسلام مرتبطا بالارهاب في نظر الآخر الغربي وغير الغربي. وليس اقل خطورة من ذلك، اعتقاد الناطق المغتصب ان الآخر المنطوق باسمه لايستطيع التعبير او تمثيل نفسه، وانه لايعرف مصلحته، فعندما ينطق ابن لادن او غيره بلسان الامة، يعطي الانطباع ان الامة اختارته ناطقا رسميا بلسانها وحاميا لمصالحها ووسيلة لتحقيق اهدافها، بينما هو من نصب نفسه لسانا وحاميا ووسيلة.
ان من يمثل الامة، من وجهة نظري، هو من تذهب الامة الى صناديق الاقتراع لتدلي بصوتها الجمعي له، ومعلوم انه لاصناديق ولا اقتراع من هذا النوع شهده التاريخ العربي الاسلامي.. ان من يتحدثون بلسان الامة مثل ابن لادن وغيره انما هم مغتصبون لصوت الامة وممارسون للوصاية عليها دينيا او سياسيا او اجتماعيا او كل هذه الامور مجتمعة. لا يملك حق النطق بلسان الامة الا من تمنحه ثقتها وتعبر عن ذلك المنح بالتوجه الى صناديق الاقتراع المعدة لهذا الغرض بدون تزييف.