DAMMAM
الخميس
34°C
weather-icon
الجمعة
icon-weather
34°C
السبت
icon-weather
37°C
الأحد
icon-weather
33°C
الاثنين
icon-weather
34°C
الثلاثاء
icon-weather
36°C

إنجاز المقاومة وغلطها الكبير

إنجاز المقاومة وغلطها الكبير

إنجاز المقاومة وغلطها الكبير
أخبار متعلقة
 
اذا كان اكبر إنجاز للمقاومة الفلسطينية أنها نجحت في إسقاط مشروع شارون، وفي ضرب منظومة الامن الإسرائيلي، فان اكبر غلط تقع فيه المقاومة هو أن توقف عملياتها الآن، استجابة لوهم التأثير في نتائج الانتخابات القادمة، بحيث يخلي مجرمو الحرب الراهنون مكانهم لفريق آخر من مجرمي الحرب الجدد! (1) إحدى مشكلات الإعلام عندنا انه ينقل إلينا كل يوم صورة شبه مفصلة لما يفعله الإسرائيليون بالفلسطينيين، في حين لا يتابع على نحو دقيق التفاعلات الحاصلة داخل اسرائيل ذاتها. اعني أننا نستشعر جيداً الوجع الفلسطيني ولكننا لا نعرف الكثير عن الوجع الإسرائيلي، باستثناء الأرقام التي تعلن عن ضحايا كل عملية استشهادية او فدائية، وحتى هذه الأرقام والمعلومات تخضع للرقابة، وعادة ما تكون اقل من الحقيقة، لتخفيف حجم الصدمة داخل المجتمع الإسرائيلي. في ظل استمرار المقاومة، والعمليات الاستشهادية بوجه أخص، فانه لا يكاد يخلو يوم من شكل من أشكال قمع الفلسطينيين وترويعهم. وخلال العشرين يوماً الأولى من الشهر الحالي (نوفمبر) ظل يقتل كل يوم فلسطينيان ويصاب 17 بجروح، ذلك فضلاً عن عمليات التهديم والقصف والتجريف والتجويع، التي لم تنج منها مدينة او قرية في القطاع والضفة. والسعار الذي أصاب الحكومة الإسرائيلية بعد عملية القدس الأخيرة خير شاهد على ذلك. هو مسلسل للقتل البطيء أن شئت الدقة، ينقل إلى كثيرين منا شعوراً بالإحباط واليأس، لا يخرج الناس من أجوائه ولا ينتشلهم من مستنقعه إلا أخبار العمليات الاستشهادية، التي تذكرهم بان الله اكبر، وان ثمة شيئاً في الأمة لم يمت بعد، وان كان الترويع الذي حل بالفلسطينيين لم ينل من إصرارهم على الخلاص ولا أطفأ في أعماقهم جذوة المقاومة. المفارقة المثيرة واللافتة للنظر في هذا الصدد هي أن المجتمع الفلسطيني الأعزل برغم كل ما أصابه من تقتيل ودمار لم يعرف الخوف، ويزداد صلابة وعناداً يوماً بعد يوم، كما أن العمليات التي يقوم بها الفدائيون الاستشهاديون تكشف عن درجة عالية من تراكم الخبرة ورفعة الأداء والإقدام منقطع النظير. أما المجتمع الإسرائيلي المدجج بأحدث الأسلحة في البر والجو، والمحتمي بالقوة النووية فضلاً عن المظلة الأمريكية، فانه هو الذي اصبح مسكوناً بالخوف، حتى ارتد إلى صدره ذلك الترويع الذي حاول قادته أشاعته بين الفلسطينيين. وذلك جوهر الفرق بين الذين يريدون الدنيا والذين يريدون الآخرة. في 18/11 نشرت صحيفة "هاآرتس" أن الجيش الإسرائيلي يشهد أزمة تهرب خطيرة من الخدمة العسكرية، ازدادت بشكل حاد خلال الفترة الأخيرة على تزايد الأوضاع الاقتصادية المتدهورة. وأشارت إلى أن عدد الفارين من الخدمة العسكرية في العام الحالي (2002) وصل إلى 2616 جندياً، اغلبهم من جنود الاحتياط. وكان عدد هؤلاء في العام الماضي 1564 شخصاً، الأمر الذي يعني أن ثمة ارتفاعاً في عدد الفارين من الخدمة العسكرية بنسبة 76.2%. في 5/11 نشرت صحيفة "معاريف" مقالة كتبها ايتان رابين عن قرية أنشئت لعلاج الجنود الإسرائيليين الذين يتم تسريحهم من الجيش. أشار فيها أن تجاربهم مع الانتفاضة صدمتهم وهزتهم حتى شوهتهم نفسياً، بحيث أن كثيرين منهم يحاولون البحث عن الهدوء والسكينة بعد تسريحهم. لذلك فانهم يسافرون إلى الهند وتايلاند وغيرهما من دول الشرق الأقصى، ولكنهم هناك يدمنون المخدرات ويعودون أشخاصا آخرين في حالة انهيار شبه تام، ولا يصلحون لشيء! تحدث الكاتب عن ضابط من المسرحين كان ضمن وحدة الأركان، وقاتل الفلسطينيين لمدة عامين. وبعد انتهاء مدة خدمته سافر إلى تايلاند للهروب مما حدث له، لكنه لم ينجح، واتجه إلى تعاطي المخدرات، وبعد عودته تدهور اكثر وبدأ في إدمان الكوكايين، وشرع أهله في علاجه، لكنهم بعد عدة أيام وجدوه ميتاً، ولم يعرف أحد سبب وفاته. هل سمعتم عن شيء من ذلك بين الفلسطينيين؟ (2) في أوائل شهر نوفمبر الحالي أصدرت مؤسسة التأمين الوطني الإسرائيلية تقريراً كشف النقاب عن مجموعة من المؤشرات ذات الدلالة التي برزت بعد الانتفاضة. منها على سبيل المثال أن عدد الفقراء في اسرائيل تجاوز 1.2 مليون نسمة يمثلون 20% من السكان بعد عام الانتفاضة الأول، بحيث اصبح الدخل السنوي للواحد منهم في حدود 356 دولاراً فقط. أضاف التقرير في هذه النقطة أن 13 ألف عائلة جديدة انضمت إلى دائرة الفقراء، بالمقارنة مع سنة 2000، ويشكل العرب 29% من هؤلاء الفقراء. في ذات الوقت اصدر بنك اسرائيل المركزي تقريراً آخر عن الوضع الاقتصادي في البلاد، ذكر أن نسبة البطالة هذا العام تجاوزت 10.5% وأنها ستتجاوز 12% في السنة القادمة. ومن المعلومات المثيرة التي أوردها التقرير أن نسبة العجز في الميزان التجاري ستصل إلى 95%، وان الاستثمارات الأجنبية ستنخفض بنسبة 6,3%، وان مستوى المعيشة سيخفض بنسبة 2.2%. ماذا تعني هذه الأرقام؟ حين يصل عدد الإسرائيليين الذين تجاوزوا خط الفقر إلى 1.2 مليون نسمة، فمعناه أن خمس السكان مرشحون لحزم حقائبهم والرحيل عن البلاد عند أول فرصة. ذلك أن هؤلاء اذا كانوا قد جاؤا إلى ما زعموا بأنه ارض الميعاد بحثاً عن الامن وتحت إغراء تحسين مستوى معيشتهم، وإذا كان حلم الامن قد تبخر للأسباب المعروفة، ولحق به حلم الرخاء، فما الذي يحفزهم على البقاء في اسرائيل الآن؟ ! على صعيد اخر، فإذا كان العجز التجاري ينشأ عن الاختلال فيما بين الصادرات والواردات، فان ذلك العجز حين يصل إلى 95%، فمعناه أن الدولة الإسرائيلية لم تعد تصدر شيئاً. ولن تخطئ اذا قلت أنها لم تعد تنتج شيئاً لكي تصدره. معناه أيضا أن اسرائيل أصبحت تعتمد بشكل اكبر على الاستيراد من الخارج، مع تناقص إنتاج سلع التصدير إلى الخارج. في الوقت ذاته فان تراجع الاستثمارات الخارجية لا يعني سوى شيئاً واحداً هو: فقدان الثقة في مؤسسات وأوضاع ذلك البلد المضطرب. وفي حالة اسرائيل فأنها كانت تتمتع بميزة الدولة الأكثر رعاية في كل الاتفاقات التي عقدتها مع مختلف دول العالم، كما أنها كانت تحظى برعاية ودعم مباشرين وغير مباشرين عن طريق استثمار مبالغ خيالية فيها، حتى أن معظم النشاطات الاقتصادية الإسرائيلية، لم تكن سوى فروع من المشروعات الاقتصادية الأمريكية والأوروبية، وحين تتناقص الاستثمارات الأجنبية في اسرائيل، فان ذلك يعني أن فقد الصفات التي كانت تجعل الآخرين يتعاملون معه بأفضلية. ذلك بعض ما حدث خلال عامين للانتفاضة، فما بالكم بما يمكن أن يحدث في اسرائيل لو قدر لها أن تستمر لعامين قادمين او اكثر؟ (3) أهم مما سبق أن العمليات الاستشهادية الجسورة التي تلاحقت خلال الأسبوعين الماضيين في تل أبيب والخليل والقدس بعثت برسالة إلى كل مواطن إسرائيلي تبلغه بان حياته في خطر حيثما ذهب. وإذا قال قائل ان ذلك هو حال الفلسطينيين أيضا فهذا صحيح، لكني أضيف أن إنجاز المقاومة الفلسطينية أنها نجحت في أن ترد الرسالة بمثلها، وأحيانا بأحسن منها. وإذا تساوى الطرفان في الشعور بالخطر فالفلسطينيون هم الفائزون، باعتبار أن وجودهم في فلسطين هو قدر وليس أمامهم بديل آخر، أما الإسرائيليون فقدومهم إلى اسرائيل اختيار، وأمامهم بدائل أخرى، بدليل أن آلافاً منهم حزموا حقائبهم وعادوا من حيث أتوا. الضحية الحقيقية لهذا التطور هو المشروع الصهيوني ذاته، الذي ادعى رواده أن وجود اليهود فيما زعموا انه ارض الميعاد هو ملاذهم الآمن والأخير. وإذا عاودهم الخوف في عقر دورهم التي اغتصبوها فان فكرة "الملاذ" لم يعد لها معنى. أما ضحية الساعة اذا جاز التعبير فهو ارييل شارون الذي هو الآن في النزع الأخير، ولن نستغرب اذا ما أنهت الانتفاضة حياته السياسية نهاية بائسة. وهو الذي جاء إلى السلطة على وعد بأن يقضي على الانتفاضة خلال ثلاثة أشهر، وها قد مر عشرون شهراً والانتفاضة مستمرة، وتزداد تمرساً وقوة حيناً بعد حين، وتوجه إلى الجسم الإسرائيلي ضربات موجعة كل حين. ان عبارة فشل حكومة شارون وسياسته أصبحت قاسماً مشتركاً في كتابات العديد من الكتاب والمعلقين الإسرائيليين. وهو ما يسجله عكيفا الدار - مثلاً - في هاآرتس (عدد 18/11) قائلاً عن عدد القتلى الإسرائيليين في حرب الاستنزاف الحالية (التي يشنها الفلسطينيون) ينافس في حجمه عدد قتلاهم خلال 18 عاماً من الحرب في لبنان. وقد دعا في مقالته إلى الانسحاب وراء الجدار العازل خلال عام حتى اذا لم يتم التوصل إلى اتفاق، وانتقد بشدة الجمهور الإسرائيلي الذي تصوت أغلبيته لصالح شارون وسياسته قائلاً انه: لا يزال يتصرف مثل المرأة المضروبة التي تصر على العودة إلى أحضان الرجل الشرير. عوفر شيلح من كتاب "يديعوت احرونوت" ذهب إلى ابعد. إذ انه لم يتهم شارون بالفشل فحسب، وانما شكك في قدرة الجيش (بقرتهم المقدسة!) على التصدي للمقاومة الفلسطينية، ففي أعقاب عملية الخليل (التي قام بها شباب الجهاد الإسلامي وقتل فيها 12 عسكريا إسرائيليا) كتب يوم 19/11 قائلاً: اذا كان ثلاثة من العرب قادرين على المس بهذه الشدة بعشرات من حملة السلاح من رجالنا، فان ذلك يضعف ثقتنا في القوة التي نعتمد عليها. وإذا كانوا قادرين على الانتصار في معركة صغيرة واحدة، فلعل ثقتنا بأننا سننتصر في الصراعات الكبرى تستند إلى الوهم. بعد عشرين شهراً من وعد شارون بإنهاء الانتفاضة كتب حيمي شليف في معاريف (17/11) يقول أن الإسرائيليين جميعاً اصبحوا "عالقين في زقاق الموت". وهو ما عبر عنه أيضا ناحوم برنياع في يديعوت احرونوت (18/11) الذي وصف عملية الخليل بأنها إعلان مهين عن فشل سياسة حكومة شارون، وقال أن الوضع قد اصبح خطيراً الآن "فمن الأفضل ألا نجعله اشد خطورة من خلال نشاط حكومي (قمعي) اخر". (4) لا تزال المعركة طويلة، وكلما اشتد ساعد المقاومة. كلما ازداد الإسرائيليون شراسة، وغاية ما يمكن أن يقال في الوقت الراهن أن شارون وأمثاله فشلوا في كسر إرادة الفلسطينيين، الذين أحرزوا نقاطاً في الجولة الراهنة تفوق ما حصله خصومهم المتعجرفون والمختالون بقوتهم. وفي هذا الصدد فينبغي إلا تفوتنا ملاحظة انه في حين بدأت الأرض تهتز تحت اقدام شارون، ظهر في الأفق زعيم جديد لحزب العمل هو السيد عمران متسناع. الذي اطل علينا قائلاً انه يسعى للتفاوض مع الفلسطينيين اذا تسلم الحكم، وانه مقتنع بعدم جدوى العنف، وبضرورة إخلاء غزة من القوات والمستوطنين. لكن اغرب ما في المشهد أن ينطلي "الملعوب" على بعضنا، فيستدعون المقولة التي عفا عليها الزمن وكذبها التاريخ. تلك التي تزعم أن حزب العمل افضل للفلسطينيين والعرب من الليكود. وهو ما لمسناه في أمرين، الأول تلك التصريحات والكتابات التي ظهرت مرحبة بالسيد متسناع ومحتفية بكلامه. ومن تلك التصريحات ما صدر عن الرئيس ياسر عرفات (في 20/11) حين رحب بالتعاون مع الزعيم الجديد لحزب العمل، وأعرب عن ثقته في انه سيكمل الطريق الذي بدأه شريك السلام إسحاق رابين (من المفارقات أن رابين هو الذي دعا إلى تكسير عظام الفلسطينيين في انتفاضة عام 87 وان الرجل الذي كلف بتنفيذ تلك السياسة في الضفة الغربية كان السيد متسناع شخصياً!). أما الكتابات التي نعنيها فمن نماذجها ذلك التعليق الذي نشرته "الحياة" اللندنية في 21/11 للأستاذ غسان شربل، وتساءل فيه عما "اذا كان باستطاعة الفلسطينيين القيام بشيء لمنع بقاء شارون (في السلطة) وزيادة حظوظ الجنرال متسناع، الذي يبدو كمن جاء متأخراً". الأمر الثاني الذي لمسناه في السياق الذي نحن بصدده هو تلك الجهود العربية التي بذلت لإقناع منظمة فتح وحماس بوقف العمليات داخل اسرائيل، بدعوى أن ذلك الإيقاف وما يستصحبه من تهدئة مفترضة، سوف يسحب ورقة "الامن" من يد شارون في الانتخابات القادمة التي تتم هناك بعد شهرين. وإذا ما تحقق ذلك، فان الموضوع السياسي سوف يصبح المهيمن على أجواء الانتخابات، الأمر الذي يتصور معه أولئك البعض انه قد يوفر فرصة مواتية لفوز حزب العمل، واستلام متسناع للسلطة، ومعه فريقه الذي يتقدمه بن اليعازر وبيريز (تاني!!).