ودع الوطن واحدا من رجاله المخلصين، وودع الاعلام رجلا من اعلامه الذين وضعوا اسس نشأته، وودعت الصحافة اعلاميا من رعاتها الاوائل، وودع الادب احد اركانه وودع الشعر احد بلابله التي غردت على افنان الحب والجمال وعشق الخير والحق. ذلكم هو عبدالله بلخير الذي فقدنا بفقده مواطنا واعلاميا واديبا لا يشق له غبار في هذه الميادين فهو رائد من روادها الاوائل، وعاشق من عشاقها القلائل، الذين تميزوا في عطائهم وعملوا بصمت لن يهمله التاريخ، لان جذوة الاخلاص تظل متقدة ما دام الوفاء زيتها الذي لا ينضب، وللراحل من الاحباب من يكنون له هذا الوفاء الجميل.
كان اخر عهدي بالراحل منذ بضع سنوات في حفل اقامه عبدالمقصود خوجة لتكريم احد ادباء المنطقة الشرقية، فتحدث بلخير عن هذه المنطقة وادبائها بحب ووفاء على قلة حديثه في مثل هذه المناسبات، وكأن اعباء الاعلام التي حملها على كاهله طويلا قد ولدت لديه قناعة بان الحديث لاجدوى منه ان لم يكن في محله، وان الكلام اغلى من ان نهدره في كل مناسبة. فالكلمة كالرصاصة اذا انطلقت لا يمكن ان تتوقف.
منذ عام 1940م تولى بلخير مسؤولية الاذاعة والصحافة، وكانت في البدء تابعة للديوان الملكي ثم تحولت الى مديرية عامة قبل تحولها الى وزارة، وظلت علاقته بالاعلام مسؤولا عنه الى ان احيل للتقاعد ـ رحمه الله ـ وهو برتبة وزير مفوض.
وكان بلخير قد الف واحدا من اهم المرا جع عن الادب السعودي في بداياته بالاشتراك مع محمد سعيد عبدالمقصود خوجة وهو كتاب (وحي الصحراء) وقد اثمرت هذه الصداقة بين هذين العلمين ان نشر الاستاذ عبدالمقصود خوجة كتابين عن الراحل وفاء لصداقته هما : (شاعر الاصالة والملاحم العربية والاسلامية) تأليف محمود رداوي و(عبدالله بلخير يتذكر) تأليف خالد باطرفي. والى جانب مسؤولياته في المديرية العامة للاذاعة والصحافة والنشر، كان نشاطه السياسي يتواصل من خلال الشعبة السياسية في الديوان الملكي التي كان مسؤولا عنها ايضا ومنها انبثقت ادارة الاذاعة والصحافة.
ان جوانب عديدة في حياة الراحل ـ رحمه الله ـ جديرة بالافاضة في الحديث عنها، لما تحمله من دلالات في ميادين الريادة الادبية والاعلامية، ومن مؤشرات ايجابية في مناحي الحياة المختلفة.
رحم الله عبدالله بلخير، واسكنه فسيح جناته. "إنا لله وإنا إليه راجعون".