DAMMAM
الخميس
34°C
weather-icon
الجمعة
icon-weather
34°C
السبت
icon-weather
37°C
الأحد
icon-weather
33°C
الاثنين
icon-weather
34°C
الثلاثاء
icon-weather
36°C

80 بالمائة من فقراء العالم يعيشون في الدول المثقلة بالديون

إعادة جدولة الديون الخارجية للدول الفقيرة "2ـ2"

80 بالمائة من فقراء العالم يعيشون في الدول المثقلة بالديون
80 بالمائة من فقراء العالم يعيشون في الدول المثقلة بالديون
أخبار متعلقة
 
يواصل الدكتور صباح نعوش مناقشة موضع إعادة جدولة ديون الدول الفقيرة الخارجية، حيث استعرض عدة عناوين في الجزء الأول من الدراسة التي ينشرها "اليوم الاقتصادي" على حلقتين، كان أبرز تلك العناوين: تأجيل سداد الديون، حجم ديون الدول العربية، وهبوط مؤشرها، كيفية وأنماط إعادة الجدولة، كما استعرض البنود التقليدية لإعادة الجدولة، مثل بنود هيوستن ونابولي وكولونيا، بالإضافة إلى شروط إعادة الجدولة، ومشكلة التطبيق.. وفي الجزء الثاني يتناول نعوش عناوين أخرى مثل: خطورة ونتائج إعادة الجدولة، ويتناول دور الديمقراطية والعوامل السياسية في ذلك، بالإضافة إلى إلغاء تلك الديون، وعناوين أخرى. خطورة إعادة الجدولة ترتكز برامج صندوق النقد الدولي على تقليص النفقات وزيادة الإيرادات دون أن تعطي أهمية مماثلة لتحسين الصادرات، وهي الطريق الطبيعية لخدمة الديون الخارجية، فزيادة الصادرات تتطلب المزيد من رؤوس الأموال الأجنبية والقروض الخارجية. ولما كانت مالية الدولة المدينة في حالة عسر شديد فإن المستثمرين والمقرضين يترددون كثيرا بل ويرفضون الاستثمار والإقراض. لا تساعد تلك البرامج إذن على سداد الديون بقدر ما تحاول منع اللجوء إلى الاقتراض مجددا، وهكذا هبطت التدفقات الخارجية المتأتية من القروض فأصبحت التحويلات الصافية سلبية في الأقطار العربية. نتائج إعادة الجدولة حسب الدراسات لم تقد برامج الصندوق إلى تخفيف حدة المديونية بل أدت إلى العكس تماما، ففي 36 دولة نامية طبقت فيها هذه البرامج انتقل ثقل مديونيتها الخارجية قياسا بالناتج المحلي الإجمالي من 82 بالمائة في منتصف الثمانينيات إلى 154 بالمائة في منتصف التسعينيات. أما في الدول النامية المدينة التي لم تطبق هذه البرامج فقد انتقل ثقل المديونية من 56 بالمائة إلى 76 بالمائة فقط في الفترة نفسها. تقود إعادة الجدولة إلى ارتفاع كلفة الدين، فعندما يؤجل مبلغ معين لمدة محددة، على الدولة أن تدفع فوائد إضافية عند حلول مواعيد استحقاق الديون المؤجلة إذ تسري الفوائد طوال فترة التأجيل. ودون الدخول في التفاصيل الفنية فإن إعادة جدولة مبلغ معين لمدة 15 سنة تقود إلى دفع ضعف هذا المبلغ على الأقل في نهاية هذه المدة، ناهيك عن أن الدولة المدينة لا تستطيع أن تقدر بدقة المبلغ الذي ستدفعه فعلا في فترة التأجيل، لأن أسعار الفائدة قد تكون معومة أي غير محددة مقدما لارتباطها بأحوال السوق، فعلى سبيل المثال فإن 35 بالمائة من القروض الخارجية التونسية عقدت بأسعار معومة. واضطرت الدول المدينة إلى التفاوض بشأن تأجيل ديونها مما أدى إلى تراكمها وارتفاع الفوائد وكذلك إلى اتباع سياسات تقشفية في مختلف الميادين، وبالتالي انقلبت الحلول إلى مشاكل إضافية ودخلت البلدان المدينة في حلقة مفرغة. لابد للدول المثقلة بالديون من مراجعة سياساتها بدلا من الاعتماد على الدائنين، ففي أغلب الدول العربية هنالك مجالات واسعة لتنمية الصادرات وتقليص النفقات خاصة المصروفات العسكرية. عصا الديمقراطية في الأصل يسعى نادي باريس إلى التخفيف من وطأة الديون بغض النظر عن أنظمة حكم البلدان المدينة، ولكن ظهرت منذ نهاية الثمانينيات فكرة ربط منح الموارد المالية (القروض والمساعدات والهبات والاستثمارات المباشرة) بالديمقراطية. في أغلب الأحيان اعتمد مفهوم الديمقراطية هذا على مدى ملاءمة أنظمة الحكم في البلدان النامية مع التطلعات السياسية والمصالح الاقتصادية للدول المانحة، ولم يعد ينظر إلى المشاكل الحقيقية كالفقر والبطالة واختلال الموازين الداخلية والخارجية، وقد انعكس هذا التطور مباشرة على نادي باريس فراح يلغي ديون بعض الدول ويعيد جدولة ديون دول أخرى بشروط مختلفة أو يرفض القيام بهذا أو ذاك. ويهتم نادي باريس بمصالح الدول الدائنة، وجميع أنماط إعادة الجدولة نابعة عن قرارات اتخذتها مؤتمرات قمة الدول السبع الكبرى، لذلك يقترح البعض الاستعاضة عن النادي بهيئة دولية تعبر عن تطلعات البلدان الدائنة والمدينة وتشرف عليها منظمة الأمم المتحدة. إلغاء الديون الخارجية الإلغاء يحذف الدين، في حين تقتصر إعادة الجدولة حسب البنود التقليدية على تغيير تواريخ الاستحقاق. وحتى عام 1988م كانت الدول الغربية الدائنة ممثلة بنادي باريس تعارض بشدة هذه الفكرة مكتفية بإعادة الجدولة وفق البنود التقليدية، واتخذ المدافعون عن قضايا العالم الثالث مواقف تتأرجح بين زيادة المساعدات الرسمية للتنمية وإلغاء الديون. ولما كانت القروض العسكرية تنسجم مع مصالح الدول المانحة، بات من اللازم إلغاء جميع الديون الناجمة عنها بغض النظر عن المستوى الاقتصادي للدول المدينة. أما الديون المدنية المخصصة للتنمية فيتعين إلغاء نسبة منها تتناسب مع درجة النمو، خاصة إن لم يسهم هذا النوع من القروض في تحسين الصادرات الكفيلة بسداد الدين، وفي الوقت الحاضر يتم الإلغاء على أسس مختلفة تماما تثير المخاوف وتخلق جوا غير مريح. لاحظنا أن نسبة إلغاء الديون تصل حسب بنود كولونيا إلى أكثر من 90 بالمائة من حجم الديون الخارجية، ولكن ما هي الدول المستفيدة من هذه البنود وكيف تحسب هذه النسبة؟ كما ذكرنا فإن صندوق النقد الدولي والبنك العالمي وضعا قائمة بأسماء الدول المؤهلة للاستفادة من بنود كولونيا من بينها 4 بلدان عربية هي موريتانيا، اليمن، السودان والصومال. وعلى الصعيد العملي عقد اتفاق واحد مع موريتانيا عام 2000م تناول ديون بلغ حجمها 99 مليون دولار. أما الاتفاق المبرم مع اليمن عام 2001م فقد استند إلى بنود نابولي لا إلى بنود كولونيا. ولم يستطع السودان منذ عام 1984م، والصومال منذ عام 1987 التفاوض مع نادي باريس وبالتالي لم تتم إعادة جدولة ديونهما، رغم تفاقم أزماتهما المالية. مشكلة حصر بنود كولونيا إن حصر تطبيق بنود كولونيا في الدول ذات الدخل الفردي المنخفض لن يعالج أزمة المديونية ومشكلة الفقر، فعلى افتراض إلغاء جميع ديون هذه البلدان العربية الأربعة سوف يتم حذف 25 مليار دولار، أي أقل من 8 بالمائة من المديونية العربية الكلية، ناهيك عن أن غالبية الفقراء يقيمون في البلدان العربية الأخرى، وتصح هذه الملاحظة على المستوى العالمي أيضا. هنالك دول مثقلة بالديون الخارجية (كالهند، باكستان، بنغلاديش، إندونيسيا، نيجيريا، المكسيك والبرازيل) غير مشمولة في تلك القائمة، علما بأن 80 بالمائة من فقراء العالم يعيشون فيها. الإلغاء على أصل الدين الإلغاء لا يسري إلا على قيمة الديون قبل إعادة جدولتها لأول مرة، ونأخذ مثالا لذلك السودان، ففي عام 1979م (تاريخ أول اتفاق مع نادي باريس) بلغ الحجم الكلي للديون الخارجية 3802 مليون دولار، في تلك الفترة لم تكن الديون المستحقة لأعضاء نادي باريس تشكل سوى 21 بالمائة من الحجم الكلي، أي حوالي 800 مليون دولار، أما الديون الأخرى فقد نجمت عن قروض عقدت مع الأقطار العربية وبلدان الكتلة الشرقية وصندوق النقد الدولي والبنك العالمي والمؤسسات المصرفية. إذا افترضنا أن الدول الغربية قررت عام 2002م إلغاء 90 بالمائة من ديون السودان فإن هذه النسبة لا تسري على حجم الديون لعام 2002م بل على حجمها لعام 1979م، وفي ما يخص الديون المستحقة لأعضاء نادي باريس فقط، وهكذا تطبق نسبة 90 بالمائة على 800 مليون دولار فيكون مبلغ الإلغاء 720 مليون دولار. والحقيقة أنه قد ارتفعت ديون السودان في هذه الفترة بسبب الحرب الأهلية وتراكم المتأخرات وضعف الصادرات في عام 2002م، مما جعل ديونه الخارجية تتجاوز 20530 مليون دولار ليحصل هذا البلد في نهاية المطاف على إلغاء بنسبة تقل عن 4 بالمائة من مجموع ديونه (العلاقة بين 20530 و720 مليون دولار). دور العوامل السياسية بطبيعة الحال ما قيل عن السودان ينطبق أيضا على البلدان المدينة الأخرى، لكن إلغاء الديون قد يتجاوز إلى حد كبير بنود كولونيا عندما تتدخل عوامل سياسية، ومنذ إنشاء نادي باريس وحتى الآن لم تحصل أية دولة في العالم على تسهيلات أكثر من تلك التي منحت لبولونيا ومصر، وأكد البيان الاقتصادي الختامي لمؤتمر الدول السبع الكبرى المنعقد بلندن في يوليو 1991م على الطابع الاستثنائي لهذه التسهيلات. وهذه إشارة واضحة موجهة للبلدان النامية المثقلة بديونها إلى عدم إمكانية حصولها على معاملة مماثلة. في مايو 1991م تقرر إلغاء 50 بالمائة من ديون مصر الخارجية المستحقة لدول نادي باريس. فعلى سبيل المثال تنازلت الولايات المتحدة عن ديونها العسكرية البالغة 7.1 مليارات دولار، كما حصلت مصر على امتيازات من دول غير أعضاء في النادي حيث قررت دول الخليج حذف 6.2 مليارات دولار من المديونية المصرية. وحسب وجهة نظر الحكومة المصرية فإنه لا بد من هذا الإجراء لأن الدولة تحملت خسارة بمبلغ 20 مليار دولار بسبب أزمة الخليج التي أدت إلى انكماش الصادرات وانخفاض تحويلات العمال المغتربين لعودة 600 ألف شخص منهم إلى بلدهم. ومما لا شك فيه أن مصر تعاني من مشاكل مالية واقتصادية كثيرة وأن إلغاء بعض الديون يساعد على ايجاد مناخ مناسب للتنمية، ولكن يجب ألا يتم ربط هذا الإلغاء بخسارة غير موجودة أساسا. فلم نجد في الإحصاءات العربية والدولية ما يدل على تلك الخسارة، بل بالعكس تماما لقد تحسن مركز ميزان المدفوعات بسبب الأزمة، فارتفعت الصادرات الكلية من 2853 مليون دولار عام 1989م إلى 3605 ملايين عام 1990 وإلى 3857 مليونا عام 1991م، ونجمت هذه الزيادة عن ارتفاع أسعار النفط في الفترة الواقعة بين أغسطس 1990م وفبراير 1991م فانتقل صافي عوائد الصادرات النفطية من 1019 مليونا عام 1989م إلى 1396 مليونا عام 1990م. كما تغير كليا مركز الميزان التجاري الذي يشمل الميزان التجاري وتحويلات العمال المغتربين إذ سجل فائضا بمبلغ 209 ملايين عام 1990م وبمبلغ 2274 مليونا عام 1991م، بعد أن كان يعاني من عجز طيلة السنوات. لم يحدث مثل هذا التحسن في أي دولة عربية أخرى. وشهدت المساعدات الإنمائية الخارجية زيادة هائلة مباشرة بعد أزمة الخليج، فقد ارتفعت من 1569 مليونا عام 1989ن إلى 5446 مليونا عام 1990 أي بزيادة قدرها 247 بالمائة، ولا توجد دولة أخرى سجلت مثل هذه الزيادة الكبيرة. قاد الإلغاء إلى تخفيف عبء الديون المصرية حيث انتقل حجمها من 51696 مليون دولار عام 1989م إلى 28179 مليونا عام 1997م أي ما يعادل على التوالي 159 بالمائة و37 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي. كما هبطت خدمة الديون في هذه الفترة من 2739 مليونا إلى 1366 مليونا، أي 83 بالمائة و25 بالمائة من قيمة الصادرات. لهذا السبب ارتفع حجم الاحتياطات الرسمية للبنك المركزي من 1520 مليونا إلى 18667 مليونا. لم تكن هذه الامتيازات تستند إلى اعتبارات اقتصادية، بل كانت ثمنا لدور الحكومة المصرية في تحسين العلاقات العربية مع إسرائيل ولوقوفها إلى جانب القوى المتحالفة ضد العراق إبان أزمة الخليج الثانية. أهداف حقيقية انطلاقا من حالات إلغاء ديون البلدان العربية وغير العربية نستنتج أن الدول الصناعية الكبرى تسعى إلى استفحال المديونية الخارجية لهذه البلدان بطرق عديدة، منها بيع الأسلحة وتمويل مشاريع غير إنتاجية، ثم يجري إلغاء قسط من الديون يتناسب حجمه مع المكاسب السياسية والاقتصادية للدول الدائنة، فلو كانت هذه الدول حريصة فعلا على سلامة مالية البلدان المدينة وعلى مستوى معيشة مواطنيها لبذلت الجهود في سبيل إزالة العقبات أمام صادرات البلدان المدينة، خاصة أن التنظيم التجاري العالمي الجديد يدعو إلى ذلك، وعندئذ ترتفع مقدرة هذه البلدان على مواجهة أزمتها المالية، وهكذا تتخلص من برامج صندوق النقد الدولي وتنتفي الحكمة من إعادة الجدولة والإلغاء، وتصبح العلاقات الاقتصادية الدولية مبنية على أسس سليمة. مؤشرات اقتصادية بالنظر لتفاقم أزمة المديونية الخارجية لجأت البلدان العربية أكثر من ثلاثين مرة إلى نادي باريس لإعادة برمجة التزاماتها المالية ناهيك عن الاتفاقات العديدة المبرمة مع نادي لندن وتلك التي عقدت خارج إطار هذين الناديين. وقد مُنحت أقطار عربية امتيازات مالية مهمة تصل إلى إلغاء بعض ديونها، ولم تحصل أقطار أخرى حتى على فترة سماح كافية. تباينت هذه المعاملة نتيجة تدخل عوامل سياسية وعدم الاعتماد على الاعتبارات المالية والمؤشرات الاقتصادية. لكن إعادة الجدولة لن تقود إلى معالجة المديونية العربية على المدى الطويل لأنها كقاعدة عامة تقتصر على تأجيل السداد، كما تستوجب تطبيق برامج مقترحة من قبل صندوق النقد الدولي تؤثر بصورة سيئة في معيشة المواطنين. لذا فقد بات من اللازم مواجهة السبب الأساسي لأزمة المديونية العربية المتمثل بحدة التوترات السياسية التي تتطلب تخصيص مبالغ طائلة للإنفاق العسكري، والعمل على تقليص هذا الإنفاق سوف يقود إلى ارتفاع معدلات الاستثمار والإنتاج والاستهلاك وإلى تحسن العلاقات التجارية العربية الخارجية والبينية وبالتالي إلى زيادة المقدرة المالية لخدمة الديون دون حاجة لإعادة جدولتها. د. صباح نعوش أكاديمي عربي بباريس