مرتان تركت فيهما سناء جميل بيتها.. تبكي حظها ولا تدري إلى اين سيقودها المصير.. المرة الاولى وهي فتاة صغيرة مات ابواها فخرحت من بلدتها باحدى مدن الصعيد وجاءت إلى القاهرة لتعيش مع شقيقها وزوجته.. والمرة الثانية عندما علم اخوها برغبتها في التمثيل فخرجت تسبقها دموعها بعد ان صفعها على وجهها صفعة لا تنساها حتى اليوم.
وفي تلك المرة لم تبك سناء وحدها بل كانت مصر كلها تبكي فقد وافقت اللحظة حريق القاهرة في 26 يناير 1952.
دراما انسانية مليئة بالشجن والدموع والامل في غد اكثر اشراقاً يحقق لها طموحها الفني الذي حاربت الدنيا كلها من اجله.
اريد حباً وحناناً
كان على سناء ان تواجه الحياة وهي لم تزل بعد طفلة في العاشرة من عمرها فقدت ابويها تلتفت حولها فلا تجد سوى الشفقة في عيون الناس.. وتولد في قلبها احساس الخوف من الزمن.. الخوف من المرض.. من الحاجة، وهو الخوف الذي يصرخه اليتامى فقط.
في القاهرة الحقها اخوها بالقسم الداخلي في المدرسة وانخرطت وسط زميلاتها فاخذ الخوف يتلاشى تدريجياً.. كانت تلميذة شقية وفي نهاية كل عام تقيم المدرسة حفلاً تمثيلياً غنائياً ومن خلال تلك الحفلات اكتشفت حبها اللامحدود للفن، والتمثيل، واغرقت نفسها في هذا الحب حتى اختاروها رئيسة لفريق التمثيل. والتحقت بمدرسة اخرى واصلت فيها هوايتها غير انها لم تكن تستطيع ان تبوح لشقيقها بذلك فالحديث عن الفن والتمثيل عيب.. وممنوع.
تزوير في اوراق رسمية
كانت مشاعر الخوف عند سناء قد ولدت لديها نوعاً من قوة الارادة والتصميم فقررت ان تلتحق بمعهد الفنون المسرحية وهنا تحمل اوراق حياتها مشاعر الحب والود لجارها صلاح الشاب الذي ساعدها ووقف بجانبها وقام بالتزوير في اوراق القبول التي قدمتها للمعهد فكتب اقرار الموافقة على انه اخوها غير ان شقيقها عندما علم بما حدث صفعها صفعة شديدة وخيرها بين ان تترك المنزل او تترك الفن.
ساعتها احست الدنيا قد اسودت في عينيها وان احلامها قد تبخرت، ولكنها تركت المنزل تسبقها دموعها وحسرتها، ويومها بكت مصر كلها لان القاهرة كانت تحترق.
ممثلة وعارضة ازياء
ومضت سناء إلى المصير المجهول.. تبحث عن مكان تقيم فيه، وليس في جيبها مليم واحد.. ولم ترد الدنيا ان تعطيها ظهرها، فالتقت مع زميلها في المعهد سعيد ابو بكر الذي كان متزوجاً من ايطالية.. اخذها وقضت معهما الليلة واخبرته بما حدث.
كان الفنان الكبير زكي طليمات هو عميد المعهد فذهبت اليه مع سعيد ووعد الرجل بأنه سوف يجد لها حلاً.. وفعلاً اخذها في فرقة المسرح الحديث وكان رئيساً له مقابل 12 جنيهاً.. ووجدت لنفسها مكاناً تبيت فيه في بيت الطالبات اسمه كونت هاوس. ولكنها وجدت ان المكافأة الشهرية لا تكفي فعملت في بيت ازياء ميزون سيلي وكان السهر يمتد بها لساعة متأخرة فتركت بيت الطالبات إلى مسكن مستقل.
عاشقة المسرح
كانت الفنانة الكبيرة نعيمة وصفي هي مثلها الاعلى واشتدت اواصر الصداقة بينهما واشتركا معاً في العديد من الاعمال المسرحية، غير ان اول لقاء حقيقي لسناء مع الجمهور كان من خلال مسرحية الحجاج بن يوسف.. ثم قدمت مسرحية زواج الحلاق وتشاء الصدفة ان يكون د. طه حسين من بين الحاضرين للعرض فكتب عنها عدة مقالات يشيد بها وبموهبتها الكبيرة.. وكان ذلك احد العوامل القوية لكي تسير سناء في طريقها المسرحي من نجاح إلى نجاح اكبر، وتشترك في روائع المسرح القومي ومنها ماكبث و بيت من زجاج و سلطان الظلام والناس اللي فوق" وغيرها.
شكراً.. سعاد
غير ان موهبة سناء جميل كانت فوق العادة ومن جديد يلعب الحظ دوره لتمثل في السينما وتبدأ بدور صغير في فيلم زينب وادوار اخرى مشابهة في عدة افلام إلى ان تأتيها القفزة الكبرى من خلال دور نفيسة في فيلم بداية ونهاية.. وهو الدور الذي كان مقرراً ان تقوم ببطولته سعاد حسني لكنها اعتذرت فما كان من صلاح ابو سيف الا ان اختار سناء لتسطر بهذا الدور نقطة تحول في مشوارها الفني وتصبح احدى نجمات الشاشة الفضية.
وتتوالى ادوارها في افلام المستحيل و الزوجة الثانية و حكمتك يا رب، وتوحيدة، وامرأة قتلها الحب وسواق الهانم وغيرها من الافلام التي تعتبر علامات في تاريخ السينما المصرية والعربية. وبالتوازي تحقق سناء نجومية تليفزيونية من طراز خاص وتضع على خريطة الدراما التليفزيونية شخصيات من طراز فضة المعداوي في مسلسل الراية البيضا.
أم.. مع وقف التنفيذ
وهبت سناء نفسها للفن.. لم يشغلها أي شيء اخر.. وحرمت نفسها من امتع معاني الحياة وهو الامومة.. فكما خيرها اخوها بين الفن وبين ان تترك البيت واختارت الفن.. خيرت نفسها ايضاً بين الفن والامومة واختارت الفن مرة اخرى تبرر ذلك بقولها: عندما بدأت مشوار الفن كان يجب ان اختار بين الفن وانجاب الاطفال ولانني لا استطيع ان اترك ابني لغيري لكي يرعاه فقد اخترت عدم الانجاب.
غير انها تجد في زوجها الكاتب الصحفي لويس جريس ابنها الذي تخاف عليه.. فهي تعتني به وبصحبته وتتابع بنفسها كل خصوصيات حياته الصغيرة والكبيرة، وهو - كما تقول - الذي علمها العطاء والتسامح وحب الحياة.
يقولون عن سناء جميل
لم اصدق نفسي
الكاتب الصحفي لويس جريس هو زوج الفنانة الكبيرة سناء جميل، وهو توأم روحها.. ورفيق جانب كبير من مشوارها.. يقول: تعرفنا وكنت انذاك صحفياً مبتدئاً.. اشق طريقي في مؤسسة روز اليوسف.. وكانت السينما تعرض لها فيلم بداية ونهاية.. شاهدته واعجبت بها ولم اتخيل ابداً ان نفيسة هذه البطلة المتألقة سوف تكون زوجتي، تقابلنا ودار حوار بيننا واخذنا نتحدث بشكل شبه دائم حتى توطدت العلاقة قوية متينة. ذات يوم صارحتها وقلت لها بالحرف الواحد: انت تعيش وحدك وانا اعيش وحدي، فلماذا لا يجمعنا بيت واحد.. وقالت لي: يعني نتجوز؟.. قلت نعم.. قالت موافقة بس خلينا اول الشهر.. وتزوجنا.
الضاحكة الباكية
الفنانة المتألقة خيرية احمد شاركت الفنانة سناء جميل بعض الاعمال التليفزيونية واشهرها ساكن قصادي تقول: لا انا ولا غيري يستطيع ان يقيم سناء جميل ولا ان يقترب من ابداعاتها لا لشيء الا لانها فوق النقد وفوق التقييم. سناء هي التي امتلكت ناصية المسرح المصري.. هي العاشقة وهي سيدة الاحساس.. وهي فوق هذا كله نموذج لعطاء فنانة اخلصت للفن وقدمت حياتها كلها ثمناً لرقيه وتألقه.. هي دائماً تبحث عن الجيد والمفيد، ولا تؤدي من الشخصيات الا ما يحمل رسالة وهدفاً انسانياً نبيلاً.. فنانة تتمتع بكل الطاقات الكوميدية والتراجيدية بشكل غير مسبوق. ويكفي انك حينما تدخل عملاً تكون مشتركة فيه فانك تدخله مطمئناً واثقاً من ان هذا العمل راق.
الكبيرة دائماً
الفنان المتألق احمد زكي شاركها بطولة فيلم سواق الهانم و اضحك تطلع الصورة حلوة يقول:
سناء جميل ـ هي جزء كبير من تاريخ الحركة الفنية في مصر والمنطقة العربية كلها.. ورغم هذا فانني لم اشعر ابداً انني امام عملاقة بهذا القدر من التميز.. فقط شعرت بأنني امام "ام" توزع حنانها على الجميع، كما توزع طاقاتها على ادوارها.. ومهما كانت نجومية من امامها فانه يحس بالضآلة والمحدودية.. هي فنانة لا تعرف التمثيل لانها تؤدي بتلقائية لم نعرفها من قبل، والجميل في سناء جميل انها مثل كل ابناء جيلها العظام لا تبخل بنصيحة على احد.. تأخذ بأيدي الصغار لكي يكبروا معها.. وهذه شيمة الكبار دائماً.