تركها وحيدها تعاني آلام الوحدة ولوعة الفراق تنتظره كل لحظة لعله ينسى ويطرق عليها الباب ذلك الباب الذي أوصده عندما بدأ حياته الجديدة مع العروس الجميلة. ونسي أن هناك أما طالما تعبت عليه وسهرت الليالي من أجله وتألمت لألمه, وفرحت لفرحه وحزنت لحزنه. كانت تخطف اللقمة من فيها لتلقمه إياها, كانت تحبس الدمعة من أجله حتى لا يشعر بمعاناتها, البرد القارس, والحر الملتهب يفتكان بعظامها الهشة وكانت تتحمل ذلك من أجله, من أجل أن توفر له الحياة الهانئة الرغيدة. ولكن حينما جاء الوقت لرد الجميل, الوقت الذي تتأصل فيه كل معاني الوفاء والإخلاص قابله للأسف بالجحود والنكران..
والواقع يسوق إلينا تجارب مؤلمة ويصور لنا ذلك أدق تصوير فيقول:
==1==
أغرى امرؤ غلاما جــــــــــــــــــاهلا==0==
==0== بنقوده حتى ينـــــــــــــــال به الوطر
قال: ائتني بفـــــــــــؤاد أمك يا فتى==0==
==0== ولك الدراهم والجـــــــــــواهر والدرر
فمضى وأغمد خنجـــرا في صدرها==0==
==0== والقلب أخرجه وعــــــــاد على الأثر
لكنه من فــــــــــــــرط سرعته هوى==0==
==0== فتدحرج القلب المعـــــــــــفر إذ عثر
ناداه قلب الأم وهــــــــــــــــو معفر==0==
==0== ولدي حبيبي هل أصابك من ضرر؟!!
فكأن هذا الصــــــــــــوت رغم حنوه==0==
==0== غضب السماء به على الولد انهمر
فاستل خنجـــــــــره ليطعن نفسه==0==
==0== طعنا سيبقى عبــــــــره لمن اعتبر
ناداه قلب الأم كــــــــــــــف يدا ولا==0==
==0== تطعن فؤادي مرتيـــــــن على الأثر
==2==
ولكن ما حال تلك الأم التي تنكر لها ابنها وطعن فؤادها ليس بخنجر فهو أهون عليها من تلك المعاملة السيئة التي تلقاها منه ومن ذلك الصدود والهجران التي من بها عليها وتركها للوحدة تنهش في جسدها الذي طالما أنهكته من أجله تركها طريحة الفراش والآلام تركها ولسان حالها يقول: ولدي .. يا نور عيني .. ونبض قلبي .. ولوعتي .. وقطاف سنيني
أبي حبك وإحساسك وقلبك وعطر أنفاسك
ابيك بحضني تتحسس كيف محتاجك
أبي تقول لي : يمه يمه ، أبي اسمعها منك كل لحظة إذا نسيت حرام تنساني.
كيف ينساك وأنت نغم يعزف على الوتر الحزين، كيف ينساك وأنت أنشودة الأمل القريب، كيف ينساك والجنان تحت أقدامك كيف ينساك وأنت مشعل النور في وقت الظلام أنت الراحة وسط الهجير، أنت من أوصى بك خير البرية وجعل لك حقوقاً ثلاثة، كيف ينساك وأول أنشودة يتغنى بها في مطلع كتابه بعدما ألتحق بالدراسة هي أمي.
لا تيأسي يا أماه فإن كان طال وقت الفراغ واشتد الوجد والشوق الهيام فلا بد له من عودة إلى سابق عهده.
ولسان حاله يقول:
==1==
على فراقك يا يمه انكســـر حيلي==0==
==0==ولا أغمض جفن سهـــــــرانه ليلي
ما عندي يا يمه قلب غيرك يا يمه==0==
==0==يحن وبالعطــــــــــف يروي غليلي
==2==
جوهرة الصقر