عزيزي رئيس التحرير: كلنا مشغولون بتربية ابنائنا فما هي النصائح التي يمكن ان نقدمها وتلخص واجبنا نحوهم:
1ـ من البديهي اعتبار القدوة الحسنة خير وسائل التربية للابناء، فان ظهور المشرفين على تربية الطفل في تلك الصورة الحسنة ـ خلقا وسلوكا ـ يكفيهم مؤنة الزجر والنهي ويجعل الأولاد يسيرون تلقائيا على الطريق المستقيم، والجادة السوية، فمثالية الوالدين لاتنتج سوى مثالية الأولاد، فالطفل في صغره كالصفحة البيضاء اوالورق الحساس الذي يستخدم في التصوير والافلام، انه يلتقط كل ما يقع تحت حسه ويحتذي كل ما يشاهده ان خيرا واعتدالا، وان شرا وانحرافا. فان الطفل في صغره يعد والديه المصدر الاساسي لاستقاء ما يعينه علىالحياة والنافذة الوحيدة التي يطل منها على الحياة، فاذا كان المصدر صافيا من شوائب الانحراف، خاليا من ادران الفساد ـ كان كالنبع النظيف الذي يرسل الماء الفرات، فالصدق والاخلاص، وحب الخير للناس من الفضائل المحمودة التي يرجو كل والد ان تنطبع في شخصية ولده، ولكن هذه الرغبة لن تتحقق الا اذا كانا بسلوكهما يشعان هذه الفضائل، فلا يعقل ان يلتزم الطفل الصدق ووالداه او احدهما يلتزم الكذب، فالوالد الذي يطلب من ابنه ان يخبر الطارق بان والده غير موجود لعدم رغبته في لقائه ـ هو والد يجني على ابنه دون ان يشعر، فقد سقاه الكذب ونشأ عليه.
2ـ غرس العقيدة وتأصيلها:
ان العقيدة السليمة تغرس في نفس الطفل بوسائل عدة اولها بل اهمها انبعاثها من نفس القائمين على تربية الطفل، فحرارة العقيدة تنبعث من نفس صادقة فتستقر فيها استقرارا يصعب معها اقتلاعها مهما كانت وسائل الاقتلاع فالوالدان ذوا العقيدة السليمة يكون اولادهما ذوي عقيدة سليمة ايضا فهذان الوالدان يقومان في البيت بسلوك ينم عن سلامة العقيدة واستواء النهج وينطقان دائما بما يتفق وتلك العقيدة في سلامتها واستوائها والاولاد من ورائهما او حولهما بحكم التقليد والاحتذاء بما ينطق به الوالدان من عبارات الايمان واليقين ويكون ذلك بمثابة البذرة الأولى لسلامة العقيدة عند الأطفال ولا على الوالدين سوى ارواء تلك البذرة بما يقويها وينميها في نفوس الاطفال بلفت نظرهم دائما الى مظاهر قدرة الله تعالى بالكون وافهامهم دائما بان هذا الكون الفسيح وتلك الطبيعة الجميلة الخلابة هي من صنع الله الواحد الاحد وتنبيههم كلما قاموا بعمل صالح الى ان جزاءهم من الله الجنة والجنة هي افضل واجمل من كل ما يشاهده الطفل في الحياة من مناظر أسرة وجمال خلاب وطيبات ممتعة وتنبيههم ايضا كلما قاموا بعمل سيء الى ان جزاء ذلك النار والنار مؤلمة وهي في ايلامها اشد من كل ما يحسه الطفل في الحياة من ألوان العذاب فينشأ الطفل وفي ذهنه ان الله سبحانه الذي خلقه وخلق له المتع التي ينعم بها في الحياة يجازي المحسن على احسانه بالجنة ويعاقب المسيء على اساءته بالنار فيشب ملتزما لا فوضويا.
3ـ حمدا لله تعالى على النعم وشكر الناس على المعروف:
ينبغي بعد غرس العقيدة في نفس الطفل ان نهتم بتوجيهه الى شكر الله تعالى على نعمه (ان اشكر لي ولوالديك الي المصير) ليعتاد الشكر دائما على النعمة واسداء المعروف وليسهل جذبه الى عبادة الله تعالى لقاء ما انعم به عليه فنفهمه ان الله تعالى هو الذي يمنحه القدرة الذكائية ليحصل على العلم وهو الذي يهبه النجاح والتوفيق وهو الذي يبرئه من المرض ويكفيه السوء فاذا كان صديقه يستحق منه الشكر على هدية اهداها اليه فالله تعالى يستحق غاية الحمد على نعمه التي لا تحصى وشكر الله يكون بطاعته والقيام بما فرض من فروض فلنوجهه الى الصلاة لله حمدا له على نعمه وآلائه ولنبين لهم اهم ثمار الصلاة ليحرص عليها باقتناع فمن ثمارها البعد عن الفحشاء والمنكر ومن كل ما يغضب الله وحب الخير للغير ليسير ركب الانسانية في طريق الفلاح المنشود (يابني اقم الصلاة وامر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما اصابك ان ذلك من عزم الأمور) صدق الله العظيم.
4ـ من العقيدة الراسخة مواصلة القيام بالعبادات المفروضة اذ يتفجر الخير من سلوك الطفل او ينبغي ان يتفجر تلقائيا او بالتنبيه اليه ومن ثم دور الوصية بالجانب التهذيبي التي يتفق مع القيام بالعبادات ليكون من اهم ثمارها وعلى رأس اهدافها فينبغي توجيه الطفل الى التواضع لله والاعتراف او الاقرار بان كل ما يحدث له من خير وفضل هو من الله المانح للخير والفضل والتواضع لله يأمر التواضع العزيز لمن يعاشرهم الطفل من البشر وهما معا يثمران غرس الحب في قلبه لمن حوله فيتحقق التآلف المنشود بين الطفل وافراد المجتمع الذي يعايشه وذلك التآلف الكبير ذو اثر كبير في اراحة النفس وهدوء الخاطر وشعور الطفل بسعادة اذ لا سعادة في جو تسوده الكراهية والبغضاء ان تآلف الطفل مع اقرانه يكسبه الاستقرار النفسي ويعود عليه بالنفع في حياته اذا كان هؤلاء الاقران من ذوي خلق كريم وشخصيات متزنة وهنا ينبغي تحذير الطفل بعد اقناعه من مخالطة قرناء السوء فهم كالمرض المعدي او الوباء الفتاك.
5ـ التحذير من الاسراف في كل شيء:
ان الاسراف في كل شيء يؤدي بالمسرف الى الافلاس المهين والاسراف حتى بالطاقات والقدرات البشرية مؤد الى تلك النتيجة السيئة والمسرف شخص تعوزه الشخصية السوية والسير المتزن في الحياة وهما لا يتحققان الا اذا درب الطفل على اكتسابهما منذ الصغر ومن ثم ينبغي تدريب الطفل على القصد في كل شيء في المال الذي معه وان في الطاقات الطبيعية الممنوحة له من الله الخالق وفي الوقت الذي يعيشه فكم من اطفال اهمل المسؤولون عنهم تدريبهم على الاقتصاد فانزلقوا بالاسراف ولم ينتبهوا الا بعد ان اودى بهم الاسراف الى عواقب وخيمة وعندها جأروا بالشكوى.
6ـ التزام الوسط في توجيه الطفل وتقويمه:
ان العنف في تربية الاولاد يشبه الاهمال البغيض والتدليل المسرف اذ النتيجة واحدة فالاطفال الذين يعيشون في هذين المناخين مناخ العنف او مناخ التدليل يؤدون بالنهاية الى شخصية مضطربة وان تفاوت الاضطراب ففي ظل العنف يكون الخوف والحقد وضعف الشخصية والرغبة المكبوته في الثأر والانتقام وفي ظل التدليل المسرف تكون الميوعة والحيرة وفقد الاعتماد على النفس ويكون الشخص كالميت في مجتمعه فيشعر بالآسى يعتصره حينما يوضع في معترك الحياة فلا يجد معه ما يصارع به الحياة ومن ثم ينبغي الاعتدال في تربية الأولاد وتنشئتهم فليبتعد المسؤولون في تربية الاطفال عن الاسراف والمبالغة في العنف والحنان لانه ضاران والواجب ان تلتزم الوسط فنعنف بعنف ونرفق بعنف نعنف حينما يستدعي الامر العنف الرحيم ونحنو دون ما اسراف بقلب الحنو الى الدليل المذموم. لابد ان يعاقب الطفل على الخطأ او التقصير عقابا يناسبه بعد توضيح خطئه وتقصيره ليقر بخطئه اقرارا يعتبر مبررا لعتابه او عقابه بعد الصفح عن الخطأ والتقصير كما انه لابد ان يشجع ويكافأ حينما يقوم بعمل فوق ما كلفه او يأتي بنتيجة اسمى مما طلب منه وهنا ينبغي ان نفهم ان مكافأة الطفل على العمل المنوط به تجعله يتقاعس عن اداء العمل اذا حرم المكافأة فيجب افهامه ان العمل الواجب عليه ينبغي ان يؤديه دون مقابل لان اداءه له يعتبر من اهم مقومات شخصيته في الحياة.
7ـ ارادة الاطفال يجب ان تراعى بقدر:
للاطفال ارادة ينبغي مراعاتها بقدر حتى يعتادوا حرية منذ الصغر فيدلون بآرائهم فيما يناسب تفكيرهم وقدراتهم من امور الحياة وهم في هذا المجال قد يصيبون او يخطئون فان اصابوا وجب التشجيع وان اخطأوا وجب التنبيه والتوضيح وهنا ينبغي ان نحذر التأنيب القاتل والتسفيه المخزي والزجر المحطم للشخصية فهذه العقوبات ذات خطر جسيم على شخصية الطفل ربما لايدركه الاباء ان واقع هذه العقوبات لان آثارها السيء لا يحدث النهر والزجر والتأنيب في ملأ من الناس او امام جمع من زملاء الطفل واصدقائه.
ان الطفل اذا انتقل الى ما بعد الطفولة من مراحل كان لزاما على المسئولين عن تربيته ان يحترموا حرية رأيه فيحققوا له رغباته المعقولة لأنها تتفق في معظم الاحيان مع ميوله التي فطر عليها.
8ـ رغبات الاطفال لايجوز رفضها دائما:
لانها تعبر عن ميولهم الفطرية وكبت الميول الفطرية السليمة بحجج واهية امر خطير جدا فواقع الحياة امامنا يؤكد هذا الخطر فالفتاة التي تجبر على الزواج ممن لاترغب بحجة ثرائه العريض او منصبه السامي او قرابته القوية تعيش زوجه فاشلة قصيرة الامد تكتنفها التعاسة والجحيم والفتى الذي يجبر على دخول كلية لاتتفق مع ميوله الفطرية يكون مآله التعثر ثم الرسوب وان كانت الدراسة سهلة لذا يجب على الآباء التوجيه والارشاد.
9ـ الكشف عن المواهب والميول:
ان الكشف عن ميول الطفل ومواهبه الفطرية ثم توجيه خطأه بالحياة نحو هذا الميول او نحو مرمى هذا الميول ما دامت سليمة امران يفجران ينابيع العبقرية.
فاستعراض حياة العباقرة بالعالم يؤكد ان هؤلاء قد سعدوا بأولياء امور فاهمين واعين يعرفون أصول التربية السليمة فعملوا جاهدين على كشف ميول هؤلاء الذين صاروا عباقرة كشفوا عن ميولهم منذ الصغر ثم وجهوهم الى اعمال في الحياة تتفق مع هذا الميول والدول المتقدمة تحرص بشتى الوسائل على كشف المواهب والميول لدى الاطفال لتوجيه خطاهم في الحياة نحو اعمال تتفق مع الميول بعد كشفها ونتيجة هذا المسلك التربوي السديد ظهر عدد غير قليل من العبقريين او القريبين منهم ان وجد لدى الاطفال قدر من الذكاء الفطري فالذكاء وحده لا يحقق العبقرية المنشودة فكم من اذكياء انطفأ ذكاؤهم وخبا وهجه لارغامهم على القيام بأعمال في الحياة لاتتفق مع ميولهم الفطرية.
10ـ مراعاة الجانب الانساني:
ينبغي الحرص على الجانب الانساني لانه يلزم كل انسان في المجتمع وبخاصة الذي يتصدى لتربية الطفل ان يفجر في نفسه ينابيع الرحمه ويستمع الى نداء الضمير الحي فلا يقصر تربيته الرحيمة الواعية على اولاده فحسب وانما ينبغي ان تعم اولاده واولاد غيره في مجتمعه واخص بذلك المعلمون بجميع المراحل وخاصة الاولى فعليهم الالتزام بالاسلوب الذي يرضاه الله في تربية النشء حتى يوجدوا لبنات صالحة لهذا المجتمع لينعم الجميع بثمارها مثل التربية السوية والرحمة والحب وتقوى الله لان كل هذا للجميع سواء للمعلم والمربي لننهض بالمجتمع.
د. ابراهيم الصحاف