ان الأساليب الكتابية او ما اعتبر منها مؤلفات في حقل (ذهان الطفولة) Functional psychosis كما كان يطلق سابقا على التوحد (الأوتيزم) كانت اقرب الى الاسلوب القصصي الوصفي، لذا لم تكن الصورة واضحة بالنسبة للاسرة ذات الطفل ذي (الاوتيزم) وغير مبشرة لها عن مستقبل هذا الطفل، واحتمالات تطور سلوكياته، وذلك نظير ندرة المعلومات الموضوعية المتاحة ابان تلك الحقبة الزمنية من الخمسينيات الميلادية، وتحديدا سنة 1956 على يد ليون ايزنبرج Leon Eisenberg الا أن تقرير (كانر) Kanner الذي قدمه سنة 1953 اتتبر مفاجأة ليس من حيث سنة اعداده سنة 1943، بل من حيث الدقة الوصفية للاطفال التوحديين فضلا عن متابعته لهم حتى سن العشرينيات من اعمارهم الزمنية، وخلص بتقريره الى اهمية التدريب لتلك الفئة على مستوى اللغة والتواصل والقدرات العقلية. كما اكد على حقيقة متى ما كان ذو (الأوتيزم) يمتلك مهارات اتصالية جيدة كان اقرب الى التطور والتقدم للافضل. ولم تكن دراسات (ميلدر كريك) Milderd Creak ، 1963 تظهر عنصر التجاوب مع الاتجاه الرئيس للحياة اليومية سواء بالتعليم او العمل من قبل الاطفال الذين تمت متابعتهم سوى 17 من أصل 100 طفل توحدي (أوتيزم).
ومن الاسماء التي دعمت تقرير كانر Kanner كتابات هانز اسبرجر Hans Asperger 1943 الا انه لم يكن متفائلا، وبخاصة اذا ماكان ذو الاوتيزم يعاني صعوبات التعلم، وتؤيد ما سبق كتابات كل من تمبيل جراندين واخر Temple Gradin etal &، 1986 ودونا وليامز Donna Williams من 1994 ـ 1992 ويضيفان ان الاوتيزم قد يظهر تفوقا في بعض الانشطة التي لا تتطلب الاشتراك الجماعي اثناء ادائها مثل بعض فروع الفن والموسيقى او الاعمال الحسابية. اما فريث Frith 1991 فيؤكد ان البالغين من (الأوتيزم) اذا كانت قدراتهم مدعمة باهتمامات خاصة فان الكثير منهم يمكنه توظيف تلك القدرات والمهارات جيدا او التأقلم جيدا مع المجتمع المحيط بهم اما من حيث الطرق التوافقية مع اعاقتهم فالقلة منهم من ينجح في التغلب على ذلك.
وقبل ان نستعرض الخلاصات لتلك الدراسات مجتمعة فان لنضمن اسماء قدمت جهودا قربتنا اكثر من ذوي الأوتيزم مثل لوتر Lotter 1978 ومايكل روتر michael rutter 1960 وميتلر ج واخر Mittler&eta 1966 ودي مير واخر Demyer&etal 1973. هذه الخلاصات التي سنقدمها هي نتاج خمسة وثلاثين عاما من العمل الدؤوب من سنة: 1943 حتى سنة 1978 ساعدت بشكل رئيس للتكهن او التوقع في ما بعد لوضع معايير تشخيص التوحد (الاوتيزم) وفي ذات الوقت تعد مؤشرا لاحتمالات التطور المتوقعة للوضع العام لافراد تلك الحالات.
1ـ مؤشر (سن الخامسة) حيث الاستخدام الواضح للغة لدى الاطفال احد المؤشرات الهامة لتحديد تلك الحالات.
2ـ استجابات ذوي (الأوتيزم) المنخفضة على مقاييس الذكاء (55 ـ 60) مع الاعتماد على الاخرين وبشدة.
3ـ حاجة ذوي (الأوتيزم) للتعليم والتدريب بدلا من المستشفيات يعتبر احد المؤشرات كما لاحظ (كانر) Kanner 1973. ومما هو جدير بالاشارة ان الامكانية في الربط بين بداية التعلم ونوع التعليم المقدم لافراد هذه الفئة، وبين الصورة النهائية التي يمكن ان تتطور اليها قدرات هؤلاء الافراد، فهي ايجابية اما علاقة التأثير والتأثر بين التعلم وبعض العوامل مثل اللغة ومستوى معامل الذكاء فانها ستظل على المدى الطويل غير واضحة من الناحية الوظيفية كما انها تحكمها الحالات الفردية من درجة الاضطرابات لدى كل فرد على حدة.
كما ان هناك من العوامل التي تؤثر على تعلم ذوي (الأوتيزم) نوجزها فيما يلي:
ـ درجة اعراض (الأوتيزم).
ـ اضطرابات السلوك المبكرة.
ـ العوامل الاسرية.
ـ جنس الطفل.
ـ علاقة الجنس (ذكور أو إناث) بالتطورات المتوقعة لحالات (الاوتيزم) (دراسة Lord and schopler من 1985).
تعد حقبة الثمانينيات والتسعينيات الميلادية من اكثر الحقب الزمنية التي شهدت الثبات والاستمرارية من حيث استطراد بناء التقارير والدراسات على ذوي (الأوتيزم) بدءا من دراسات كل من (تشونج) و (لي) chung&Lee من 1990 نهاية بدراسة (ماوهود) Mawhood من 1995 وخلصت على الرغم من الفوارق الحضارية وتاريخ الدراسة وعدد الحالات ومتوسط ومدى معامل الذكاء للافراد المشتركين في عينة الدراسة، ومتوسط ومدى العمر الزمني للافراد المشتركين في عينة الدراسة الى النتائج التالية:
1ـ تعد (اللغة) مؤشرا رئيسا لتشخيص هذه الفئة.
2ـ عدم امكانية التفريق بين التوظيف والعلاقات الاجتماعية بين كل من الجنسين.
3ـ الاضطرابات السلوكية الواضحة لدى هذه الفئة كالعدوان والتدمير وايذاء الذات وفرط النشاط والعناد.. الخ مع بداية المراهقة.
4ـ بطؤ التعلم اجمالا.
5ـ صعوبة التفاعل، وتكوين العلاقات الاجتماعية.
6، المحادثة مع الذات. انخفاض اداء افراد هذه الفئة على مقياس الفاينلاند للنضج الاجتماعي.
7ـ انخفاض عام في الكفاءة الاستقلالية.
8ـ ضعف الاستمرارية في التعليم الأكاديمي.
بقي ان نضمن مقالنا هذا الحقائق المريرة للجهود العربية المبذولة مع هذه الفئة على المستويين الرسمي (الحكومي)، وغير الرسمي (الاهلي) فهي لاتعد جهودا بقدر ما تعد اجتهادات تقدم على مدى خمس ساعات في اليوم الدراسي في ظل ما تسمى ببرامج تربية فكرية على مستوى الوطن العربي الكبير بالرغم من الهالة الاعلامية الزائفة المصاحبة لها، والداعمة لاستراتيجياتها الضحلة من خلال الندوات والمؤتمرات هنا وهناك، ومازالت تلك الاجتهادات في غيبوبة، ومعزل عن تلك الجهود التي تبذل في دول الشمال، ومما يندى له الجبين ان الاسرة مغيبة كل التغيب عن تلك التي تسمى جهودا تبذل مع ابنها فضلا عن افتقار الاسرة العربية معرفيا ونفسيا واجتماعيا وطبيا لأبسط اساليب التعامل مع خصائص هذه الفئة ناهيك عن برامج التعليم والتأهيل والتدريب التي تعتبر التغذية الراجعة الحقيقية والمكملة لأدوار تلك البرامج وذلك لبناء شخصية (الأوتيزم).
الاختصاصي النفسي
أمين بن حجي البودريس