لاشك ان للمحتوى الفكري لكل شخص تأثيرا على السلوك والتصرفات والمعتقدات ومن خلاله يمكن للشخص النظر للعالم من حوله بحسب ما يتوفر لديه دماغيا من معلومات وخبرات ومواقف تراكم جلها في العقل الباطن مما يحدد طبيعة السلوك الذي يتبناه الشخص ازاء أي ظرف من الظروف وهذا ما يسمى بالعالم الشخصي.. وكل له منظاره الخاص خصوصا حال اعتقاده الجازم بان كل ما يتبناه هو الصحيح وهي نظرية الالغاء حيث يتم الغاء ما يتبناه اي طرف آخر ما لم يتوافق مع مبادئه هو.
الكتاب وهم على قدر من الجرأة في عرض ما يتم اكتسابه ذهنيا على الاخرين بقصد جمع القلوب على ما يرون وفقا للمعطيات التأثيرية النفسية او الفكرية المنطقية التي يرسلونها نحو ادمغة القراء بقصد التأثير عليهم اما سلبا او ايجابا.. ولاشك ان للقراء من القدرات الفكرية ما يمكنهم من غربلة تلك الرسائل الموجهة ومعالجتها وفقا لمعتقداتهم الشخصية.. وهنا يجدر بنا الوقوف عند مسألة الاعتقاد الناتج عن خبرات مكتسبة عبر الزمن تحدد لنا نمط السلوك الذي نراه مناسبا في حال تكرر الموقف في المستقبل.. سواء أكان رأيا او حادثا او سلوكا.. بيد ان ذلك لا يمنع من حدوث خلل في مرحلة المعالجة فتظهر النتائج غير سليمة على وجه الحقيقة وليس على ضوء ما يعتقده نفس الشخص.. وهنا يأتي دور المعتقد للوقوف على ميزان يحدد لنا صحته من سقمة وهو مدى موافقته للخطاب الرباني الإلهي بحيث يكون موافقا لمرضاة الرب الخالق سبحانه وتعالى.. الامر ليس معقدا، فالناشئ على ضوء الكتاب السنة يملك الآلة التي تمكنه من أخذ القياسات الصحيحة لمعتقداته ويعمل على تغييرها بما يتوافق مع الشريعة الربانية ويطورها وفقا لمعطيات العصر. وبعد هذه المقدمة التي لابد منها للدخول الى عمق الموضع الذي ارغب مناقشته.. اقول وبالله التوفيق.. برزت في الآونة الاخيرة ظاهرة التطرف الفكري التي تقوم على مبدأ الهجوم والايحاء النفسي المريض، حيث ظهر بعض الكتاب في صحف محلية بمنهج فكري متطرف منحرف لايمت للعملية التنويرية التوعوية بصلة سوى ما قد يمس الامن الفكري لكثير من القراء جراء تعاطيهم لما يكتبه اولئك من سم ظاهر ينخر في اوردة المجتمع دون حياء او تقوى من الله مخلفا اضرارا بليغة وخطيرة.. واسوق للقارئ العزيز شيئا من هذه الأطروحات المتطرفة تاركا للقارئ العزيز حق النظر والتأمل.. يقول الكاتب في مقال بعنوان (ثقافةالموت في مدارسنا) (الخطوة قصيرة جدا بين التشبع بفكرة الزهد في الحياة والتكيف مع فكرة الموت واقناع الشاب بانه مادام انه ميت لا محالة فلا تكن هذه الميتة (في سبيل الله) وهذا ما جعل كثيرا من الشباب يقعون ضحية لبعض المتطرفين الذين يستخدمونهم في تنفيذ بعض الاعمال التي يزينونها لهم بأنها جهادية).. (ولاشك ان هذا النوع من الوعظ يعرض هؤلاء الطلاب الصغار الى مشاهد مرعبة لم يتعودوا عليها).. ويشهد المعرض عددا من المحاضرات التي لم يبعد مضمون اغلبها عن دعوة هؤلاء الطلاب الى الانتماء الى التيار الذي يطلقون عليه (تيار الصحوة الاسلامية) أو (تيار الدعوة) وهو الذي كثيرا ما ينتهي الى تيار (الجهاد).. (كما ان المدرسين يمارسون هذا النوع من الوعظ في الحصص التي يدرسونها).. (فهناك اصرار عجيب من بعض الوعاظ على المبالغة في تضمين مواعظهم التخويف من عذاب القبر واهواله).. (ومن هنا فلا غرابة ان يتعرض كثير من الناس للامراض النفسية والوساوس).. (ربما كان احد اسباب شيوع مثل هذه الممارسات المرعبة شعور كثير من الوعاظ بانهم فشلوا في جهودهم الوعظية).. (وهناك سبب آخر وراء هذه الطريقة في الوعظ: فهي تمثل بداية طريق تجنيد الاتباع فتشبع الشباب بفكرة الموت يزهدهم في الدنيا ويجعلهم اكثر قبولا للانخراط في النشاطات الدينية التي يمكن ان يديرها اناس لهم اغراض خفية). هذا رأيه في خيمة البداية والنهاية التي تقام تحت مظلة نظامية وقانونية معتمدة رسميا.. واليك مقتطفات اخرى من مقال لنفس الكاتب وهو بعنوان: (دعاة لا معلمون) والعنوان هنا يكشف عن الهدف من فكرة الموضوع وهو قريب من نفس مضمون المقال السابق لذا سأختصر.. يقول (يتسائل الناس دائما عن الاسباب التي أدت الى تدني مستوى التعليم في بلادنا).. (اهتمام كثير من المؤسسات والافراد ما يسمى بـ(الدعوة). فقد اصبحت نشاطا تمتلئ باخباره الصحف، فهناك مخيمات (دعوية) ومعارض بمسمى (كن داعيا). وتوسع الأمر حتى وصل الى ان يكتب على فاتورة الكهرباء شعارا يقول: (الدعوة الى الله علم ووسيلة). لهذا اصبحنا محاطين بـ(بالدعوة) و(الدعاة) من كل جانب.. (وصار بعض المعلمين مفتيا لطلابه).. (وتساعد المناهج نفسها هؤلاء على ان يكونوا (دعاة). فقد اصطبغت الكتب الدراسية جميعها بصبغة دينية).. (ومن هنا فأحد أسباب تدهور التعليم ان المدارس لم تعد بيئة للتعليم كما نعرفه، بل اصبحت مكانا للوعظ والتزهيد في الدنيا وتحويل الطلاب الى اتباع لبعض التيارات التي ربما تقودهم الى مآلات غير مرضية).
أخي القارئ الكريم.. هذا انموذج صريح يدل دلالة واضحة على ان بدايات لفكر متطرف آخذ في الظهور وصاحبنا لم يكتب ما كتب اعتباطا بل هذا ما يراه وفقا لما يصوره له عقله الباطن مكونا له معالم لعالمه الشخصي، وهو كما ذكرت نتاج محتوى فكري شخصي مبنى معتقدات غير علمية وتفتقر الى روح الاتزان والانصاف كما يظهر.. وهذا ولاشك مرض له اسبابه وهذه مظاهره ولاشك من ان العلاج ليس بعسير وان كان يحتاج الى بعض الوقت.. ولكن لنتعرف على الاسلوب المستخدم من قبل الكاتب والطريقة التي يرغب من خلالها للتأثير. من الواضح انه استخدم اسلوب الطلقة ـ الرصاصة ـ المفاجئ وتوجيه الرأي العام بصورة سريعة نحو الاهداف التي يرغب في التسديد المباشر نحوها وهي كما يظهر (الدعوة الى الله ـ الدعاة ـ الجهاد ـ الموت) مستفيدا من معطيات الاحداث الراهنة في الشرق الاوسط وشيوع مصطلح الارهاب والحركات الاصولية.. واظن غير جازم بان الكاتب يسعى لتسجيل تلك المصطلحات ضمن قائمة الارهاب، وذلك حسبما يظهر من الاسلوب المستخدم في كتابة المقالين.. وبتعميق النظر في البحث عن مصادر ومنابع هذا الفكر نجد ان صاحبنا يخلط بين الاسلام والمسيحية المحرفة المبنية على الكهنوتية ورجال الدين والكنيسة وهو مالا ينطبق على الاسلام بأي حال من الأحوال فليس في الاسلام رجال دين ورجال دنيا بل المسلمون يتفاوتون في منسوب الايمان زيادة ونقصا وذلك بحسب علمهم بالله سبحانه ثم ان الاسلام يدعو لزيادة المعارف الدنيوية فضلا عن الدينية بما يكفل عمارة الارض بالطرق العلمية المنهجية ـ ولن ادلل على ذلك اختصارا ـ.. ونكتفي بأول آية انزلت على سيدنا محمد ـ صلى الله وعيه وسلم ـ لتكون اساسا للعملية العلمية والتعليمية مع بزوغ فجر الاسلام وناقضت للمقال الثاني قبل الاول من الأسس.. واخيرا.. أرى ان طرحا كهذا يتعارض مع اسس شرعية واعتمادات رسمية وانشطة تقوم عليها وزارات تابعة للدولة فضلا عن تهكمات من احداث لصيقة بتاريخ وطننا الغالي.. ان بلادنا تنعم بالامن والاستقرار ومثل هذا الطرح لا يتناسب مع الاوضاع الراهنة فضلا عن انه عرض بطريقة تشكك في مصداقية ومقاصد الموضوع.. فهو أقرب للفكر الاستشسراقي المدسوس، حيث تدور حوله العديد من اشارات الاستفهام وعلامات التعجب ويمكن الرجوع للنصوص الكاملة لكلا المقالين في صحيفة الوطن بتاريخ 24/1/1424هـ عدد 909 ـ وبتاريخ 6/2/1424هـ عدد 921 ـ لكاتبهما (حمزة قبلان المزيني).