هكذا بلغت الجرأة بالتجار المخالفين لكل قواعد وأصول البيع والشراء، والضاربين عرض الحائط بكل القيم الدينية السامية والتعاليم الإسلامية العظيمة التي تحض على مكارم الأخلاق، وفي مقدمتها ـ بل وعلى رأسها ـ الامتناع عن الغش وتجنبه ومقاومته. فهاهي بعض العمالة الوافدة تمارس الغش ـ تحت سمع وبصر الكفلاء من التجار الذين استقدموهم، والذين يقومون بالتغطية على ممارساتهم المخالفة التي تعد من أكبر الجرائم التجارية، فقد قرأت في ملحق " اليوم الاقتصادي"عن قيام أعضاء هيئة ضبط الغش التجاري بضبط عمالة أجنبية تقوم بتعبئة " شامبو" ماركة معروفة- في مختلف مناطق المملكة. كذلك تم ضبط كميات كبيرة فارغة ومعبأة من الشامبو، بالإضافة إلى كميات كبيرة من الملصقات والمواد الخام المعدة للتصنيع. وجاء في الخبر الذي نشره " اليوم الاقتصادي" في عدده الصادر الأحد 4 من صفر الحالي- أن وكيل وزارة الشوؤن البلدية والقروية للشؤون الفنية عبد الرحمن الدهمش وجه بتكثيف الرقابة الصحية لمنسوبي وزارة الشؤون البلدية والقروية بالتعاون مع وزارة التجارة. وأوضح أن ظاهرة الغش التجاري في السلع وغيرها من المنتجات لها أشكال متعددة بسبب الأعداد الكبيرة من العمالة الوافدة. ويضيف الخبر الذي نشر في الصفحة الأولى أن أحد الأحواش الواقعة على طريق الخرج القديم، والذي يبعد 75 كيلو متراً عن الرياض- والذي تم ضبطه مؤخراً- يعتبر من أكبر الأماكن التي تصدر الشامبو المعبأ إلى مختلف المناطق، حيث تقوم وزارة التجارة بالتعاون مع وزارة الشؤون البلدية والقروية بعمليات مسح في الأسواق ومصادرة الشامبو المغشوش. ولاشك أن هذا الخبر يعكس حالة تدعو إلى الأسى والحزن، ليس لأن أجزاء من هذه العمالة " العشوائية" الوافدة تمارس هذه العمليات من الغش والتحايل، ليس لهذا السبب فحسب، بل لأن هؤلاء "الكفلاء" الذين استقدموا هذه العمالة هم السبب الحقيقي في هذه المشكلة، أو الظاهرة إذا جاز التعبير وهؤلاء الكفلاء هم الذين استقدموا هذه العمالة، وهم يعلمون منذ بداية الأمر أنه لا عمل لهم ولا وظيفة ولا مهنة، بل أنهم يعلمون أن سوق العمل ليست بحاجة إليهم أصلاً، وأنهم لن يضيفوا إليها شيئاً. هذه نقطة مهمة في الموضوع. والنقطة الأخـــــرى أن هذه العــمالة " العشوائية" و" السائبة" تدفع لهؤلاء الكــفلاء مقــــابل التستر عليهم، وتركهم لـ " الاسترزاق" غير المشروع، الأمر الذي يعد جريمة أخرى في حق المجتمع. أما ثالثة الأثافي، فهي إفساح المجال أمام هذه العمالة الوافدة لكي تعيث في الأرض فساداً، وتشجيعهم على الإضرار بصحة المواطنين وحياتهم من خلال هذه المواد المغشوشة التي أقل ما يمكن أن تسببه من أذى للمواطنين والمقيمين على حد سواء، الأمراض الجلدية التي يمكن أن تصيب الرجال والنساء والأطفال، بالإضافة إلى أمراض أخرى لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى، بسبب ما تحتويه هذه المساحيق و" الشامبوهات" من مواد كيميائية غير صالحة، حيث تستخدم بعيداً عن عيون الرقابة وبعيداً عن إشراف المختصين، وحيث يتم خلطها وتصنيعها في هذه الأوكار التي يستخدمها هؤلاء الغشاشون المحترفون. أن هؤلاء الكفلاء الذين سمحوا لهذه العمالة العشوائية و السائبة بهذا العبث، يجب محاسبتهم حساباً عسيراً على ما يرتكبون من إثم وذنب لا يغتفر في حق وطنهم. هكذا يمكن أن " نقرأ" هذا الخبر الذي نشره ملحق " اليوم الاقتصادي" وهكذا يمكن أن " نقرأ" هذه الممارسات الرديئة التي تمارسها بعض قطاعات العمالة الوافدة في بلادنا. والخلاصة الوحيدة الصحيحة من هذه " القراءة" هي ما يجب أن تقوم به الجهات المعنية والمسؤولة إزاء هذه الممارسات، وما يجب أن تقوم به الجهات المختصة من إجراءات فعلية لردع المتلاعبين بصحة المواطنين والمقيمين، وعلى رأس هذه الإجراءات ضرورة توقيع أشد الجزاءات ضد كفلاء هذه العمالة والمتسترين عليهم، وفرض أقصى حد من الغرامات المالية عليهم، بل وحبسهم حتى يكونوا " عبرة" لمن تسول له نفسه بإرتكاب مثل هذه المخالفات. أما ثاني هذه الإجراءات فهو ترحيل هؤلاء العمال الوافدين وتطهير أسواقنا التجارية من أمثالهم، حتى يرتدع من يفكر بين هؤلاء بالقيام بالعمل نفسه، وحتى يمتنع عنه حتى لو طلب منه كفيلة ذلك، أو شجعه على القيام بمثل هذه المخالفات. أن " القراءة" الصحيحة لهذا " الفعل" الآثم، تكشف عن مخالفات عديدة، وليست مخالفة واحدة كما يبدو للكثيرين، ومن هنا يجب أن يكون رد الفعل بحجم الفعل نفسه، وهذا أبسط قوانين المجتمع وحركة الطبيعة أيضاً التي تقول لكل فعل رد فعل مساو له في القوة ومضاد في الاتجاه. حاسبوا هؤلاء قبل أن يتسع نطاق الغش التجاري، وحاسبوهم بقوة وبلا تهاون، ولا تأخذكم بهم رأفة.وتحية لكل من يقاوم هؤلاء الغشاشين والمتحايلين، تحية لأعضاء هيئة ضبط الغش التجاري بوزارة التجارة لجهودهم في مكافحة عمليات إفساد الأسواق التجارية. ونشكر لهم يقظتهم في مراقبة الأسواق وحماية المواطنين والمقيمين من عديمي الضمائر والذمم. ونرجو المزيد إذ أن " وراء الأكمة ما وراءها"! أحمد بن عبد الله العتيبي ـ الثقبة