DAMMAM
الخميس
34°C
weather-icon
الجمعة
icon-weather
34°C
السبت
icon-weather
37°C
الأحد
icon-weather
33°C
الاثنين
icon-weather
34°C
الثلاثاء
icon-weather
36°C

خليل الجيزاوي

د. حسن فتح الباب : واجب المبدع الالتزام بالدفاع عن قيم الحق والحرية والعدالة

خليل الجيزاوي
 خليل الجيزاوي
هناك ما يسمى بأدب الحرب، وهو الذي يعبر عما يجري في الحروب ويصور ما يحدث فيها، وهذا التحقيق يدور حول ادب الحرب وعلاقته بالحرب الاخيرة في العراق، والواضح من خلال الآرا ء المذكورة ان الشعر كان اسبق في التعبير، أما بقية الانواع الادبية فانها تحتاج إلى مزيد من الوقت حتى يستوعب الادباء ما يحدث ويلموا بالكثير من التفاصيل التي ستظهرها الايام القادمة، لذلك فإن القصة القصيرة والرواية والمسرحية لم تعبر بعد عن الحرب العراقية الأخيرة. قيم الحق يشير الشاعر الدكتور حسن فتح الباب إلى ان موقف المثقف العربي من الاحداث العاصفة الجارية يختلف باختلاف وعيه السياسي وموقعه من الطبقات الاجتماعية، بمعنى ايديولوجيته، فالكثرة الغالية تؤمن بالانتماء إلى الوطن والامة والإنسانية، وترى طليعتها ان واجب المثقف والمبدع الالتزام بالدفاع عن قيم الحق والحرية والعدالة، ومن ثم تكتب ادب المقاومة لا بمعناه الضيق، وإنما بمعنى مقاومة كل ما يقف عقبة في سبيل ازدهار ملكات الإنسان وحقه في حياة حرة كريمة. وفي نظرة تاريخية يوضح فتح الباب انه في مصر واكب الشعراء الدفاع البطولي للشعب إلى جانب قواته المسلحة في معركة السويس بعد العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، فكانت الجماهير تردد نشيد (الله اكبر) الذي كتب كلماته الشاعر عبد الله شمس الدين ولحنه الموسيقار محمود الشريف، وقصيدة الشاعر كمال عبد الحليم (دع سمائي فسمائي محرفة - واحذر الارض فارضي صاعقة - انها ارضي انا - وابي ضحى هنا - وابي قال لنا مزقوا اعداءنا). إن كلمات الشعراء واصوات المغنيين والمنشدين تصبح مثل طلقات الرصاص، فهي تستنهض الهمم وتشعل غريزة الدفاع عن الارض والعرض والكرامة في قلوب الجماهير، فيتدافعون إلى القتال والقيام بعمليات فدائية يضحون فيها بارواحهم من اجل الوطن، وهذا الموقف من المثقفين هو الحد الادنى من واجب الدفاع البطولي الذي ينبغي ان يقوم به الاحرار والشرفاء. ومازلت اعتز بديواني الاول (من وحي بورسعيد) الذي صدر عام 1957 بعد ان اندحر العدوان الثلاثي الغاشم على بلادنا بشهور قليلة، وكذلك ديواني (حبنا اقوى من الموت) وقد استلهمته من وقوفي على أطلال خط بارليف في الضفة الشرقية لقناة السويس وانتصار ابناء مصر المقاتلين في حرب العاشر من رمضان سنة 1393 هجرية السادس من اكتوبر سنة 1973 ميلادية. ومازال الادباء المناضلون شرقا وغربا يرددون قصيدة (الحرية) التي كتبها الشاعر الفرنسي بول ابوار اثناء الغزو النازي لبلاده، وكذلك قصائد الشاعر لويس ارجون. ومما يجدر بالذكر هوشي منة القائد والزعيم الفيتنامي كتب قصائد من وحي المعارك التي خاضها شعبه ودحر فيها الولايات المتحدة الامريكية، ومن ثم فإن للمبدعين دورا بالغ الاهمية اثناء الحروب وقبل اشتعالها، في شحذ إرادة الشعوب للدفاع عن القضايا العادلة في وطنهم او في الأوطان الاخرى. فلنناصر شعبنا الشقيق في العراق بكل ما نملك. مفهوم المقاومة يؤكد الناقد احمد عبد الرازق ابو العلا أن مفهوم المقاومة قبل حرب العراق كان مفهوما تقليديا، لانه ارتبط بالادب الفلسطيني في ظل الاحتلال الاسرائيلي، خاصة في الشعر الفلسطيني مثل قصائد محمود درويش وسميح القاسم، وروايات غسان كنفاني وإميل حبيبي ورشاد ابو شاور، ومسرحيات معين بسيسو، ومن خلال هذه الإبداعات تعرفنا على أدب المقاومة الذي كان قادرا على القيام بدوره في الارض المحتلة، لدرجة ان إسرائيل ذكرت في صفحها ان المثقفين العرب مادة انفجار، وقد وصلت إلى هذا الفهم من خلال ما قدموه من ادب يحث على مقاومة الاحتلال. واوضح ابو العلا انه مع الحرب العراقية - بصرف النظر عن ان صدام ديكتاتور - نجد ان العراقيين يطرحون مفهوما مغايرا للمقاومة، الامر الذي يستدعي من المثقفين والمبدعين ان يكونوا بنفس القدر من التميز والاستيعاب لكي يستطيعوا تقديم ادب يتناسب مع ما حدث ويحدث، لكي يصلح ان يكون ادبا شاهدا على تلك الحرب للأجيال القادمة التي ربما لن تعرف شيئا عما يحدث الآن، وهذا لمسناه في كتابات همنجواي وتولستوي، وغيرهما، حيث قدموا ادبا رفيعا يؤكد على فكرة ومفهوم المقاومة، فقد كتبوا رواياتهم بعد انتهاء الحرب، سواء العالمية الثانية او الحرب الاهلية الاسبانية. وأعتقد ان ما يكتب الآن لا يمكن ان نسميه ادب الحرب او الادب المقام، لان ادب الحرب الحقيقي سيظهر بعد انتهاء الحرب، وما يكتب الان يمكن ان يدخل فيما نسميه (بجلد الذات)، وهو ما يتعلق بالتعبير عما يجب ان تفعله وانت لا تستطيع ان تفعله، ومن ثم تأخذ الكتابة شكل التداعيات والمواقف المباشرة والخطابية التي ربما لن تحيا حياة حقيقية بعد انتهاء الحرب. ويؤكد ابو العلا انه على الكاتب المبدع الان ان يطور ادواته ويحدد رؤيته وموقفه تجاه ما يحدث لكي يكون جاهزا ابداعيا للتعبير عن تلك الحرب، واعتقد ان ادب الحرب لا يمكن ان يحيا حياة حقيقية إلا إذا حدث تضافر بين ن الاجتماعي والسياسي، لأن الدمج بينهما سوف يقدم ادبا إنسانيا يكتب له الخلود، ويمكن ان تقرأه في أي فترة بصرف النظر عن استمرار الحرب او انتهائها. ويرى ابو العلا ان الحرب اكدت ان المبدع العربي عليه ألا يكون مستلبا للمفاهيم الغربية في الابداع والنقد، وهي المفاهيم التي ارادت ان تطم هويته وتبعده عن ذاته المبدعة، وتدخله في الأفكار التي صنعها الغربيون بأنفسهم ليوهمونا انه إذا لم نتبنها سوف نكون في منطقة التخلف وليس التحضر، ومن هذه الافكار فكرة النظام العالمي الجديد وثقافة العولمة ومفهوم القرية الكونية، حتى مفهوم الحداثة الذي تبنته بعض المناهج النقدية بغير هوية، وقد رسخت هذه الافكار، لدرجة انك إذا اردت ان تبحث عن قصائد لفكر او ثقافة المقاومة لن تجد إلا اعمالا قليلة تعد على اصابع اليد الواحدة، الامر الذي يكشف ان المثقف العربي انشغل بالمفاهيم والافكار وانساق وراءها دون ان يهتم بمقاومتها، تلك المقاومة التي تحافظ على هويته التي تزعج الغرب، وليس امريكا فقط او اسرائيل. والحرب العراقية ينبغي ان تغير المفاهيم الابداعية والنقدية، وهذا جزء ضئيل مما تغيره الحرب، فهناك اشياء كثيرة تغيرها الحرب، والتغيير الكبير سينعكس على المفكرين والمبدعين وأرجو أن يكون هذا التغيير إيجابياً وليس سلبيا، كما حدث في الكتابات التي كتبت تعبيرا عن نكسة 1967، فمعظمها تبنت فكرة جلد الذات، وأرجو ألا يستمر تبني هذه الفكرة بعد انتهاء الحرب على العراق، وإنما ان يكون لدينا ادب مقاوم وفعال ومحافظ على الهوية وغير مستسلم للغرب الذي استلبنا، ونجح بالفعل في هذا. الفترة قصيرة يؤكد الناقد الدكتور مصطفى عبد العني انه لم يتبلور بعد ادب المقاومة بالنسبة للحرب العراقية ، فالفترة قصيرة، وبهذا المعنى فإن الابداع لم يتبلور بالقدر الكافي، لكن نستطيع ان نجد ادب المقاومة حين نبتعد عن المركز الحالي، فنجد ابداعا خاصا على المستوى الشعري والرواية، وان كان اكثره يدور حول النكبة التي مازالت مستمرة منذ حرب عام 1948م حتى الآن، ومع روح المقاومة في الابداع والتي لم تتبلور بالقدر الكافي نجد في المقابل توزع مواقف المثقفين، مما يمنحنا صورة سريالية لما يحدث. وبالتبعية صوت المثقف والمبدع صوت غائم يظهر حسب المسموح به، وبشكل عام ليست هناك مقاومة او رد فعل مكافيء للفعل نفسه، وبعيدا عن عقدة الذنب نحن جميعا كمثقفين مقصرون. والمثقفون ضحايا في الوقت نفسه، وهل يستطيع الضحية ان يعبر عن نفسه في هذا المناخ؟ الاستجابة للموقف يرى القاص والروائي خليل الجيزاوي ان الشعر هو الذي يكون سريع الاستجابة للموقف، لان الشعر وليد اللحظة، وتجده متأثرا باللحظة الراهنة ومتجاوبا معها، وفي الحال تجده يترجم هذه اللحظات الساخنة الى قصائد تفيض بالحزن والهم. اما الرواية فإنها تحتاج إلى فترة طويلة لكي يصوغ الروائي هذه الاحداث الساخنة، والرواية تحتاج بعض الانتظار لاكتمال رؤية الحدث. وأشار الجيزاوي إلى انه قرأ عدة قصائد متناثرة في دوريات ثقافية، منها قصائد للشعراء عزت الطيري ومحمود درويش وعبد الرحمن الابنودي. وأضاف : في ظني ان الحدث يبقى اكبر من قصيدة هنا أو هناك مع اعتقادي ان الشعراء مختلفون على تفسير القضية ذاتها، فالبعض انضم إلى اليمين والبعض الآخر إلى اليسار، فهناك تهميش لدور المثقفين. الأنواع الأدبية يوضح الناقد الدكتور سامي سليمان ان المقاومة قد تكون مقاومة للمحتل او للانظمة الديكتاتورية التي تحكم كثيرا من دول العالم الثالث. والانواع الادبية قادرة على الاسهام في مقاومة المحتل والغازي والديكتاتور، وكل نوع سواء كان شعرا او قصة او رواية او مسرحية يمكن ان يسهم تبعا لجمالياته وطرائق تلقيه في إطار الثقافة. وبالنسبة للعراق فإن المتسق مع تاريخ الثقافة العربية ان يكون الشعر اسرع الانواع الادبية في مقاومة ما يحدث، وفي الصحافة العربية كان هناك الكثير من القصائد التي تندد بالحرب الامريكية - البريطانية على العراق، فكانت هناك قصيدة لفاروق جويدة عن بغداد، وقصيدة لفاروق شوشه بعنوان (رسالة من مواطن مصر إلى بوش) وهي تذكرنا بقصيدة عبد الرحمن الشرقاوي (رسالة من اب مصري إلى الرئيس ترومان) . فهناك تنديد بالحرب وتصوير للاسهام العراقي في الثقافة العربية القديمة والحديثة، وتصوير جوانب الخلل والعدوانية في الثقافة الامريكية. واوضح د. سامي ان الانواع الاخرى - القصة والرواية والمسرحية - تحتاج إلى تأمل طويل في الموضوعات التي يأخذ منها المبدع خامات لبعض الاشكال مثل الرواية الوثائقية والمسرح الوثائقي، والشكلان يعتمدان على مقالات من الصحف. وشهادات للمشاركين في الحرب، لذلك يحتاج الروائيون وكتاب المسرح إلى الوقت لتمثيل ما يحدث ولا يكفي الانفعال في الوقت الحالي، ففي الادب العربي الحديث كتبت اعمال ادبية في خضم الاحداث، لكنها صارت في ذمة التاريخ، وهناك اعمال كتبت بعد سنوات، وكان لها البقاء في الذاكرة، فعلى سبيل المثال فإن رواية (الأرض) لعبد الرحمن الشرقاوي صاحبها تأمل للاحداث من منظور عقلاني، وهذا ما لم يحدث مع روايته (وطني عكا) التي كتبها بعد نكسة 1967، حيث لم يتأمل في أبعاد الصراع العربي الاسرائيلي، وظهرت المباشرة والخطابية. فالمبدع يحتاج إلى ان يخرج من حالة الانفعال والدهشة واستيعاب منا يحدث.
د. حسن فتح الباب
أخبار متعلقة