@ في ظل تزاحم العديد من العوامل والظروف التي تكالبت والقت بظلالها على السوق النفطي، مثل الحرب التي دارت رحاها على أرض العراق صاحب ثاني أكبراحتياطي ومنتج للنفط، وانقطاع النفط النيجيري بسبب الاضطرابات الشعبية ، اضافة الى ما شهدته السوق من نقص واضح جراء انقطاع النفط الفنزويلي نتيجة اضراب عمال النفط عن العمل واعمال التمرد والشغب التي قادتها المعارضة الفنزويلية بقصد اسقاط النظام الحاكم الذي يتزعمه هوجو شافيز، بما يدعو الى حدوث أزمة في الامداد ونقص في المعروض وانفلات في الاسعار .
فما الجهود والمساعي والادوار التي لعبتها المنظمة من أجل حماية الاسواق النفطية التي لم تشهد أي نوع من التأثر؟ اضافة الى ما أهم الدوافع التي ساعدت على استقرار وحماية أسعار النفط من الارتفاع تحت وطأة تلك الأزمات ؟
ـ أبرزت التطورات أن منظمة الدول المنتجة للنفط (أوبك) استطاعت بمهارة توازنية السيطرة على المجريات النفطية، وذلك وفقاً لتجارب وخبرات وأحياناً مآس وأوقات عصيبة متراكمة، شكلت نبراساً هادياً لتلك المنظمة العتيدة للتعامل مع معطيات متغيرة لأهم سلعة عرفها التاريخ الإنساني المعاصر.
وجاء في تقرير أعده الباحث محمد شمس الدين سلام بأن مؤشرات نجاح أوبك ارتبطت بقدرتها على الحفاظ على منع حدوث انفلات جامح في أسعار برميل النفط، لاسيما أن ساحة الحرب دارت رحاها في منطقة مهمة على الصعيد العالمي، لما تستحوذ عليه من ثروات نفطية هائلة.
وتبرز أهم الدوافع التي ساعدت على استقرار وحماية أسعار النفط من الارتفاع تحت وطأة تلك الأزمة، في أسباب عديدة منها:
ـ حنكة الدول الأعضاء في منظمة أوبك ورؤيتها الشمولية لكافة أبعاد الأزمة أو الحرب الراهنة وتحديداً في ظل اقتناع تلك الدول بأن السعر المتوازن والعادل لبرميل النفط إنما يحفظ مصالح المنتجين والمستهلكين على حد سواء، وأن الاستفادة الطارئة أو المؤقتة من ارتفاع خيالي لأسعار النفط، وبالتبعية زيادة إيرادات الدول النفطية، إنما يمثل نمطاً من الاختلال الجوهري قد يؤدي الى أن تفقد دول أوبك سيطرتها اللاحقة على المجريات النفطية، وتفقد أيضاً ثقتها لدى جماعات المستهلكين في العالم.
ـ استقرار الإمدادات النفطية العالمية من قبل الدول المنتجة البعيدة نسبياً عن ساحة الصراع العسكري كروسيا وكندا والمكسيك والنرويج ونيجيريا وفنزويلا، والتي ارتأت ايضاً من منطلق مسؤوليتها كدول فاعلة في ضرورة عدم انتهاز وضعية التوتر السياسي الراهنة، وعدم خفض معدلات تصديرها.
ـ سعي الدول النفطية الرئيسية في منطقة الخليج الى رفع مستويات حصصها التصديرية بغية الإقلال من مخاطر ارتفاع أسعار النفط، لاسيما السعودية والكويت، وذلك لتجنب حدوث اضطرابات نفطية تؤدي الى إصابة الاقتصاد العالمي بالركود.
ومع ذلك النجاح المشهود والذي حققته أوبك والدول الأخرى المنتجة للنفط في التعامل الواعي مع معطيات ومتغيرات الحرب الراهنة، فإن التساؤل الذي قد يثار في المرحلة المقبلة إنما يرتبط بمدى استعداد أوبك للتعامل مع معطيات قد تتراوح بين خمس الى عشر سنوات، وهي التي قد تشهد عودة المعدلات المرتفعة لصادرات نفط العراق، لاسيما بعد المرحلة الانتقالية المؤقتة لحكم العراق، وكذلك مع تطوير تقني ورأسمالي هائل للبنية النفطية في نهاية المطاف احتمالات مؤكدة بزيادة المعروض العالمي من النفط، ومن ثم يثار التساؤل على مدى قدرة أوبك على الحفاظ على ذات المستويات التسعيرية العادلة، وبالتبعية عدم الانتقاص من إيراداتها المحققة من صادرات النفط.
هذا ولا تخفي الولايات المتحدة رغبتها في الحصول على وارداتها بأسعار متدنية خصوصاً مع تواجدها الاستراتيجي في المنطقة. وهو ما يعني أن فصلاً جديداً من التكيف مع معطيات مرحلة نفطية مقبلة قد يشكل أهم المهام العاجلة على أجندة منظمة أوبك.
اختفاء أوبك
من جانب آخر حذر محللون من ان عراق ما بعد الحرب يمكن ان يقضي على منظمة الدول المصدرة للنفط (اوبك) اذا ما انسحب من المنظمة في محاولة منه لانتاج اكثر ما يمكنه من النفط خارج نظام الحصص المعمول به في اوبك. وقال ليو درولاس من مركز دراسات الطاقة الشاملة في لندن اذا تمت خصخصة قطاع النفط في العراق، انسوا امر اوبك، ستموت.
وقال انه من المرجح ان يطلب العراق في فترة ما بعد الحرب، السماح له بتصدير الكمية نفسها التي تصدرها ايران المجاورة، مثل ما فعل قبل طرده من اوبك عام 1990 عقب اجتياحه الكويت. وتنتج ايران حاليا 3.59 مليون برميل من النفط يوميا.
وقال درولاس ان العراق سيعمل على انتاج اكثر ما يمكنه وبأسرع وقت ممكن لدفع تكاليف اعادة اعماره. سيقول العراق: نريد على الاقل المساواة مع ايران. واضاف ان اوبك ستقاوم هذا الطلب لانه سيتطلب خفض حصص الاعضاء العشرة الاخرين، وفي هذه المرحلة سيكون على العراق ان يتخذ قرارا بشأن البقاء في المنظمة او مغادرتها. وقال نيل باتريك، الباحث في مجلة ايكونوميست الاسبوعية ان من المرجح بشكل كبير على المدى القصير أن ينسحب العراق، وهو احد الاعضاء المؤسسين لاوبك، من هذه المنظمة. وقال ان انتاج العراق لن يتعدى ثلاثة ملايين برميل يوميا لحوالي السنتين نظرا الى الحالة المتداعية لبنيته التحتية. وأضاف ولكن على المدى الاطول هناك احتمال بروز خلافات مع اوبك حول الانتاج.
والسؤال سيكون ما الحصة التي ستفرضها اوبك على العراق وربما يختار العراق عندئذ الانسحاب.
وقال قد يصبح العراق حصان طروادة بالنسبة للولايات المتحدة، ملمحا الى ان واشنطن ربما تشجع على اغراق سوق النفط حتى يساعدها هذا في تحقيق اهدافها السياسية الخارجية.
ويعتقد الصقور في الادارة الاميركية ان بعض الدول الاعضاء في اوبك ستستخدم عائداتها النفطية في تمويل الارهاب. واذا قام العراق بزيادة انتاجه النفطي بسرعة فان ذلك يمكن ان يتسبب في اغراق السوق العالمي وتراجع السعر الى ما دون 18 دولارا للبرميل بعد ان وصل الى حدود 30 دولارا قبل اندلاع الحرب.
ويعول الصقور على مثل هذا الانخفاض في سعر النفط لتحفيز النمو في الولايات المتحدة وباقي دول العالم ولتدمير اقتصاد ايران وليبيا، العضوين في اوبك اللذين تعتبرهما واشنطن من الدول المارقة، ولايجاد الظروف التي تساعد على الاطاحة بنظاميهما.