كنا مجموعة من الشباب قد انخرطنا في حوار عميق حتى أصبنا بالصداع من جراء الصراخ المتواصل على بعضنا البعض، كل يحاول إثبات وجهة نظره، أدليت بدلوي في ذلك النقاش وسألتهم: ألسنا جميعاً في بيوتنا مطابخ؟ قالوا: بلى، فعقبت: إلا يوجد في تلك المطابخ سكاكين؟ فكان ردهم: بالطبع يوجد!!! فقلت وعلى وجهي علامة الانتصار: إذن المسألة محلولة، فبالسكين يمكن أن ترتكب جريمة، وكذلك يمكنك استخدام السكين فيما هو مفيد لقطع اللحم أو الطماطم أو البطاطس في المطبخ، وهكذا الحال في مشاهدة التلفزيون، فالمشاهد هو الذي يستطيع أن يختار الأفلام السيئة أو الخليعة أو يشاهد القنوات المحترمة المتضمنة للبرامج الدينية وكذلك البرامج الأسرية والجيدة بعيداً عن الغث والتافه من البرامج. تداعت إلى ذاكرتي صور تلك المناقشات حينما كنت أتصفح الإنترنت على جهاز الكمبيوتر لأول مرة، فظهر لي عالم من التشويق والمتعة يختلط فيه الحابل بالنابل حتى لقد مرت أكثر من ثلاث ساعات بسرعة كبيرة وفوجئت بالساعة تتخطى الثانية عشرة بعد منتصف الليل ولم يواتتي النوم بعد، نظراً لأن تلك العوالم التي تفتحت أمام ناظري تبين بوضوح لاشك فيه أن العالم قد أصبح اليوم قرية إليكترونية صغيرة كما يقولون. فمن أجهزة الاتصال المحمولة وكمبيرتر وأقمار صناعية كل هذا ساهم في تقريب المسافات بين الناس بل وأصبحت الأخبار التي كنا نحصل عليها بعد وقوعها بفترة كبيرة، تصلنا حية على الهواء. والواقع أن الأمر في الإنترنت تخطى هذا بمراحل، فيمكنك الآن بسهولة قراءة كتاب أو مشاهدة فيلم، كذلك في استطاعتك تصفح جريدة بل عشرات الجرائد والصحف والمجلات، أضف إلى كل ذلك بوسعك أن تحادث قريباً لك أو صديقاً من خلال مكالمة دولية وتراه ويراك عبر كاميرا قد تم تثبيتها ضمن وظائف جهاز الكمبيوتر وتسهيلات الإنترنت.. ألخ.. الخ. وفوق كل هذا وذاك تجد أيضاً النصب والاحتيال من شركات وأشخاص وشعوب وبوسائل قد تذهلك ولا يمكن أن تخطر لك على بال أو خاطر ولكن عبر دوائر الكمبيوتر المعقدة وأثير الإليكترونيات المتناهية الصغر العظيمة الدقة. أن الإنترنت يوفر فعلاً من الخيارات ما يجعل الإنسان في حيرة، ولن يصيبك الملل وأنت تسبح عبر صفحاته، ولكن حذار، حذار من التردي في مهاوي المهالك التي تبث عبر تلك المواقع المجنونة التي ليس ثمة من يردع أصحابها أو يوبخهم على انعدام ضمائرهم بعد أن تعدوا في محاولة خداع الناس كل الحواجز وقفزوا فوق كل الموانع أو ببساطة شديدة لم يعد في وجههم قطرة من حياء أو خجل وماتت ضمائرهم. لذا ولكل ما سبق يجب أن تضع دائماً نصب عينك وأنت تتصفح الإنترنت أن السكين يمكن أن تقطع بها الطماطم في المطبخ ومن الممكن أن تقتل بها إنساناً ولك الخيار. فالإنترنت هو فعلاً الشبكة العنكبوتية المليئة بالفن والعبقرية التي يمتزج فيها الجد بالهزل والغث بالسمين.
محمد عثمان حسن حسين