اطالة امد الحرب هي، كما يتضح يوما بعد يوم، "التكتيك" الرئيسي الذي تتبناه السلطة العراقية في الاشتباك العسكري المصيري مع القوات الاميركية ـ البريطانية الغازية.
والهدف الاستراتيجي الذي ينطوي عليه هذا "التكتيك" هو، كما يبدو، استثارة مشاعر الغضب العالمي بما في ذلك ردود فعل للقوى الدولية المؤثرة الى اقصى درجة بما يؤدي الى وقف الحرب على نحو او آخر.
لكن.. ماذا لو امتد الصراع المسلح لمدى اسابيع عديدة وطويلة دون ان يحدث تدخل دولي حاسم؟ بكلمات أخرى: هل تستطيع المقاومة العراقية المسلحة ان تواصل الصمود دون ان تتجدد امداداتها من السلاح والذخيرة.. الخ.
هذا هو احد الاسئلة الكبيرة التي لا تتوفر عنها اجابة حاليا وهي الأسئلة المصيرية التي سوف تحدد اجاباتها المصير السياسي للعراق من خلال تقلبات الحرب الدائرة.
ولكي لا نتوه في تفاصيل المجهول فاننا نحصر الامر في سؤال عمومي واحد: كيف يكون مآل الوضع السياسي اذا انتصر العراق.. وكيف يكون اذا انهزم؟ اذا بدا للولايات المتحدة (وبريطانيا) ان شوكة القوات الغازية اصبحت على وشك الانكسار امام زخم المقاومة العراقية بشقيها الحكومي والشعبي، فان واشنطن غالبا ما تلجأ الى احد خيارين: اما وضع نهاية سلمية للقتال عن طريق الدبلوماسية بالايعاز الى القوى الدولية الكبرى للتدخل كوسيط بما يتيح انسحابا مشرفا للقوات الغازية يبدو وكأنه استجابة لوساطة دولية، واما تكثيف القصف الجوي على بغداد ومدن أخرى بمستوى اسطوري انطلاقا من روح يأس يغذيه دافع ثأري.. وعقب ذلك تنسحب القوات الغازية بعد ان تكون قد خلفت حالة من الدمار الشامل في العراق غير مسبوقة في تاريخ الحروب من حيث الضراوة.
مثل هذا او بالأحرى ما هو قريب منه حدث في فيتنام قرب نهاية الحرب الامريكية خلال النصف الاول من سبعينيات القرن الماضي عندما امر الرئيس ريتشارد نكسون بموجة قصف مكثف بطائرات ب ـ 52 العملاقة للعاصمة الفيتنامية هانوي ومدن أخرى.
حينئذ مسحت مدن بأكملها عن الخريطة الجغرافية. اما اذا حاقت الهزيمة النهائية بالعراق فان من الواضح، وكما ورد على لسان مسئولين امريكيين كبار عدة مرات قبل اندلاع الحرب، ان الولايات المتحدة سوف تقيم ادارة احتلالية امريكية في بغداد لتتولى حكم البلاد مع مجلس عراقي من القيادات المعارضة في الخارج يكون ذا صفة استشارية. ولكن سواء انتصر العراق او انهزم، فان الامور لن تتوقف عند حد الانسحاب العسكري للقوات الغازية ـ في حالة الانتصار ـ او قيام الادارة العسكرية الامريكية (بقيادة الجنرال تومي فرانكس) في العاصمة بغداد، هذه او تلك ستكون فقط نقطة الانطلاق لتداعيات سياسية محلية واقليمية، قد يكون من المستحيل التنبؤ بها كليا.
اذا خرج نظام الرئيس صدام حسين من هذه المحنة وقد حقق انتصارا عسكريا على الولايات المتحدة، فان العد التنازلي لقوة اكراد العراق سيكون قد بدأ. فسوف تتوجه القوات العراقية المنتصرة الى الجيب الكردي في الشمال للقيام بحملة تأديبية شاملة ضد كردستان تشتمل على تصفية الميلشيا الكردية.. ومن ثم تصفية مؤسسة السلطة الكردية (البرلمان ومجلس الوزراء) وبالتالي استرداد سلطان الحكومة المركزية العراقية على المنطقة الكردية. ولن يجد اكراد العراق في هذه الحالة من يتعاطف معهم، اميركا سوف تدير ظهرها لهم بعد انسحابها، وتركيا سوف تكون سعيدة بالتفرج على محنتهم وربما تساعد الحكومة العراقية بمدها بمعلومات استخباراتية، وعلى الصعيد الاقليمي فان العراق سوف يسترد مكانته كقوة كبرى في الخليج، اما على الصعيد الدولي فان الفرصة ستكون سانحة لقيام تحالف فرنسي ـ عراقي ربما تنضم اليه روسيا يمهد لمعركة دبلوماسية تقودها فرنسا بتعاون من روسيا والصين لرفع العقوبات الدولية عن العراق نهائيا.
غير ان مصير الاقلية الكردية في العراق قد لا يكون مختلفا حتى في ظل ادارة احتلالية اميركية في بغداد، فاذا وجدت الادارة الاحتلالية الاميركية ان خياراتها تنحصر بين استرضاء الاقلية الكردية او استرضاء تركيا، القوة الاقليمية الحيوية ذات التأثير في الشرق الاوسط، فان واشنطن غالبا ما تختار استرضاء تركيا على حساب الاكراد العراقيين.
وفي هذه الحالة قد تندلع ثورة كردية مسلحة ضد الادارة الاحتلالية الاميركية تكون عبئا امنيا اضافيا على هذه الادارة الاجنبية على افتراض ان حركة تمرد مسلح اخرى تكون في هذه الاثناء قد اندلعت في الجنوب العراقي بدخول الميلشيا الشيعية المعارضة بقيادة باقر الحكيم.
ومرة أخرى سوف تجد الولايات المتحدة نفسها متورطة في مستنقع يصعب الخروج منه.
البيان الاماراتيه