DAMMAM
الخميس
34°C
weather-icon
الجمعة
icon-weather
34°C
السبت
icon-weather
37°C
الأحد
icon-weather
33°C
الاثنين
icon-weather
34°C
الثلاثاء
icon-weather
36°C

جولة في شعر الشيخ احمد بن علي آل مبارك

جولة في شعر الشيخ احمد بن علي آل مبارك

جولة في شعر الشيخ احمد بن علي آل مبارك
أخبار متعلقة
 
هذه جولة عجلى في جانب من جوانب ادب الشيخ احمد بن علي المبارك، الذي وافق بعد تردد وتمنع، فاطلعني على هذا الجانب الخفي الذي كان يؤثر كتمانه، فاطلعت على نفثات صدره في قصائد شعرية تعبر عن ثقافة عميقة، بنيت على اساس تراثي، جعلته يحفظ الكثير من عيون القصائد القديمة، ويتفرغ لمقامات الحريري فيحفظها عن ظهر قلب، ثم تراه معجبا باترابه ومن سبقوه من شيوخ اسرته وشعراء بلده، ولا يقف عند هذا الحد، بل يمتد اعجابه وحفظه ليصل الى شعر رواد مدرسة الاحياء من البارودي الى شوقي فحافظ ومحرم، ويشتد ميله الى الشعر ويتصل برواد التجديد في مدارسهم: الديوان وابولو والمهجر. ويظل هذا الشغف الشعري متصلا متواصلا، فلا تعجب بعد ذلك من ان ينطلق لسانه بالشعر. والناظر في شعر الشيخ احمد بن علي المبارك يجد له بعض القصائد التي قالها في صباه ولعل مقطعته في الحمى التي بناها على غرار قصيدة المتنبي في الحمى، تنبئك عن هذا الطموح الشعري، ومع ذلك فهو يفاجئك في نهاية المقطعة بان سبب الحمى مغاير لما هو عند المتنبي، يقول:==1== زارت مـــــــفتتة الــــــــعظام==0== ==0==في الدب بين جوانح الاعضاء لما رمـــــــــــت مني الضلوع==0== ==0==تركت لرأسي اوفــــــر الادواء==2== ولكن صغيرا فطنا يعرف سر هذه الحمى ودواءها. ومعظم قصائد الشاعر التي قالها في صباه ترفرف عليها احلام ربيع القلب المتفتح، وتغشيها الشكوى، كما في قوله:==1== أشكو إليك مـــــــــن الهوى==0== ==0==شكوى الجريح اخي الجوى==2== واذا انتقلنا نتقصى موضوعاته الشعرية واغراضه واتجاهاته، فاننا نستطيع ان نتبينها من خلال مسارات عدة: واول مسار هو مسار الغربة: فتصافحك شخصية الشاعر المرهفة الاحساس، المترعة بالعاطفة من خلال هذا الاحساس الممض بالغربة، فهو يتحسر على ابتعاده عن مراتع الصبا، ومرابع الاهل والخلان، ويسائل حبيبته (هجر) بحرقة وغصة، قائلا:==1== اتراك يا هجر الحبيبة تذكري ==0== ==0==صبا بغصن قوامك الــــــمياد==2== ويشتد تشويقه، فيرسل هذه التحية:==1== سلام بقدر الحب والشوق==0== ==0==ومن اين احـــــــــصاء لقدر اشوق ولــــــــما يمض لي==0== ==0==فكيف اذا طـــــــالت سنون احباي هــــــل يرجي معاد==0== ==0==وعقد تصـــــــــافيكم بسلك==2== وهو يعزي نفسه عن هذه الغربة، لان رحلته لها غاية وهدف:==1== رحلت ابتغاء للـــــــمعالي==0== ==0==واجهدت نفسي لاقتناص فإن انا ادركت الـذي رمت==0== ==0==فيا فــــــرحي في رحلتي==2== بل انه يفلسف لنا الغربة والبعد بانهما قرب وحب، يقول:==1== قلت: إني ان اسافر عنكم==0== ==0==فلأجل الحب هذا الاغتراب ==2== هذا التضاد الذي اجراه على لسان المحبوبة، يظهر هذا الطموح الذي تميز به، ويسعى له. ولعل مما اشغل لظى الغربة في قلبه امرين: اولهما: يرجع الى طبيعة الشاعر المرهفة. ثانيهام: شدة ارتباطه باسرته وموطنه وهو المسار الثاني في شعر الشاعر الذي جعله ينتهز كل مناسبة ليضمنها احاسيسه ومشاعره، وكانت الاخبار الواردة اليه تشعله عاطفيا، فيهتز طربا للأنباء السارة، فها هو ذا يرسل رسالة إلى والده لخبر بلغه، فيقول:==1== يا والدي والفضل منك==0== ==0==فأحتلني أسمى منى بشرتني وبمـــــن أراك==0== ==0==بابن الشــــــقيق وأكبر==2== ومما يدل على قوة هذا الاتصال، وعظيم هذا الشعور تلك الوقفة الوجدانية التي وقفها امام صورته وهي تستعد للسفر الى اهله، فيغبطها على انها ستقف بين ايديهم، وتتمتع برؤيتهم والانس بهم فيدير هذه المقارنة اللطيفة بينه وبينها، قائلا:==1== يا صــــورتي لك فخر==0== ==0==ومــــــــــنزل لا يضام بلغت اعظــــــم شأو==0== ==0==ورتـــــــــبة لاتــــــرام ترين اهلي وصــحبي==0== ==0==وفي الــوجوه ابتسام فكيف احـــــظى بهذا==0== ==0==وقـــد نأى بي المقام==2== وتحتل الطفولة لدى الشاعر مكانة رفيعة، فيحتفل باطفاله، ويسجل بعض هذه المشاعر التي تذكي في قلبه جمرة الحب، فهم الذين يوحون له الشعر كما يقول:==1== اوحيت لي الشعر سهلا==0== ==0==وكم دعوت فـــــــــأحجم هل يعرف الحــــــزن قلب==0== ==0==اذا رآك تبـــــــــســـــــــم ان الطفـــــــــــــولة معنى==0== ==0==يسمو على كــــــل مغنم==2== بل ان مشاكساتهم يجد لها في صدى شعره، فتثير حادثة تحطيمهم المذياع في بحثهم الطفولي عن الذي يتكلم بداخله، والمذياع في ذلك الوقت عملة نادرة، والدليل على ذلك هو ان اصلاحه لا يتم الا في الكويت او البصرة، نكتفي بايراد مطلع القصيدة حيث يقول: كرهت ما شاهدت عيني من العطب افي آلة نكبت من صبيتي النجب. ونراه يدخل عالم الاطفال من باب اوسع، حيث يصلنا بمفهومها العام من خلال قصيدته (ياطيور الدوح، فيربط بين عالم الطيور وعالم الاطفال فيقول:==1== ياطيور الـــــــــــــدوح هذي==0== ==0==قد سقتها السحب بالغيث غـــــــــــــردي يا طير فيها==0== ==0==رفــــــــرفي ياطير في تلك رقصي يا طـــــــــير اغصان==0== ==0==ليفوح الكـــــــــون بالمسك==2== إلى ان يصل الى تلك الحقيقة الجميلة التي تجمع المسرحين: مسرح الطير، ومسرح الطفل:==1== عالــــــم الاطفال من عالمكم==0== ==0==مسرح للطهر والقلب السليم==2== واذا كانت هذه الصورة المرفرفة للاسرة والاطفال تظلل قلب الشاعر بظلالها المتراقصة، فان نبأ اليما يصوح شجرها، ويجفف ينابيعها، ويحطم قيثارتها الذي ظل يعزف عليها حبه وشوقه زمنا. ان برقية تصله من موطنه تحمل بين طياتها اعصارا يطفئ سراج حبه، ويشعل قنديل حزنه، فوفاة والده تلذع قلبه، وتشعل جذوة الكمد والجزع، فيسم تلك البرقية بالسم الزعاف، قائلا:==1== برقية النبأ الاليم المـــــــــفجع==0== ==0==يا قطرة الــــــسم الـــــــزعاف ياحرقة القلب الجريح وحسرة==0== ==0==امـــــــل البريء الانضــــــــــــر يا جذوة النار التي قــد اوقدت==0== ==0==بين الضلــــــــــــوع لهيب حزن ماذا اهجت بقلب غـــــر غافل==0== ==0==عند كيد احداث الـــــردى في فاثرت فيه لــــواعجا لا تنطفي==0== ==0==ابد الحــــــــياة وبعــــــــد لقيا والله لـــــــــــــولا ان هذا مورد==0== ==0==لابــــــــــد لي في حوضه من لجــــــزعت حتى ما افيق من==0== ==0==او ترجــــــــــع الايام من اهوى==2== وبعد هذا التأسي والتعزي والرضا بقضاء الله تنبعث صفات هذا الوالد الكريم على لسان ابنه المحزون، هذه الشمائل: من بر وكرم وتقى واناة وعلم وحجى تضيء ليل الساري، وهو في فقهه وعلمه بالحديث قد اعاد للاذهان عصر الامامين مالك والشافعي اما في اللغة والرواية فيضارع الاصمعي يقول:==1== يا والــــــــــدي يا ذا المكارم==0== ==0==يا سيد الـــــــــــــنادي وزين يا ذا الاناءة والــــــــــــــدراية==0== ==0==والعلـــــــــــم والذكر الجميل لله انت فكـــم وهبت خلائقا==0== ==0==غرا تضيء لــــــــــــسار ليل الجود مـــنك طبيعة وسجية==0== ==0==لا للــــــــــــــرياء ولا لحسن ومــــــــجالس لك قد حللت==0== ==0==فحكيت فـــــــــــــــيها مالكا تضفي على الجــلاس نشر==0== ==0==فتعـــــــــــــيد للاذهان عصر==2== واخيرا يلتفت الى ال المبارك، لينهي قصيدته بهذه الابيات:==1== ال الــــــــــــــمبارك والخطوب==0== ==0==والـــــــــــدهر عض بنابه في ففقــــــــــدتم رأيا اصيلا ثاقبا==0== ==0==يجلو دياجير الظـــــــــلام لمن لهفاه وا اسفاه من يأتي لنا==0== ==0==بمحنك مــــــــــــــن طرز ذاك==2== اما المسار الثالث: فيظهر في هذه الدماثة، وحسن العشرة مع من عايشهم وصاحبهم، فسجل كثيرا من لقاءاته ومفارقاته مع خلانه واصدقائه، واثنى على الكثير منهم، وصور مواقفه معهم، ولعل اجمل انموذج نمثل له هنا، هو تلك البطاقة التي بعث بها الى طبيب البعثة، يثني فيها عليه لمعالجته صديقا له، فيقول:==1== يا طبيب الــــــــــــــحجاز في==0== ==0==لك عرش عــــــــــلى القلوب لك فعل لافـــــعل في الناس==0== ==0==مرتقاه وان اجـــــــــــاد وابدع فهو كــــــــالزهــــــــــــر رونقا==0== ==0==فــــــــــــــشذاه على المدى كم مــــــــــــــريض اقام دهرا==0== ==0==مــــــــــن تباريح شكـــــــــوه اقشع اليأس عـــــــــن حماه==0== ==0==حين اهـــــــــــــويت من يديك==2== ويقيم النادي الادبي في جدة حفل توديع للشيخ احمد بن علي الذي كان عضو مجلس ادارة فيه، بمناسبة نقل وزارة الخارجية من جدة الى الرياض, فينشئ قصيدة يعبر فيها عن هيامه بارض الحجاز، هذه البلاد التي تعيش في قلبه وخاطره انه لا يغادرها ولا يودعها فهي تسكنه، وهو يحيا معها اذ يستقبلها في صلاته خمس مرات في اليوم ولذلك يبدأ هذا المطلع بنفي الوداع واثبات الاقامة، فيقول:==1== اقلني ان تقول لي الـوداعا==0== ==0==ولو فـــــــــــــــــارقت ارضك فإني قـــــــــد طويت ضلوع==0== ==0==على قـلب يهيم بك التياعا الست قبالتي في كـل فج==0== ==0==ومسجد مـــــــلتي المثلى==2== ويعلي دولة الادب في حفل التكريم الذي اقامه له عبدالمقصود خوجة فعلى الرغم من كل ما قيل وما يحدث من تراجع لدولة الادب، فستظل باقية يرفرف علمها شامخا فوق القلوب، لتعمر الضمائر، وترتقي الاذواق، وتشرق النفوس. ونخرج الى المسار الرابع: وهو العصر الذي كان ظهوره ملحا في شعر الشيخ، حيث يبدو لنا في تلك القضايا السياسية التي تناولها كقصيدة للملك فيصل، وقصيدة نيويورك عندما امتنعت نقابة عمال ميناء نيويورك عام 1958م من انزال حمولة باخرة مصرية، ثم اضطرت للاذعان بعد ذلك، او في قصيدته في عيد القاهرة الالفي او في قصيدته الى صديقه الذي اصبح فيما بعد من زعماء اليمن. وبعد، فهذه جولة سريعة في رياض الشيخ احمد بن علي ال المبارك قطفنا لكم بعض ازهارها، واذا اردتم ان تتجولوا معي في هذه الحديقة فليكن في معلومكم ان شاعرنا لم يخلص للشعر وقته وجهده، فالاربعون عاما من العمل السياسي متنقلا بين آسيا وافريقيا صرفت جهده الى الوظيفة التي اخلص لها، مما صرفه عن تنمية هذا الشعر، ومن هنا فقد جاء هذا الشعر عفو الخاطر ودون الحاح وكد، ودن تكريس واحتراف، اذا ما نظرت في شعره فستجد هذه المقطعات الوجدانية، والتوقيعات الطريفة، والتعليقات الفكاهية، لاجل ذلك انطبع شعر الشاعر بالخفة والرقة والعذوبة، وقصر النفس فانك واجد في اكثر شعره المقطعات والاوزان الخفيفة والمجزوءة. وومع ذللك يبقى محافظا في اسلوبه والفاظه، ويميل الى التقليد في اغراضه وموضوعاته.