وافق مجلس المحافظين، وهو ثاني أعلى سلطة في الوكالة الدولية للطاقة الذرية بعد المؤتمر العام على مشروع قرار تقدمت به رئيسته السيدة نبيلة الملا (الكويت) على إعطاء كوريا الشمالية فرصة جديدة من أجل العودة عن إجراءات وقف تعاملها مع مفتشي الوكالة. كما أدان مجلس المحافظين التدابير الأخيرة التي أعلنتها حكومة بيونغ يانغ، وأكد من جديد أن اتفاق الضمانات الذي عقدته كوريا الشمالية في إطار معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية مازال ملزماً وساري المفعول. ولاحظ مجلس المحافظين بقلق بالغ مضمون التقرير الذي قدمه المدير العام للوكالة الدكتور محمد البرادعي، وخاصة ما جاء فيه من أن الوكالة لا تستطيع في الوقت الحاضر التحقق من أنه لم يحدث أي تحريف لمواد نووية في كوريا الشمالية. وكرر المجلس نداءه الذي سبق أن وجهه إلى كوريا الشمالية بالامتثال الكامل والفوري لاتفاق الضمانات. وشدد على أهمية إيجاد حل سلمي للمشكلة مع حكومة بيونغ يانغ، بما في ذلك تأكيد دعمه الجهود المبذولة لجعل منطقة شبه الجزيرة الكورية منطقة خالية من الأسلحة النووية بالوسائل الدبلوماسية. كما أعرب مجلس المحافظين عن اسفه بأقوى العبارات للتدابير التي اتخذتها كوريا الشمالية من جانب واحد، وخصوصاً إزالة وعرقلة عمل معدات الاحتواء والمراقبة في مرافقها النووي والمواد النووية التي تحتوي عليها، بما في ذلك طرد مفتشي الوكالة، مما يجعل الوكالة عاجزة عن التحقق وفقاً لاتفاق الضمانات من عدم حدوث أي تحريف لمواد وأنشطة نووية في كوريا الشمالية. وبعدما اعتبر مجلس المحافظين في قراره تصرفات كوريا الشمالية تسبب قلقاً بالغاً فيما يتعلق بعدم انتشار الأسلحة النووية، وتجعل الوكالة عاجزة في الوقت الراهن من أن جميع المواد النووية في كوريا الشمالية معلنة وخاضعة لضمانات الوكالة، وافق مجلس المحافظين وبالإجماع على دعوة كوريا الشمالية لاتخاذ الخطوات التالية بسرعة:
ـ السماح فوراً باعادة اتخاذ التدابير المطلوبة للاحتواء والمراقبة في مرافقها النووي والتنفيذ الكامل لجميع تدابير الضمانات المطلوبة في جميع الأوقات، بما فيها عودة مفتشي الوكالة واستئناف مهامهم الرقابية.
ـ الامتثال لقرار مجلس المحافظين الصادر بتاريخ 29 نوفمبر 2002، ورسائل الأمانة العامة للوكالة التي تطلب إيضاحات بشأن برنامج إثراء اليورانيوم والتخلي عن أي برنامج تسليحي نووي على وجه السرعة وبطريقة يمكن التحقق منها.
ـ تمكن الوكالة من التحقق من أن جميع المواد النووية في كوريا الشمالية معلنة وخاضعة للضمانات.
ـ عودة مفتشي الوكالة إلى مزاولة أعمال الرقابة التحقق.
وأكد قرار مجلس المحافظين بأنه إذا لم تتخذ حكومة كوريا الشمالية جميع الخطوات اللازمة للسماح للوكالة بتنفيذ جميع الضمانات المطلوبة، فإن حكومة بيونغ يانغ ستظل بحالة عدم امتثال لاتفاق الضمانات الخاص المعقود مع الوكالة بموجب معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية.
وكان الدكتور محمد البرادعي عقد مؤتمراً صحافياً عند الساعة السادسة من مساء أمس بمقر الأمم المتحدة في فيينا استعرض فيه نتائج الاجتماع الطارئ لمجلس المحافظين وأهم الفقرات الواردة في القرار الذي وافق عليه بالإجماع. وشدد فيه على ضرورة التزام كوريا الشمالية بكافة التعهدات الواردة في اتفاق الضمانات، وقال آن مجلس المحافظين وافق على منح كوريا الشمالية فرصة جديدة للعودة إلى جادة الصواب والمبادرة إلى استئناف التعاون والسماح بعودة المفتشين بأقصى سرعة. وأشار الدكتور البرادعي إلى أنه سيباشر سلسلة اتصالات ومشاورات مع كافة الأطراف المعنية قبل أن يرفع تقريره الجديد إلى مجلس المحافظين في غضون الأسابيع الثلاثة المقبلة.
وأوضح الدكتور البرادعي بأن مجلس المحافظين وافق كذلك بالإجماع على ضرورة استئناف الحوار بين الوكالة وكوريا الشمالية تمهيداً لتسوية المشاكل العالقة بين كافة الأطراف المعنية بالطرف الدبلوماسية. ولكن المدير العام للوكالة الذرية استدرك ووجه تحذيراً شديد اللهجة إلى كوريا الشمالية في حال عدم تجاوبها مع الرسالة الجديدة لمجلس المحافظين، وقال آن ذلك سيؤدي إلى لجوء بعض الدول المعنية إلى رفع المسألة إلى مجلس الأمن لاتخاذ القرار المناسب. كما حذر الدكتور البرادعي من مغبة إقدام كوريا الشمالية على الانسحاب من معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، مشيراً إلى أن ذلك سيشكل سابقة خطيرة وتهديداً للأمن والاستقرار في شبه الجزيرة الكورية. ولم يستبعد في حال إصرار كوريا الشمالية على موقفها المتصلب وعدم الالتزام بالتعهدات الواردة في اتفاق الضمانات إقدام بعض الدول على إثارة المسألة أمام مجلس الأمن ومن ثم المطالبة إلى الاحتكام للبند السابع من ميثاق الأمم المتحدة الذي يجيز استخدام القوة. وأكد الدكتور البرادعي بأن الوكالة الذرية لا تستطيع أن تتدخل في الخلاف القائم بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية لأنه خلاف سياسي، مشيراً إلى أن الدول المجاورة تتردد في إجراء الحوار مع كوريا الشمالية لأنها متوجسة من برنامجها النووي.
ورداً على سؤال لمراسلنا حول أوجه الشبه والمقارنة بين طبيعة الخلاف مع كوريا الشمالية والمشكلة مع العراق قال الدكتور البرادعي: في الواقع هناك أوجه شبه وأوجه اختلاف بين المشكلتين. ولكن العراق قام بغزو بلد مجاور واستخدم أسلحة الدمار الشامل، وباشر بإنشاء برنامج تسلح نووي. أما كوريا الشمالية فهي لم تفعل نفس الشيء. ولذلك لا بد من إعطائها الفرصة. ولكنها إذا أصرت على موقفها المتعنت فآن المشكلة ستأخذ طريقها إلى مجلس الأمن لاتخاذ القرار المناسب كما أشرت أنفاً.
ورداً على سؤال أخر لمراسلنا حول من هو البلد الأخطر: كوريا الشمالية أو العراق من حيث تهديد الأمن والسلم الدوليين قال الدكتور البرادعي: لا أريد أن أتكهن من هو البلد الأكثر خطورة. لأننا عندما نتحدث عن الخطورة، فإن الأمر يتعلق بالقدرات النووية وحسن النوايا والمصداقية. ولكن ما أود أن أشير في هذا السياق هو أن كلا البلدين العراق وكوريا الشمالية هما بلدان أثبتا عدم التزامهما بالتعهدات الدولية الواردة سواء في اتفاق الضمانات، وانتهكا الأحكام والمبادئ الواردة في معاهدة عدم الانتشار النووي. ومن الواضح بأن كوريا الشمالية لديها قدرات نووية وتقنية متطورة أكثر من العراق، بالإضافة لمفاعل خاص لتخصيب وإثراء اليورانيوم. لأن الوكالة في العام 1998تمكنت من تحييد البرنامج النووي العراقي. ومع ذلك أريد أن أقول بأن الوكالة ما تزال بصدد رصد القدرات النووية العراقية، وتحديد ما حصل خلال الفترة ما بين العام 1998 والعام 2002. ومن الصعوبة بمكان في هذه المرحلة بالذات الحديث عن قدرات العراق النووية. والوكالة تعرف على الأقل قدرات كوريا النووية وهي قدرات متقدمة.
وخلص الدكتور البرادعي إلى القول : نحن الآن لسنا متأكدين عما هي قدرات العراق الفنية في هذا المجال, ولذلك تواصل الوكالة عبر فريق التفتيش التابع لها عمليات التفتيش والتحقق في العراق.