DAMMAM
الخميس
34°C
weather-icon
الجمعة
icon-weather
34°C
السبت
icon-weather
37°C
الأحد
icon-weather
33°C
الاثنين
icon-weather
34°C
الثلاثاء
icon-weather
36°C
national day
national day
national day

تغيير المقررات أم السياسات؟

تغيير المقررات أم السياسات؟

تغيير المقررات أم السياسات؟
أخبار متعلقة
 
هل يؤدي تغيير المناهج الى سد منافذ التطرف والإرهاب؟ ـ هذا سؤال للاستدراك وليس للاستفهام. بمعنى انه من قبيل الأسئلة التي تطرح بعد ان تشهر الاجابة, وتثار الشكوك حول صحتها, الامر الذي يحرك الدعوة الى مراجعتها وتصويبها. ذلك ان العمل جار الآن بهمة لتعديل المناهج الدراسية في بعض الأقطار العربية, لكني اجادل في ألا يمثل ذلك مدخلا صحيحا لحل الأشكال. (1) في بداية شهر يناير الحالي, قدم أحد أعضاء مجلس الأمة الكويتي, الدكتور وليد طبطبائي, سؤالا الى وزير التعليم حول طبيعة المهمة التي تقوم بها لجان فنية شكلت داخل الوزارة لمراجعة منهجي اللغة العربية والتربية الإسلامية. وقيل في هذا الصدد ان عملية المراجعة ستشمل أمورا عدة بعضها يتعلق بفكرة او مصطلح (الجهاد) (الذي رشحت كلمة التضحية بديلا عنه) وببعض العناوين الأخرى التي شابها الالتباس واللغط. وفي حوار صحفي لاحق ذكر وزير التعليم الكويتي الدكتور ساعد الهارون ان هناك (خطة شاملة لتطوير المناهج العلمية والأدبية والدينية, وذلك لتعزيز القيم الدينية السليمة التي يدعو اليها ديننا الإسلامي الحنيف, مثل قيم التسامح ونبذ العنف واحترام الأديان السماوية والسلام) (الشرق الأوسط 1/7). الكلام ليس جديدا وربما كان الإعلان عنه هو الجديد. لان موضوع التعليم الديني بوجه أخص سلطت عليه الأضواء بقوة بعد أحداث 11 من ستمبر. وقد تابعنا جميعا ما جرى في باكستان, حين طلبت الولايات المتحدة وضع المدارس الدينية تحت الإشراف الحكومي (حركة طالبان, بقياداتها وكوادرها كانوا من خريجي تلك المدارس, واسم الحركة منسوب الى طلاب المدارس الدينية). ولعل الجميع يذكرون تصريح الرئيس اليمني علي عبدالله صالح الذي قال فيه ان بلاده كان يمكن ان تتعرض لقصف مماثل لما أصاب أفغانستان اذا لم تضم المعاهد العلمية (مدارس دينية مستقلة) الى مدارس الدولة وتخضع للاشراف الحكومي. على صعيد آخر, فقد تداولت الأوساط السياسية معلومات عن مذكرة أمريكية قدمت الى بعض الدول العربية, طلبت اجراء تعديلات في مناهج التربية الدينية, مع (اقتراح) تقليص ساعات تدريس تلك المناهج. وليست بعيدة عن ذات المسار تلك الندوة التي عقدت في واشنطون خلال شهر اكتوبر الماضي, وحضرها نفر من الأكاديميين والخبراء ذوي الأصول العربية, والتي ناقشت موضوع الثقافة الدينية الشائعة في العالم العربي والإسلامي, وخصصت وقتا للبحث في امكانية العثور على مصطلح بديل للجهاد, الذي أصبح مجرد اشهاره مصدرا للقلق والتوتر لدى بعض الأوساط الغربية. ناهيك عن الدوائر الإسرائيلية. وجميعهم يريدون التخلص منه بأي شكل. وسواء كانت عملية تعديل المناهج الدراسية الجارية في الكويت (وفي الدول الخليجية الأخرى ايضا) تأتي في ذلك السياق, ام ان اجراءها له سياق آخر يستجيب لمتطلبات التطور الطبيعي المنشود في العملية التعليمية, وكان تزامنه مع اجواء المطالبات الأمريكية في هذا الصدد مجرد مصادفة, فالقدر الثابت ان هناك تعديلات وتنقيحات للمناهج, تعددت دوافعها ربما, لكنها تستهدف من بين ما تستهدفه تجفيف منابع ومظان التطرف والإرهاب. (2) استأذن هنا في إيراد ثلاث ملاحظات هي: @ أنني أتمنى ألا نستدرج الى جدل عقيم أشبه باللغو حول ما اذا كنا يجب ان نطور المناهج أم لا. فالمبدأ محسوم لصالح المواكبة والتطوير لا ريب, ولكن ما يعنينا في الأمر هو سياق التطوير وجدواه ومقاصده. @ ان الذين يضغطون من الخارج مطالبون بتعديل مناهج التربية الدينية وتنقيتها من مظان التطرف والإرهاب يركزون على العرب والمسلمين وحدهم, لكن أحدا لم يشر بكلمة الى (التعاليم المليئة بالحقد التي تنشرها مدارس اليشيفا والكوليل (الدينية) في اسرائيل والضفة الغربية وخارجهما) ـ وهذه الملاحظة ليست من عندي, لكني استقيتها من مقالة كتبتها السيدة هيلينا كوبان, الكاتبة البريطانية المتخصصة في شؤون الشرق الأوسط (الحياة اللندنية 2002/7/31) ـ كذلك لم يتطرق أحد الى ان التربية الدينية الأسرائيلية تنطلق من الادعاء بان (الله يأمر أطفال إسرائيل بإبادة أي شعب غير يهودي يعيش على الأرض المقدسة). وهذه ملاحظة سجلها داعية حقوق الإنسان الإسرائيلي الشهير إسرائيل شاحاك (في دراسة نشرتها مجلة دراسات فلسطينية الصادرة بالفرنسية في باريس ـ عدد 29/خريف 1988). @ ان ثمة اتجاهين في الإدارة الأمريكية بخصوص التعامل مع الإسلام والمسلمين, احدهما يعبر عن احترام الإسلام والإشادة برسالته وحضارته, ويرى ان تصحيح بعض المفاهيم المنسوبة اليه هو المطلوب. وينحاز الرئيس بوش الى ذلك الاتجاه, وقد عبر عنه في مناسبات مختلفة. ولكن هناك اتجاها آخر يقوده الأصوليون المحافظون يرى ان الإسلام ذاته دين شرير, وان العدو الحقيقي للولايات المتحدة والغرب ليس الإرهاب, ولكنه (الإسلام المقاتل). وقد كتب اليوت كوهين احد مستشاري وزارة الدفاع مقالة بهذا المعنى في صحيفة (وول ستريت جورنال). كما ان ممثلي ذلك التيار انتقدوا موقف الرئيس بوش, حتى ان أحدهم (اسمه وليام لند من عناصر المحافظين الأحرار) كتب مقالة قال فيها ان كلام بوش عن التصالح مع الإسلام والمسلمين, أشبه بالاحتفاء الأمريكي بعقيدة (الشينتو) اليابانية, بعد هجمات اليابانيين على الأسطول الأمريكي في (بيرلهاربور) إبان الحرب العالمية الثانية, اما القس بات روبرتسون فقد ذكر في برنامج تليفزيوني ان عدم انتقاد الرئيس بوش للإسلام (يسبب الكثير من الذعر بين قواعده الجماهيرية) ـ (هيرالد تريبون ـ 2002/12/2م). (3) فكرة تعديل المناهج وتنقيحها تستحق المناقشة على مستويين, من حيث منهجه, ومن حيث مبدئه كمدخل لعلاج مشكلة التطرف والإرهاب. في المنهج, لنا ان نتساءل: أيهما أجدى, ان يتم التنقيح عن طريق اسقاط المصطلحات واستبعاد العناوين والموضوعات من المقررات الدراسية, ام يكون بالابقاء على المصطلحات والعناوين كما هي, اذا كان لها اصلها الشرعي, والعمل على وضعها في إطارها السليم الذي ينفي عنها التشوه والمسخ؟ سآخذ مصطلح (الجهاد) الذي أصبح يؤرق الجميع ويستفزهم, وأقول ان أمامنا أحد طريقين أحدهما ان يلغي المصطلح ويختفي من المقررات الدراسية, ويستعاض عنه بمصطلح آخر, مثل التضحية او الحرب المقدسة او الفداء. وفي هذه الحالة فان مثل هذه المحاولات سوف تستفز الضمير الديني, حيث لن يستسيغ المتدينون اسقاط مصطلح يمثل في الخطاب الشرعي عنوانا جليلا له مكانته المحتفى بها في القرآن, في حين تصفه الأحاديث النبوية بانه (ذروة سنام الإسلام) وفي الوقت ذاته فان أولئك المتدينين لن يعدموا وسلية لتتبع المصطلح في مظانه الأخرى, اعني انهم سيلقون بما تعلموه في الكتب المدرسية جانبا, وسيبحثون عن كتب أخرى تراثية او معاصرة, لاشباع رغبتهم في المعرفة. وهو مسلك لن يستبعد احتمال الوقوع في محظور التفسيرات او الاجتهادات المغلوطة, التي اريد تجنبها من البداية. في الوقت ذاته فان عملية الاستبعاد ستتحول الى نقطة لصالح منظري التطرف والإرهاب, الذين يخاصمون المجتمع ويطعنون في صدق التزام أنظمته بالإسلام ووفائها له, باعتبار ان خطوة من ذلك القبيل ستسفر بحسبانها انتقاصا من الدين وتحللا من تعاليمه وتكاليفه. الطريق الثاني يستبعد الحذف, لكنه يبقى على المصطلح ويركز على مضمونه الحقيقي في الكتاب والسنة, حيث الجهاد في مفهومه الشرعي واللغوي هو بذل الجهد والطاقة, وله مجالات ودرجات, أوصلها ابن القيم الجوزيه الى أربع مراتب هي جهاد النفس, وجهاد الشيطان, وجهاد الكفار والمنافقين, وجهاد أرباب الظلم والبدع. وفي كل مجال درجات عدة, مجموعها في المجالات الأربع 13 درجة, يمثل القتال واحدة منها فقط. الأمر الذي يعني ان هناك 12 بابا آخر للجهاد كلها بالطرق السلمية. من المؤسف ان المقام لا يتسع للتفصيل في الموضوع, لكنني أشير بسرعة واختصار الى ان القرآن استخدم مصطلح الجهاد في التصدي بالبيان الإلهي (وجاهدهم به جهادا كبيرا) أي بالقرآن, كما استخدمه في بذل المال (,جاهدوا بأموالكم وأنفسكم) وفي الأحاديث النبوية ان المجاهد من جاهد نفسه في دين الله, وأفضل الجهاد كلمة حق عن سلطان جائر, وحين جاء رجل الى النبي عليه الصلاة والسلام يستاذنه في الجهاد فأنه سأله: أحي والداك؟ قال نعم: قال: ففيهما فجاهد. ذلك نموذج واحد فقط لعناوين عديدة شوهتها التأويلات, وصرفها المتعالمون عن مقاصدها, ولا أرى سبيلا لغسل الأدمغة من الادران التي احاطت بها إلا بإشاعة الفهم الصحيح لها من خلال جهد دعوي وتعليمي وإعلامي جاد, تنهض به مختلف الأطراف المعنية. اما أسلوب الحذف والاستبدال, فانه يوهم بإصلاح الخلل في حين انه يرحله, وهو بمثابة دفن للرؤوس في الرمال يتجاهل الخطر ولا يعالجه. وما يسري على الجهاد ينطبق بذات القدر على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, والنظر الى غير المسلمين, والموقف من الجماعات والمجتمعات المغايرة, وغير ذلك من المسائل التي التبست على كثيرين وأسيء فيها التفسير والتأويل. (4) هذا عن المنهج, اما المبدأ فبدوره يحتاج الى مراجعة. وهو ما أشرت اليه في البداية, حيث عبرت عن شكي في ان يكون تغيير مناهج التعليم هو المدخل الصحيح لمعالجة ظاهرة التطرف والإرهاب, وحجتي في ذلك ان الناس لا يولودون متطرفين, ولا يصبحون كذلك لانهم قرأوا ما يشجعهم على ذلك في الكتب, التي هي في متناول الجميع منذ عشرات وبعضها منذ مئات السنين. وهو ما يثير لدى الباحث سؤالا مهما هو: لماذا يميل البعض الى التعلق بالتأويلات والاجتهادات المتطرفة او تلك التي تسوغ الإرهاب في ظرف دون آخر, وفي بلد دون آخر؟ اجابتي المباشرة على السؤال تتلخص في كلمتين: الأولى ان هناك ظروفا وأجواء تستخلص من الناس أسوأ ما فيهم, وظروفا أخرى تستخلص من الناس أنفسهم أسوأ ما فيهم. ولا أمل في هذا الصدد من تكرار الدعوة الى الأهمية البالغة لقراءة الأفكار في ضوء الظروف التاريخية التي أحاطت بها وأفرزتها. اما الكلمة الثانية فهي ان القيم والتعاليم يمكن ان توظف لأجل الخير كما يمكن ان توظف لنقيض ذلك تماما. ومن الخطأ البين ان نلقى بمسؤولية تخلفنا او شيوع التعصب او الإرهاب والتطرف بين بعض شبابنا على التعاليم وحدها, فنعمد الى الحذف والاضافة فيها, متجاهلين الظروف التي احاطت بهذا السلوك او ذاك. في القرن التاسع عشر كان الاعتقاد الشائع بين المثقفين الأوروبيين ان الكاثوليكية والديمقراطية لا يجتمعان, أغلب الظن لان محاكم التفتيش الأوروبية خرجت من عباءة الكنيسة في القرن الذي سبقه. وتبين لاحقا خطأ ذلك الاعتقاد, لان الديمقراطية الغربية التي تعايشت لاحقا مع الكاثوليكية على النحو الذي يلمسه الجميع. وفي أوائل القرن الماضي (العشرين) أشاع بعض الاقتصاديين ان النجاح الذي حققته دول شمال أوروبا راجع الى الدور المؤثر للأخلاق البروتستانتية, في حين تنبأوا بأن الجنوب الكاثوليكي سيظل فقيرا.لكن ما ان انتصف القرن حتى تبين خطأ ذلك الادعاء, حيث نمت إيطاليا وفرنسا ـ في الجنوب ـ بوتيرة أوسع من أوروبا البروتستانتية. وفي السنوات الأخيرة ارجع بعض الباحثين الازدهار الذي عاشت في ظله دول جنوب شرق آسيا, الى كون (الكونفوشية) تساعد على الحيوية الاقتصادية, لكن الأزمات التي واجهتها بعض تلك الدول دعت زعماء تلك الدول الى القول بان القيم الآسيوية تنطوي على خصائص سلبية. بوسعنا والأمر كذلك ان نضيف ان المجتمعات الإسلامية التي تعاني من التخلف وربما التعصب الآن هي ذاتها التي عاشت في ظل نهضة عظيمة في طور سابق كان التسامح من ابرز سماتها. الأمر الذي يبرىء ساحة التعاليم من المسؤولية عن الأوضاع البائسة التي يعيش في ظلها العالم العربي والإسلامي. لقد استشهد كاتب إسرائيلي ببعض المعلومات التي ذكرتها توا لكي يدحض المقولة التي يروج لها البعض عن تعذر اجتماع الديمقراطية مع الإسلام. وكان الكاتب شلومو افنيري استاذ العلوم السياسية بالجامعة العبرية ـ يعلق بما كتب على نتائج الانتخابات التركية الأخيرة التي نجح فيها حزب العدالة والتنمية ذو الجذور الإسلامية, وخلص في مقالته المنشورة بصحيفة لوس انجيليس تايمز (عدد 12/22) الى ان المشكلة ليست في الإسلام ولكنها في غيبة الديمقراطية التي ان توفرت فان الإسلام سوف يتعايش معها, كما تعايشت أوروبا مع الديمقراطية. هذا المعنى ردده ايضا فريد زكريا رئيس تحرير مجلة (نيوزويك) الأمريكية الذي كتب مقالة نشرتها مجلة السياسة الخارجية (فورين بوليس ــ عدد نوفمبر ديسمبر 2002م), الذي خلص فيها الى تخطئه الباحثين والكتاب الغربيين الذين ذهبوا في تشهيرهم بالإسلام الى حد اعتباره عدوا للتقدم, ومن ثم استسهلوا اتهامه بالمسؤولية عن تدهور الأوضاع في الدول الإسلامية, متجاهلين مسؤولية الخرائط السياسية والأداء السيىء في العالم الإسلامي عن تدهور تلك الأوضاع. وقال في هذا الصدد ان الذين يروجون لفكرة تعارض الإسلام مع الحداثة, يقفون في ذات المربع الذي يقوده المتطرفون, الذين يرفضون الحداثة والديمقراطية بحجة تعارضها مع الإسلام. (5) أننا اذا أردنا ان نتعامل بشكل جاد مع ملف التطرف والإرهاب, يرقى الى مسؤولية التصدي للخطر الذي يمثله كل منهما, يتعين علينا ألا نلجأ الى التبسيط الذي يتعامل مع المسألة من خلال (الاجراءات) فتشكل لجان تنظر التقارير, وتقرر الحذف هنا والاضافة هناك, وكأننا بصدد مشكلة يمكن حلها من خلال تعبئة (الاستمارة) الخاصة بها. ذلك أننا اذا تتبعنا الجذور فسنجد ان المسألة أكبر من ان تعالج بالاجراءات, وانما يتعين ان يكون التصدي لها على نحو أكثر تركيبا, يتمثل في إصلاح السياسات, التي هي بمثابة الريح التي تدفع الأشرعة في هذا الاتجاه او ذاك. أدري ان تغيير المقررات اسهل وأهون كثيرا من تغيير السياسات, لكننا بازاء مشهد نتطلع فيه الى الأنفع والأجدى وليس الأسهل. ان شئت فقل ان الفرق بين النهجين أقرب الى الفرق بين الحل ووهم الحل.