ليس هناك شرع أو عقل يقر الإرهاب أو يقبل به، والإسلام كدين أنزله الله تعالى رحمة للعالمين، جعل السلم والسلام شعاراً له، وعنواناً لرسالته، فالتحية التي يلقيها المسلم على من يلقاه هي: السلام عليكم والقرآن يدعو جميع المؤمنين به إلى الالتزام بالسلم والسلام يقول تعالى: يا أيها الذين آمنوا أدخلوا في السلم كافة. ان مقياس الإيمان- حسب النصوص الإسلامية ـ هو احترام حقوق الناس المادية والمعنوية، كما روي عن النبي " صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم" أنه قال: المسلم من سلم الناس من يده ولسانه والمؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم " سنن النسائي ج8 ص105". ويعتبر الإسلام أن الاعتداء على شخص بريء بمثابة إعلان حرب على الإنسانية كلها، يقول تعالى: "من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً".وحتى في حالة الحرب والجهاد والذي شرعه الاسلام للدفاع وردع المعتدي يقول تعالى: وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا ان الله لا يحب المعتدين. فالجهاد للدفاع، ولا يصح مقاتلة مسالمين لم يقوموا بأي عدوان. في حالة الحرب المشروعة يضع الإسلام الحدود والضوابط، ويؤكد على الآداب والأخلاقيات الإنسانية التي تحمي الأبرياء والمدنيين العزل، يروي أنس بن مالك عن رسول الله "صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم" وصيته لجيش الجهاد الإسلامي قائلاً: انطلقوا باسم الله وبالله، وعلى ملة رسول الله، ولا تقتلوا شيخاً فانياً، ولا طفلاً، ولا صغيراً، ولا امرأة، ولا تغلوا، وضموا غنائمكم، وأصلحوا، وأحسنوا أن الله يحب المحسنين "السجستاني: سليمان بن الأشعث ـ سنن أبي داود - حديث رقم 2614". وعن عبد الله بن عمر أن امرأة وجدت في بعض مغازي رسول الله " صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم" مقتولة فنهى رسول الله "صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم " عن قتل النساء والصبيان. " البخاري: محمد بن إسماعيل ـ صحيح البخاري ج4 ص21". واستثنى الفقهاء عشر طوائف أن يقتلوا في الحرب، بناء على نهي النصوص الدينية عن ذلك قالوا: لا يقتل في الحرب عشر طوائف: الشيخ الفاني، والمرأة، والطفل قبل البلوغ، والمقعد، والأعمى، والمريض الذي قعد به المرض، والرسول، والراهب المتبتل، والذي لا يصلح قتله لمصلحة، والمجنون بأقسامه. وقال الفقهاء أيضاً: يكره تبييت العدو، أي الإغارة عليهم ليلاً، لما ورد أن رسول الله " صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم" ما بيت عدواً قط ليلاً، بالإضافة إلى الاستحسان فإن الليل معرض كثرة القتلى، وقتل النساء والأطفال، وقتل المسلمين بعضهم بعضاً، واستبشاع ذلك عرفاً. والحديث عن الرحمة والسلم والتسامح في الإسلام، ونبذ العنف والقسوة والإرهاب، هو حديث عن جوهر الإسلام، والغاية التي يريد تحقيقها في المجتمع البشري، وهو ما يحتاج إلى بحوث مفصلة واسعة. لقد ابتلي الإسلام والمسلمون بفئات تنتسب إليه، وتمارس باسمه الإرهاب والعنف، منطلقة من عقلية امتلاك الحقيقة المطلقة، وعدم احتمال الرأي الآخر. لقد عانت الأمة الكثير من الفتن الداخلية، والتمزق والاضطراب الاجتماعي، بسبب هذه التوجهات المتطرفة، وشهدنا في هذا العصر، ممارسات جماعات العنف، . وعادة ما تستفيد هذه الفئات من أجواء الانغلاق الفكري ، وتوظيف حالات التأزم الاجتماعي، والانحراف عن منهج الدين، في تعبئة أذهان الناشئة، واستقطابهم نحو توجهاتها. أن انتشار الوعي الصحيح بمفاهيم الدين، وفسح المجال لحرية الفكر والرأي، ومعالجة المشاكل والضغوط التي تعاني منها المجتمعات، هو الذي يحد من أفكار التطرف والتشدد. ان أمريكا ترفع لحملتها شعار مواجهة الإرهاب، لكنها تمارس سياسة الانتقاء، فما كان متعارضاً عن مصالحها تصنفه إرهاباً، وتقيم الدنيا ولا تقعدها ضده، أما الإرهاب الذي يستهدف غيرها من الدول والشعوب والقوى، فهي تغض الطرف عنه، وقد تدعمه وترعاه، كما هو الحال في دعمها الكامل، ومساندتها الشاملة للإرهاب الصهيوني، وماذا يمكن أن يسمى احتلال أراضي الغير بالقوة؟ وتشريد شعب كامل من وطنه؟ وقصف المناطق المدنية والسكنية؟ واغتيال القيادات السياسية بالصواريخ من الجو؟ وقتل النساء والأطفال؟ وتهديم المنازل؟ وتخريب المزارع؟ إذا لم يكن ذلك إرهاباً فماذا يعتبره الأمريكيون؟ والمدهش حقاً أن يدين الأمريكيون مواجهة هذا الإرهاب والبطش الصهيوني، فيعتبرون دفاع الفلسطينيين واللبنانيين عن أراضيهم وأنفسهم، نشاطاً إرهابياً، بينما يستقبلون الإرهابي شارون بالأحضان!! ترى كيف يمكن للمسلمين أن يثقوا بمصداقية شعار الحملة والتحشيد الأمريكي ضد الإرهاب؟ أن وجود الاحتلال والإرهاب الصهيوني هو الأرضية التي تغذي التطرف وعدم الاستقرار في المنطقة والعالم. أن سياسات الظلم والجور على مستوى العالم هي التي تفرخ الإرهاب، وتنشر الكراهية والأحقاد، وتدفع نحو ردود فعل جنونية، عند من لا يجدون أنفسهم قادرين على حماية حقوقهم ومصالحهم بالطرق السليمة المشروعة. وأهم ما ينبغي التنبيه إليه في هذه الظروف الحساسة، هو أن لا تتحول المشكلة التي تواجهها أمريكا الآن إلى مشكلة داخلية بين المسلمين أنفسهم، بين مؤيد ومعارض، وأن نحذر الفتن والقلاقل، لنحافظ على أمن أوطاننا ومجتمعاتنا.