تعتبر شبكة المعلومات الدولية إنترنت، بلا منازع، أحد أهم مظاهر الهيمنة الأمريكية العالمية، فمن هناك انطلقت هذه الشبكة، وبها بقيت كل مكوناتها الرئيسة، وعن طريقها أصبح العالم ينقل معلوماته وبياناته ورسائله، وأصبحت هذه الشبكة هي الملتقى الدائم لمئات الملايين من سكان الأرض على مدار الساعة.
الى الحد الذي ذهبت معه مادلين أولبرايت، وزيرة الخارجية الأمريكية في عهد الرئيس بيل كلينتون في تصريحات لها عام 1999، إلى وصف شبكة الإنترنت بأنها أضحت أحد مرتكزات الدبلوماسية الامريكية الحديثة.
السياسة وشبكة المعلومات
وكان مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن قد أصدر تقريرا عام 1989 أعده الباحث الامريكي المتخصص باري فولتون تحت عنوان الدبلوماسية في عصر المعلومات قال فيه إن زعامة الولايات المتحدة (للعالم) التي تمكنها من الحفاظ على الاستقرار الدولي تتوقف على قدرة وكالات الشؤون الخارجية لدينا على التغيّر والتكيّف مع ضرورات عصر المعلومات.
هذا ما تمثله شبكة إنترنت وتقنيات الاتصال الحديث بالنسبة للسياسات الامريكية، وربما هذا هو أحد أسرار الاهتمام الامريكي بتوسيع التعامل العالمي مع الشبكة، وربط ذلك بمدى نمو المجتمعات أو عدمه.
الجدران الامنية
وبالرغم من السيطرة الامريكية الكاملة على الشبكة العالمية، وحمايتها بجدران إلكترونية وإحاطتها بإجراءات أمنية، واستثمار عشرات الملايين من الدولارات في سبيل ذلك، إلا أن هذه الشبكة تتعرض بين فترة وأخرى لعمليات هجوم إلكتروني، عبر إطلاق فيروسات حاسوبية تؤدي إلى تعطل الشبكة وشللها جزئيا أو كليا، مما يضع أحد مرتكزات الدبلوماسية الامريكية الحديثة أمام تحد أمني.
شلل كامل
وكان أحدث هجوم تعرضت له الشبكة العالمية، وأدى إلى تعطلها في مختلف أرجاء العالم، هو ذلك الهجوم الذي أدى إلى حدوث شبه شلل في الآلاف من أجهزة الحاسوب الخادمة لشبكة إنترنت يوم السبت 25 يناير الماضي ، حيث استمر هذا العطل من الصباح وحتى مساء اليوم نفسه. إلا أن خطورته ستبقى متاحة إلى أجل غير معروف.
عجز سريع
وأوضح خبراء في المركز الوطني الامريكي لحماية البنية التحتية المعلوماتية، أن المركز تنبه في صباح ذلك اليوم إلى عملية انتقال غير طبيعي لرسائل البريد الإلكتروني ومواد تبادلية أخرى.
وأضاف الخبراء أن الهجوم اعتمد على تقنية إرسال آلاف من الرسائل الإلكترونية في كل ثانية، مما أدى إلى إصابة نظم التشغيل والشبكات العالمية الرئيسية بحالة عجز على المواكبة، إلى أن انتهى بها الأمر إلى الشلل السريع.
خسائر فادحة
وباعتبار أن الحادث وقع في عطلة نهاية الأسبوع بالنسبة للولايات المتحدة والغرب وجنوب شرق آسيا، فإن الخسائر كانت محدودة نسبيا، إلا أن الخبراء بينوا أن ذات الحادث لو وقع في يوم آخر من الأسبوع لكانت الخسائر فادحة، ولتأثرت عمليات التبادل المعلوماتي التي تخص التعاملات الاقتصادية تأثرا كبيرا، بل إن مراقبين ذهبوا إلى أبعد من ذلك حينما تحدثوا عن أن عملية إطلاق الفيروس كانت أكبر مما هي لتأثرت بعض العمليات العسكرية الامريكية في الشرق الأوسط.
لقد تنبه الامريكيون في وقت مبكر لأي خطر ينجم عن محاولات قراصنة حاسوب اختراق بعض المواقع الإلكترونية الحساسة وسحب معلومات خاصة منها، أو وضع معلومات مغلوطة تؤدي إلى عمليات تشويش.
حماية انظمة المعلومات
وكانت الإدارة الامريكية برئاسة بيل كلينتون أعلنت في عام 1998 عن خطة مثيرة للجدل، تهدف إلى تصميم برنامج مراقبة حاسوبي يشرف عليه مكتب التحقيقات الفيدرالي، يهدف إلى حماية أنظمة المعلومات الامريكية.
وأعلن في حينه أن هذه الخطة، التي أثارت مجموعات حقوق إنسان أمريكية، و تم أعداد الخطة داخل مجلس الأمن القومي الامريكي، وهي تنص على ضرورة تطوير نظام برامجي معقد لمراقبة جميع الأنشطة على الشبكات الحكومية غير العسكرية إضافة إلى تطوير نظام آخر لتتبع تلك الشبكات المستخدمة في العديد من الأنشطة المهمة كأنظمة المصارف والاتصالات والنقل.
مليارات للحماية الالكترونية
جدير بالذكر، أن وكالة الإعلام الامريكية التي كشفت عن هذه الخطة قبل نحو خمسة أعوام، قالت إنها ستكون جاهزة للعمل بحلول عام 2003، وانه سيتم استثمار 1.4 مليار دولار أمريكي للبدء في العمل بها.
واليوم مع انقضاء الشهر الأول من عام 2003، تتعرض شبكة المعلومات الدولية إنترنت لأول هجوم من الحجم الكبير في هذا العام، ويستهدف الهجوم أجهزة حاسوب خادمة تتمركز في الولايات المتحدة، وتم تطويرها من قبل شركة مايكروسوفت الامريكية تحديدا، حيث أصدرت هذه الشركة بيانا أعلنت فيه أن الفيروس W32.Slammer تم تطويره خصيصا لكي يتفاعل مع أجهزة الشركة من نوع (Microsoft-SQL 2000) ومحركات قواعد البيانات (MSDE 2000).
وتعرضت شبكة إنترنت خلال الأشهر الماضية لعدد آخر من اختراقات الفيروسات الحاسوبية، وأدت إلى تعطل العمل بهذه الشبكة بصورة جزئية في العديد من المناطق في العالم، فيما نجحت فيروسات أخرى بقطع الاتصالات الحاسوبية بين الولايات المتحدة وآسيا وأوروبا.
الأوسع ضرراً
إلا أن الهجوم الأخير يعتبر الأوسع من نوعه، بعد الهجوم الشهير الذي وقع في نيسان (أبريل) 1999 بواسطة فيروس تشرنوبيل الذي أدى إلى تعطل مئات الألوف من أجهزة الحاسوب في العالم التي تعمل ضمن بيئة ويندوز 95 و ويندوز 98 التي طورتها أيضا شركة مايكروسوفت، التي وجهت لها تهما عديدة بأنها ساعدت السلطات الأمنية الامريكية على اختراق عدد من شبكات الحاسوب في أنحاء العالم، عبر تزويد برامجها بتقنيات تجسس خاصة.
ميلاد الفيروسات
لم يتفق المراقبون على تحديد تاريخ واضح لنشوء ظاهرة الفيروسات الإلكترونية، إلا أن أغلبهم ذهب إلى أن ذلك بدأ مطلع الثمانينات من القرن الماضي، عندما اشتعلت المنافسة الامريكية اليابانية على تصنيع تقنيات المعلومات الحديثة.وتفيد المعلومات، أن الولايات المتحدة بدأت في ذلك الوقت تبادل رقائق حاسوب مدمجة مبرمجة لكي تتعطل فترة محددة من استعمالها مسببة خسائر للجهة المستخدمة، وبحسب المراقبين فإن اليابانيين لم ينجحوا في مسعاهم نحو احتلال موقع الريادة في تصنيع الحواسيب بسبب الهجوم الفيروسي الذي تعرضوا له من المصنعين الامريكيين في ذلك الوقت.وبدأت بعد ذلك تتنامى صناعة فيروسات الحاسوب وازداد حجم الاهتمام بها حيث تراوحت ما بين فيروسات تقضي أو تعطل جهاز ما إلى فيروسات من شأنها أن تكشف أسرار ووثائق يحتفظ بها حاسوب ما آخر.
المصدر الأول
وبالرغم من أصابع الاتهام تتجه نحو الولايات المتحدة كمصدر لهذه الفيروسات باعتبار أن اشهرها خرج من هناك مثل مايكل انجلو وميليسا إلا أن الامريكيين أنفسهم هم أكبر المتضررين منها.
يذكر أن الفيروسات الحاسوبية، أوجدت تجارة واسعة تدر مليارات الدولارات، حيث يصرف على تلك الصناعة حسب إحصاءات حديثة حوالي 6 مليارات دولار سنويا ثمن أجهزة ومعدات وبرمجيات في جميع أنحاء العالم لحماية أجهزة الحاسوب من فيروس ما وتأتي بعد ذلك تكاليف الضمان التي تشمل ميزانية معالجة المعلومات.
ووصل حد الخطر من الفيروسات الحاسوبية، إلى درجة أن شركات عالمية كبرى منعت موظفيها من استخدام شبكة إنترنت ونقل البيانات عبرها، مثلما فعلت شركة فيلب مورس الامريكية عام 1999.