قد يشكل عنوان المقالة صدمة فكرية للمهتمين بهذا الشأن اذ كيف وبهذه السهولة ومن خلال ثلاثة اجزاء من مقالة في جريدة نستطيع ان نستنبط افضل الحلول التي قد تكون لاكثر المشاكل تعقيدا التي تعترض تنمية المجتمع.
اقول إننا وغيرنا استهلكنا زمنا طويلا في البحث عن حلول لهذه المشكلة اذ عقدت الندوة تلو الندوة ونخرج بحلول مثالية الى حد كبير بعضها يصعب تطبيقه والبعض الآخر بالامكان ولكن بالرغم من الجهود الكبيرة التي بذلت تنظيريا نحو هذه المسألة الا انه لم يكن هناك وقفة تأمل حقيقية من مجموعة معينة تقيم ما تخرج به هذه الندوات وتقف عند توصياتها وتعمل على رصد آليات مناسبة لتنفيذها.
وقبل ان اطرح افضل الحلول المقترحة لهذه المشكلة فانني من دعاة الوقوف على المشاكل من خلال البحوث الاجرائية القصيرة وايجاد الحلول لها من خلال التخطيط بالامكانات وهو الفوري وليس التخطيط بالاهداف ذي الاهداف شبه المثالية.. اذا فاطروحاتي هنا ليست بحاجة الى سن قوانين جديدة او اجراء تعديلات على انظمة قائمة او انها بحاجة الى ميزانيات كبيرة.. ابدا فهي قابلة للتطبيق باستغلال ماهو متاح من امكانات وموارد.
ازعم بان من افضل الطرائق لطرح مثل هذه الحلول هي من خلال استراتيجية مقترحة.. وهذا ما اعتزمه اذ سيكون الطرح على شكل استراتيجية مكوناتها محاور رئيسية وتعليق على هذه المحاور وسأترك رصد الاستراتيجيات المؤدية لتحقيق هذه المحاور والتعليق عليها للجهات التنفيذية والمسئولة عن ذلك. ولعل من ابسط مكونات تحقيق الاستراتيجية ونجاحها هو العمل المشترك بين كافة الجهات ذات العلاقة بقضايا التدريب والتوظيف تحت مظلة واحدة ليتم العمل بصورة موحدة لتحقيق محاور الاستراتيجية اما الجهات المقترح ان تشارك في وضع استراتيجية استيعاب خريجي الثانوية العامة فهم اعضاء من وزارات المعارف والعمل والغرف التجارية ومجلس القوى العاملة وصندوق تنمية الموارد البشرية وممثلون عن المؤسسات التدريبية العامة والخاصة بكل منطقة وبذلك يكون لدينا ثلاثة عشر فريق عمل شريطة ان يتم العمل بهذه الفرق من خلال خطط عمل قابلة للتنفيذ ويستفاد من موارد الصندوق في دعم هذه الخطط وترتبط هذه الفرق بإمارات المناطق بهذه المسألة لانني ازعم بانها هي المظلة التي بامكانها ان تعضد العمل التكاملي المشترك دون منافسة تعيق تحقيق خطوات هذه الاستراتيجية. اما محاور الاستراتيجية المقترحة فهي على النحو التالي:
اولا: رصد المسارات التدريبية والتعليمية المتاحة في كل منطقة سواء في القطاع العام أوالخاص. كما ذكرنا في الجزء الثاني من هذه المقالة بأن هناك حلقة مفقودة بين المسارات المتاحة ورغبات الشباب في اكمال دراساتهم او تدريبهم واحسب أن هناك مسارات لو استغلت امكاناتها لساهمت بايجابية كبيرة في امتصاص الاعداد الخارجة عن اسوار الجامعات والكليات ونضرب مثلا بسيطا على هذه المسارات واجزم بان العديد من الشباب لا يعلم عنها ومنها البرامج التدريبية التي تطرحها بعض المؤسسات الكبيرة وكذلك برامج الامراء في بعض المناطق والمعاهد التابعة لبعض الشركات الكبيرة والبرامج التي تنظمها الغرف التجارية وكذلك برامج التنظيم الوطني المشترك ومعاهد التدريب الخاصة والتي لها توجهات خيرية وتعمل على التدريب المجاني ولا ارغب في ذكرها حتى لا اتهم بالدعاية لها ولعلنا نحقق ذلك من خلال اصدار كتيب تعريفي في كل منطقة يرصد كافة المسارات التدريبية والتعليمية المتاحة وكذلك طاقتها الاستيعابية وشروط قبولها وخلافه ويتم توزيع هذا الكتيب على طلاب السنة النهائية بالمرحلة الثانوية بالمنطقة.
ثانيا: الوقوف على الاعداد الفعلية لمخرجات التعليم الثانوية في كل منطقة. وهذا في الواقع سيساعد كثيرا على تحديد هذه الاعداد على مستوى كل منطقة ومقارنتها بما تم تحديده في المحور الاول ومن ثم تظهر لدينا الاعداد التي لاتجد لها مقاعد للدراسة او التدريب. وبالطبع فان الوصول الى تحقيق هذا المحور من السهولة بمكان اذ انها متاحة من خلال ادارات التعليم بالمناطق.
ثالثا: حث الشركات الكبيرة والمصانع على انشاء معاهد للتدريب في داخل منشآتها والتوسع في القائم منها.
وهذا بالمناسبة نوع من الالتزام الادبي لهذه المصانع والشركات تجاه مجتمعاتها اذ ان مثل ذلك يعمل به في معظم دول العالم ونؤكد هنا على الكبيرة منها خاصة من التي تتداول اسهمها في سوق الاسهم وتحدد هذ الشركات والمصانع ويطلب منها انشاء هذه المعاهد وتحديد طاقاتها الاستيعابية وتوجه الى خريجي الثانوية العامة سواء للمهن المتاحة في هذه الشركات والمصانع او غيرها ولكن في الآخر نحن نضم الشباب السعودي المدرب الى سوق العمل.
كما ينبغي حث المصانع والشركات الكبيرة التي لديها مراكز تدريبية على ان تتوسع بامكاناتها لكي تستوعب اعدادا اخرى من مخرجات الثانوية العامة بل على هذه الشركات والمصانع ان تفتح مسارات جديدة لطلبة الثانوية العامة ولصندوق تنمية الموارد البشرية دور كبير في هذا الشأن.
رابعا: اعطاء دور اكبر للغرف التجارية والجمعيات الخيرية لاستيعاب خريجي الثانوية العامة.
في اعتقادي مازالت الغرف التجارية لديها القدرة والطاقة في استيعاب اعداد اكبر من خريجي الثانوية العامة من خلال فتح مسارات تدريبية للمهن التي توليها الجهات ذات العلاقة اهتماما كبيرا لتوطينها.. كباعة الذهب والسكرتارية والمبيعات ومدخلي البيانات وغيرها اما الجمعيات الخيرية فعليها المساهمة في ذلك من خلال تمويل مشاريع تدريبية سواء في داخل هذه الجمعيات او من خلال مؤسسات تدريبية خاصة ولتكن هذه البرامج موجهة الى المحتاجين من خريجي الثانوية العامة.
خامسا: تعزيز مبدأ المشاركة بين المدارس الثانوية من جهة وبين مؤسسات التعليم العالي ومؤسسات العمل الخاص من جهة اخرى. ولتحقيق هذا المحور فان صندوق تنمية الموارد البشرية بامكانه ان يلعب دورا فعالا في هذا الشأن اذ لو تم تمويل مشاريع تدريبية من على مقاعد الدراسة في المرحلة النهائية لاكتساب شهادة تدريبية من احد المراكز التدريبية سواء في القطاع العام او الخاص لخفف ذلك من حدة الاقبال المتزايد على الجامعات والكليات. انني لا ازعم في حقيقة الامر بان ما اعلنته من محاور هو كل ماتتطلبه استراتيجية ناجحة لاستيعاب مخرجات التعليم الثانوية ولكن لنعتبرها نقطة انطلاقة لرصد كافة المحاور واؤكد على مسألة هامة هنا باننا احوج ما نحن اليه هي الآليات الواضحة والمعايير المعلنة لتحقيق اهدافنا فلقد ذكرت ادوارا متعددة لصندوق تنمية الموارد البشرية في تحقيق بعض المحاور ولكن وجود آلية سيعزز من هذا الدور وبالعكس غياب الآلية قد يفقد دور الصندوق في ذلك. والسؤال الذي يتبادر الى ذهن كل متابع هو ماذا لو خرجنا بنتيجة مفادها ان اعداد خريجي الثانوية في منطقة مايفوق الطاقة الاستيعابية للمسارات التعليمية والتدريبية المتاحة في تلك المنطقة؟ نعم قد ينطبق ذلك على بعض المناطق ولكن ليست جميعها اذ في هذه الحالة بالامكان طرح بدائل كثيرة منها الطلب من بعض الشركات والمصانع القادرة وكذلك الغرف التجارية الزيادة في الطاقة الاستيعابية كما انه بالامكان طلب ذلك من الجمعيات الخيرية لفتح مسارات للمحتاجين من طلبة الثانوية العامة وكذلك المعاهد التدريبية في القطاع الخاص. بالرغم من كل ماذكرته الا انني اعتقد بان مجرد الوقوف على مانمتلكه من امكانات وما يقابله من اعداد خريجي الثانوية العامة كفيل بان نستشرف المستقبل من خلاله ونضع الخطط الكفيلة بتضييق الهوة وبالتالي الوصول الى الحلول المناسبة.