DAMMAM
الخميس
34°C
weather-icon
الجمعة
icon-weather
34°C
السبت
icon-weather
37°C
الأحد
icon-weather
33°C
الاثنين
icon-weather
34°C
الثلاثاء
icon-weather
36°C

المسكوت عليه في فلسطين

المسكوت عليه في فلسطين

المسكوت عليه في فلسطين
أخبار متعلقة
 
لان الفلسطيني اصبح مخلوق الله المستباح، فان وقائع إبادته وتدمير حياته وإذلاله، التي تطالعنا بكثافة وبوتيرة يومية منذ اشهر، باتت أخباراً عادية لا تثير الانتباه فضلاً عن أن تحرك الشعور. ولئن حدث ذلك في غمرة انشغال الناس بأخبار الحرب التي لم تقع، فما بالك به لو وقعت! (1) يوم الأحد الماضي (23/2) نشرت الصحف خبراً من روما يقول أن ألفي شخص نظموا مظاهرة طافت بشوارع المدينة، رفعوا خلالها لافتات طالبت بحماية "كرامة القطط". وقال منظمو المظاهرة من ممثلي جماعات الدفاع عن القطط ان في المدينة 150 ألف قطة شاردة، لا يعاملها سكان المدينة بطريقة لائقة، في حين أنها أحوج ما تكون إلى الرعاية خصوصاً في أجواء الصقيع التي تعيشها أوروبا الآن. في اليوم نفسه نشرت الصحف تقريراً من نابلس عن الاجتياح الإسرائيلي لإحياء المدينة القديمة، بما استصحبه من إطلاق عشوائي للنيران وتفجير لستة بيوت، الأمر الذي أدى إلى تشريد 14 أسرة، وخروج الأمهات والأطفال وهم يرتجفون إلى الشوارع المغطاة بالثلوج والأوحال. الرجال اختطفوا واخذوا تحت جنح الظلام إلى مكان مجهول وهم مقيدون بالحبال. أما النساء والأطفال، فقد هاموا على وجوههم بحثاً عن مكان يأويهم من البرد والفزع. حين طويت الصحيفة لاحقتني فكرة المقارنة بين حظوظ القطط في روما، وحظوظ الفلسطينيين في الأرض المحتلة. وبدت المفارقة كاشفة ومروعة بين قطط شاردة وجدت من يدافع عن كرامتها وحقها في الحياة هناك، وبين رجال يساقون إلى الموت تحت جنح الظلام، ونسوة وأطفال في فلسطين يواجهون مشكلة التشرد، ولا أحد في العالم يعيرهم التفاتاً او يدرك أن لهم كرامة او حقاً في الحياة. المذهل في الأمر أن عملية الإبادة والتدمير اليومي للبيوت والمرافق والإنسان الفلسطيني أصبحت جزءاً من نمط الحياة في الأرض المحتلة، حيث كتب على سكانها أن يعانقوا الموت والذل والخراب طول الوقت. ولان العملية لم تتوقف منذ بدأت الانتفاضة (في عام ألفين) فان أحداثها ووقائعها تحولت في الخطاب الإعلامي والسياسي إلى أرقام. وصرنا ونحن في الخارج نقرأ أن كذا شهيداً قتلوا وكذا جريحاً سقطوا، وكذا بيتاً هدمت، ومع اعتياد الناس على تلك الأرقام، فان كثيرين اصبحوا يقرأونها كما يقرأون أخبار الصعود والهبوط في اسهم البورصة. يرفعون حواجبهم اذا ارتفعت قيمتها، ويقلبون شفاههم اذا ما انخفضت. لكن هذا وذاك لا يغير كثيراً من مزاجهم وهم يحتسون قهوة الصباح. (2) في غزة وحدها هدم الإسرائيليون منذ بدء الانتفاضة حوالي 800 منزل تسكنها 1100 عائلة تضم ستة آلاف شخص، حسب إحصاءات وكالة غوث اللاجئين. وهذه المنازل سويت بالأرض، ولم يعد فيها حجر فوق حجر. ومذبحة المنازل هذه جديدة في تعامل الإسرائيليين مع الفلسطينيين، والهدف منها يتراوح بين الانتقام والترويع. في السابق كانت اسرائيل تهدم بيتاً أو اثنين كل عدة اشهر، كما ذكرت كارين أبو زيد، إحدى موظفات وكالة الغوث. ولكن حين أصابت الانتفاضة اسرائيل بالوجع، خصوصاً من خلال العمليات الاستشهادية، فان لوثة أصابت ساستها وعسكرييها الذين أطلقوا عنان الدبابات والجرافات التي أصبحت تهدم البيوت بالعشرات. ولم يكن ذلك مقصوراً على غزة وحدها بطبيعة الحال، وإنما انطبق بنفس القدر على الضفة. وهدم البيت ليس مجرد تقويض لمبنى، ولكنه في حقيقة الأمر تدمير لحياة أسرة كاملة، وإعادتها إلى نقطة الصفر، بلا مأوى او أثاث او حتى ثياب، الأمر الذي ينسف كل ما دبرته ووفرته في حياتها، ويحول من بقي على قيد الحياة منهم إلى مشردين ومتسولين. ناهيك عن كونه جريمة غير إنسانية لا نظير لها، بمقتضاه تعاقب الأسرة بمختلف أجيالها المكدسة في البيت، جراء فعل منسوب إلى أحد أفرادها، وهو في العادة أحد عناصر مقاومة الاحتلال. ناهض الحلو من أبناء غزة لم يكن من هؤلاء ومع ذلك نسف بيته في إحدى الحملات الإسرائيلية المجنونة على القطاع. بل وقتل ابناه علاء وسعيد مع ابن خالتهما تامر درويش، حين انهار المبنى فوق رؤوسهم، واختلطت أشلاؤهم بالركام كما اختلطت دماؤهم بالوحل الذي غمر المكان. في مخيم المغازي بالقطاع، حاصرت القوات الإسرائيلية منزل سلامة بن سعيد، والد الشهيد بهاء، الذي كان قد نجح في اقتحام احدى المستوطنات، واعتقلت ثلاثة من اخوة الشهيد، ثم قامت بتفجير المبنى الذي انهار فوق أم الأولاد كاملة سليمان بن سعيد (65 سنة) - ووقع الحادث في أعقاب تفجير مبنى آخر في "بيت لاهيا"، سقط فوق مالكه الذي كان عجوزاً في السبعين من عمره. في غزة أيضاً جلست عجوز كفيفة في التسعين من عمرها فوق أنقاض منزلها الذي دمر في حياتها خمس مرات، في حين قتل الإسرائيليون أبناءها الأربعة واحداً تلو الآخر. لم يبق في عين العجوز - أم عابد الزريعي - دمع تذرفه، ولا أمل في الدنيا تتعلق به، حتى أرادت أن تدفن مع الأنقاض. وحدها الأمطار الغزيرة اضطرتها إلى مغادرة المكان والاحتماء بجدار نجا من التدمير. في قرية "النبي الياس" القريبة من قلقيلية، فوجئ محمد حنون، أبو شادي، بالجرافات الإسرائيلية وهي تنهش أشجار الزيتون التي تعتاش منها أسرته، أذهلته المفاجأة، ولم يصدق أن كل ما زرعته عائلته ورعته عبر مئات السنين قد اقتلع وسوي بالأرض، فلم يتمالك نفسه، وسقط على الأرض بغير حراك. وحين نقلوه إلى المستشفى قال الأطباء ان جلطة قلبية داهمته فأصابته بفقدان النطق والشلل. في مخيم بلاطة بمدينة نابلس اقتحم الإسرائيليون بيت محمد مسيمي لاعتقال ابنه الناشط في كتائب الأقصى. وحين لم يجدوا الابن، أمروا العائلة بمغادرة المبنى، فانصاعوا بطبيعة الحال، لكنهم حين عادوا إليه بعد حين صدمهم الخراب الذي حل به، فسقط الأب على الأرض من هول ما رأى، حيث أصابته نوبة قلبية أودت بحياته. هذه مجرد نماذج للأحداث اليومية التي أصبحت تقع على هامش عمليات الاجتياح وتجريف الأرض والقتل المتعمد، الذي يستهدف الناشطين او ذلك العمل العشوائي الذي يراد به الترويع والتركيع. (3) هدم البشر وإذلالهم لا يقل خطورة، وربما كان الأخطر، لأنه يراكم المرارة والحزن، ويحول الناس بمختلف أعمارهم إلى قنابل غضب موقوتة تمشي على الأرض. وذلك وجه للمشهد الفلسطيني لا يراه كثيرون. لان التقارير الصحفية ووسائل الإعلام تركز على الصفحات المكتوبة بالدم في السجل الفلسطيني، ولا تتوقف كثيراً عند تلك المكتوبة بالدمع والتي ترسمها الزفرات والشهقات والمرارات. في 16/11/2002 قدم التليفزيون الإسرائيلي برنامجاً تضمن شهادات لجنود خدموا في الضفة الغربية، ذكروا أن قادتهم سمحوا لهم بالرهان فيما بينهم على إطلاق النار على الفلسطينيين لمجرد التسلية "وقتل" الوقت. وشهد الجنود بأن عدداً من قادتهم أمروهم بأن ينهالوا بالضرب المبرح على كل ما يصادفونه من الذكور أثناء مداهمة بيوت الفلسطينيين. أحدهم قال انه رأى ثلاثة من زملائه في نابلس أوسعوا ثلاثة شبان فلسطينيين ضرباً حتى نزفت الدماء منهم. ثم قاموا برسم شعار لواء "المظليين" الذي ينتمون إليه على الحائط بتلك الدماء النازفة. آخرون من لواء المشاة "هناحل" قالوا انهم قاموا بنتف لحى ثلاثة من الشيوخ الفلسطينيين في إحدى خرائب بلدة دورا شرق مدينة الخليل. شهد بعضهم أيضاً بأنهم رأوا زملاءهم وهم يطلقون النار عامدين على الدواب والماشية الفلسطينية. وفي إحدى المرات قتلوا 15 رأس ماشية دفعة واحدة. في البرنامج أقرت الشرطة العسكرية بأنها سجلت 250 حالة قام فيها جنود الاحتلال بنهب وسرقة البيوت الفلسطينية أثناء الاقتحام. فاطمة النجار زوجة احد صيادي الأسماك الفلسطينيين الذين يسكنون منطقة المواصي الساحلية غرب "خان يونس"، ذهبت إلى المدينة لشراء مادة كيماوية تستخدم في صيانة السفن، وأثناء عودتها أوقفها حاجز عسكري. وحين عرف الجنود الإسرائيليون طبيعة المادة التي تحملها، أمرتها إحدى المجندات بأن تشرب المادة الكيماوية. رفضت فاطمة فانقض عليها ثلاث مجندات وقمن بتقييدها، ثم وضعن المادة الكيماوية في فمها رغماً عنها. الأمر الذي أدى إلى انهيارها، وحين نقلت إلى "المستشفى الأوروبي" تبين أن المادة الكيماوية أحدثت مشاكل صحية في الحنجرة والمعدة، نتج عنها سوء هضم وصعوبة في الكلام، ولا تزال تحت العلاج حتى الآن. (4) تحولت الحواجز إلى مذبح للكرامة الفلسطينية، وساحة لتوزيع جرعات المذلة والهوان على الجميع بلا تمييز. على حاجز "عين عريك" المقام على طريق رام الله ـ بيرزيت اصطف اكثر من ثلاثين رجلاً فلسطينياً بينهم فتاة واحدة اسمها مريم، لم يسمح الجنود للرجال بالعودة إلى منازلهم، وأجبروهم على جلوس القرفصاء وطأطأة رؤوسهم، وكل من احتج او رفع رأسه ضرب وانهال عليه الجنود صفعاً وركلاً. أما مريم فقد سمعت من الكلمات الفاحشة والحركات البذيئة ما لم تسمعه في حياتها. وحين وصل إلى الحاجز سائق سيارة أجرة - اسمه إبراهيم - قبل ربع ساعة من رفع حظر التجول عن المدينة، فانه عوقب بانتزاعه من وراء مقوده، وتناوب أربعة جنود مدججين بالسلاح على ضربه إلى أن سقط فاقداً وعيه. وحينئذ التفت الجنود إلى سيارته، وانهالوا عليها بأعقاب بنادقهم حتى هشموها. وبدل أن يوصل إبراهيم ركاب سيارته إلى المدينة، فان الركاب هم الذين تولوا أمر نقله إلى المستشفى. قسم الإسرائيليون الضفة الغربية إلى 300 منطقة احتلالية تفصل بينها الحواجز، الأمر الذي فرض على الفلسطينيين طقوساً خاصة، من قبيل التأكد من احتشام ملابسهم الداخلية، بعدما باتت تعرية الشبان فضلاً عن كبار السن، جزءاً لا يتجزأ من متطلبات اجتياز الحواجز. ولا يقف الأمر عند ذلك الحد، وإنما كثيراً ما يطلب من كبار السن - إمعاناً في إذلالهم ـ أن يأتوا بحركات ساخرة معينة او أن يرقصوا امام الجنود، قبل أن يسمح لهم بالمرور! ذات يوم خرج الفتى وسام عشراوي لشراء بعض حاجياته في الخليل، فأوقفته دورية تابعة لحرس الحدود، وصرخ في وجهه أحدهم قائلاً انه خالف نظام حظر التجول، ولا بد من عقابه. وكانت "عقوبة اليانصيب" تنتظره، حيث أمر بالاختيار بين أوراق أربع مطويات كتبت في كل واحدة منها إحدى عقوبات اليوم، وحين مد يده وهي ترتعش ليأخذ واحدة منها، قام الجندي الإسرائيلي بعد قراءتها بانتزاع يد وسام، ثم كسر إصبعه ومضى! - تكرر المشهد مع فلسطيني آخر اسمه حجازي أبو ستيتة، الذي ما أن التقط واحدة من الأوراق التي عرضت عليه، حتى انهال الجنود عليه بالضرب على الساقين واليدين والظهر، ثم القوا به في حوض للمياه، تنفيذاً للعقوبة التي اختارها. عقوبة اليانصيب لم تختلف عن فكرة التعذيب بالقرعة، التي كان من ضحاياها علي الطرايرة، عامل الدباغة في الخليل، الذي خرج ليتسلم عمله ذات صباح، فاعترضته سيارة لحرس الحدود الإسرائيلي، وأمرته بعدم التحرك من مكانه. وحين امتثل احضروا دلواً بلاستيكياً وفيه مجموعة من الأوراق، وقال أحدهم: في كل واحدة من هذه الأوراق هناك أسلوب تعذيب مختلف، وعليك أن تختار ما يروق لك. فهناك تكسير أصابع القدم، او إطلاق الرصاص على القدم، او الضرب أثناء الرقص، غير مفاجآت أخرى. طبقاً لما نشر في "الشرق الأوسط" (عدد 10/1 الماضي) فان الطرايرة لم يجد مفراً من الاستجابة، وحين التقط إحدى الأوراق، تناولها أحد الجنود، وعرضها على رفاقه، فإذا بهم يتصايحون بشكل هستيري، وقام أحدهم بعرضها عليه، وفوجئ بأن كتب عليها: تكسير اليدين والرجلين. ولم يضيع الجنود دقيقة من الوقت، حيث انهالوا عليه بالضرب المبرح وبأعقاب البنادق حتى سقط أرضاً- وصف الطرايرة ما جرى قائلاً: بعد وجبة الضرب المتواصل والمبرح امسك اثنان من الجنود بأحد ذراعي وقام ثالث بالضرب عليها بقضيب حديدي كبير، عندها فقط شعرت بانهم جادون في تحطيم عظامي. وانتقلوا بعد تكسير الذراع الأولى إلى الذراع الأخرى. وبعد الانتهاء من هذه المهمة راحوا يوجهون الضرب وبشكل جنوني إلى كل أنحاء الجسم. غاب الشاب عن الوعي ولم يعد يدري بعدها ما حدث له، ولم يستيقظ إلا وهو في المستشفى، بعد أن نقلته عائلة فلسطينية مرت في المكان الذي غادره الجنود وتركوه فيه ليلاقي حتفه. للتنكيل درجات أخرى اشد وافظع، تتحدث عنها روايات سكان المناطق النائية في الجنوب الشرقي للضفة، حيث ذكر أحد القرويين أن الجنود عرضوا عليه أن يختار أحد الأوراق، فإذا قرعته تقضي بقطع العضو الذكري، وبالفعل كما يقول اجبره الجنود على التعري، لكن مرور مجموعة من الصحفيين الأجانب في المكان حال دون قيام الجنود بما كانوا ينوون القيام به، وأطلقوا سراحه. في منطقة رام الله ووسط الضفة الغربية هناك أساليب تنكيل وإهانة أخرى. فمثلاً يقول زهير حداد من بلدة دير دبوان، انه كان عائداً من مدرسته في سيارة أجرة، عندما استوقفها حاجز "طيار" للاحتلال على مشارف القرية، فطلب أحد أفراد الدورية الإسرائيلية من حداد أن يترجل من السيارة، وطلبوا منه أن يرقص، فرفض فانهالوا عليه بالضرب المبرح، لكنه بعد أن اخذ منه الألم مأخذه وجد نفسه يرقص، بينما كان الجنود يصورونه بكاميرا فيديو! (5) احتفظ بملف حافل بوقائع الاعتداءات الوحشية على زوجات المعتقلين، ومحاولة النيل من شرفهن، لإذلال الأزواج وإجبارهم على الاعتراف. وهذه الاعتداءات طالت الأطفال الذين أودعوا السجون وخضعوا لعمليات تعذيب وتشويه بشعة. ومن أسف أن الحيز المتاح لا يسمح بعرض تلك الوقائع. لكن ما يهمني في هذا السياق أن نتأمل ذلك الوجه المسكوت عليه، ونتدبر شهادة لأحد المعلقين الإسرائيليين، حيمي شليف، الذي كتب في صحيفة معاريف مقالاً تحت عنوان "سحر القاتل"، قال فيه: ان الجمهور الإسرائيلي وان مال إلى تسوية مع الفلسطينيين، إلا انه يريد زعيماً لا يطيقهم، ويملك "قدرة ممكنة ومحتملة لضرب العرب حتى نحورهم" - إلى ان قال: أن الاندفاع والهرولة خلف القاتل منقوشة في طباعنا. وهذا الأمر لم يبدأ مع الانتفاضة، ولا مع اندفاع الموجات "الإرهابية"! ترى متى يمكن أن يتساوى الفلسطينيون مع القطط في روما؟!