لاشك في أن مؤتمر القمة العربي الذي عقد أخيرا في منتجع شرم الشيخ بجمهورية مصر العربية قد عقد في ظل ظروف عربية واقليمية وعالمية في منتهى الحساسية والتعقيد بعد ان تزامن عقده مع الحشود العسكرية الامريكية - البريطانية في منطقة الخليج العربي مهددة بشن حرب على دولة عربية مؤسسة هي العراق.
وإذا ما تجاوزنا جدلية وصف المؤتمر (بالعادي) كما تصفه سجلات الجامعة العربية مذيلة به نص البيان الختامي على اعتبار ان رئاسته قد آلت الى مملكة البحرين صاحبة الحق في المؤتمر المقبل, او (الطارئ) باعتبار انه قد قدم عن موعده المحدد الذي كان يفترض له ان يعقد في المنامة بالبحرين, فان تاريخ القمم العربية عموما يؤكد ان القمم العربية (الطارئة) لم تكن في يوم من الايام (استثناء من القاعدة) مما يجعل المتابع السياسي يقفز الى نتيجة مهمة فحواها ان قممنا العربية كانت على الدوام (ردود أفعال) لما يحدث على الساحة الإقليمية العربية من تهديدات تمس الأمن الإقليمي العربي الذي أصبح مع الزمن, وبفعل بعض ممارسات بعض القيادات العربية نظاما هشا قابلا للانهيار.
فعلى مدى تاريخ القمم العربية التي لم يسلم تسجيل بداياتها الاولى هي الاخرى من الجدلية بعد ان أرخ البعض لها من تاريخ قمتي (انشاص) في الإسكندرية (مايو 1946م) على اعتبار انه اول مؤتمر قمة عربية تحضره الدول السبع المؤسسة للجامعة العربية, وهي: مصر وشرق الاردن والسعودية واليمن والعراق ولبنان وسوريا في حين ان سجلات الجامعة العربية تؤكد ان بدايات القمم العربية تعود الى قمة القاهرة التي عقدت في 13 يناير/ كانون الثاني 1964, في مقر الجامعة العربية في القاهرة. ولعل القارئ لما بين السطور يعرف ان هذا الاختلاف إنما يعود في المقام الأول الى رئاسة المؤتمر ليس إلا.
واذا ما اخذنا وجهة نظر الجامعة العربية في تحديد تاريخ بداية القمم العربية, فنحن امام (28) مؤتمر قمة عربية عقدت على امتداد ثمانية وخمسين عاما وصدر عنها ما يزيد على المائتين والثلاثين قرارا تعاملت مع قضايا عدة معظمها كان يمس قضايا الأمن العربي المشترك.
وإذا ما انطلقنا من حقيقة ان هناك (13) مؤتمر قمة عربية من اصل الثمانية عشر مؤتمرا كانت قمما عربية (طارئة) عقدت في ظل اجواء عربية وإقليمية, وعالمية بالغة التعقيد فان ذلك سيقودنا حتما الى التساؤل عن اسباب هذه (الغفوات العربية) التي لا تقوم من سباتها الا بعد ان يدق الخطر (بكل عنف) على أبوابها.
وإذا ما عدنا ثانية للتجربة العربية التاريخية لقمم جامعة الدول العربية فسنجد ان النتيجة التي وصلنا اليها آنفا لما تكن قفزا على الواقع على الاطلاق بقدر ما هي حقيقة (تاريخية) تؤكدها سجلات.. الجامعة العربية نفسها. فعلى الرغم من تأكيد مؤتمرات القمة منذ بداية انعقادها في 1964 وحتى 1996 على اهمية عقد مؤتمرات دورية اكثر من مرة, فان ستة منها فقط عقدت بناء على التزام بدورية القمة, والباقي منها يدخل قائمة (ردود الأفعال) والله المستعان.
فلقد شكلت فترة (الستينيات) استثناء في تاريخ القمم العربية حيث عقد خلالها سبع قمم عربية (عادية) بدءا من مؤتمر القمة العربية الاول الذي عقد في القاهرة (1964م), وانتهاء بمؤتمر القمة العربي الخامس الذي عقد في الرباط (1969م). ففي حين شهد العام 1964 انعقاد مؤتمرين في ذات السنة هما مؤتمرا القاهرة, والاسكندرية خلت الاعوام 1966م و1968 من عقد اي مؤتمر قمة عربية اعتياديا, او طارئا.
واذا ما انتقلنا الى فترتي السبعينيات, والثمانينيات فسنجد اننا امام فترتين من اهم الفترات التي شهدت انعقادا لمؤتمرات القمة العادية. فقد تساوت الفترتان في العدد الذي بلغ (7) قمم مع فارق مهم جدا هي ان فترة السبعينيات قد شهدت عقد (5) مؤتمرات قمة عادية, و(2) من القمم الطارئة توزع مكان انعقادها ما بين القاهرة (1970م), الجزائر (1973م), الرباط (1974م), الرياض (1976م), القاهرة (1976م), بغداد (1978م), تونس (1979م), بينما انعكست الآية تماما خلال فترة الثمانينيات حيث عقد (5) مؤتمرات قمة طارئة, و(2) من القمم العربية العادية توزع مكان انعقادها على ثلاث من الدول العربية هي الاردن (1980 - 1987م) والمغرب (1981 - 1982 - 1985 - 1989م), والجزائر (1988م).
وإذا ما انتقلنا الى فترتي الثمانينيات, والتسعينيات وهي الفترات التي شهدت تطورات عالمية, واقليمية مهمة كان من اهم افرازاتها تغير النظام الدولي ككل من الثنائية القطبية بعد تفكك دول المحور الشيوعي بعد انحلال ما كان يعرف سابقا بالاتحاد السوفيتي خلال فترة التسعينيات الى النظام الدولي (احادي القطبية) الذي تتربع الولايات المتحدة على قمة هرمه في الوقت الراهن, ناهيك عن عملية الغزو العراقي لدولة الكويت وما تمخض عنه من آثار ألقت بظلالها ولا تزال على الامن العربي المشترك الذي اصبح بعد ذلك الحدث في حكم (خبر كان) فسنجد انه باستثناء القمم العادية التي عقدت في الاعوام (81 - 82) تعتبر فترة الثمانينيات الى نهاية القرن العشرين فترة القمم الطارئة.
والخلاصة ان قمة شرم الشيخ لم تكن استثناء من قاعدة, بل لعلها سيرا على العادة العربية (الاصيلة!!!) التي لا تغفو من سباتها الا بعد ان تتلقى صدمات تعيدها الى عالم الوعي وتذكرها بانها تعيش عالما مليئا بالصراعات والتحديات التي تستهدف وجودها على خارطة الكرة الارضية, مما يستدعي بالضرورة ان تكون العيون يقظة على الدوام لا تتثاءب الا قليلا.
ولله الأمر من قبل ومن بعد.
دمتم وعلى الحب نلتقي دائما.