صحيح ان شارون قد يحصد بعض المكاسب السياسية من خلال انتظاره تعامل الفلسطينيين مع (خريطة الطريق) على اعتبار ان ابو مازن قد لايستطيع كما هي الرؤية الاسرائيلية ان يحطم الصلة القائمة بينه وبين السلطة الفلسطينية، او يتجاوز صلته بالانتفاضة التي تمور على الارض المحتلة، ويحلو لشارون ان يصفها بالارهاب، او يعمل بجدية على التخلص من فصائل الانتفاضة في الضفة الغربية وغزة، او يحاول اقناع ادارة بوش باحراز تقدم في مشروع (الخريطة) دون تحقيق تلك الاملاءات الاسرائيلية، قد يحصد شارون بعض تلك المكاسب الا انه مخطئ في تقدير حساباته ان اعتقد انه قد يكسب الوقت ان لم يرضخ لمعطيات (خريطة الطريق) الايجابية وعلى رأسها منح الشعب الفلسطيني تقرير مصيره واقامة دولته المستقلة على تراب ارضه الوطني، ولا يمكن وصف تلك المكاسب التي قد يحرزها شارون الا انها تعطيل واضح للتسوية بدليل انه قدم سلسلة من الاحتجاجات للبيت الابيض قبل ان تولد (الخريطة) وتتضح نصوصها، ومن اجل تعطيل التسوية فان شارون كما هو متوقع منه سوف يطيل امد الاغتيالات والغارات ضد فصائل المقاومة تدشينا لما يدعيه بضعف مواقف رئيس الوزراء الفلسطيني الجديد، ومهمة شارون السياسية الحالية كما يبدو هي العمل على افشال مساعي الحكومة الفلسطينية الجديدة للوصول معه الى تسوية، على اعتبار ان التوصل الى عملية سلام حقيقي تعني فيما تعنيه انسحابا اسرائيليا من كل الاراضي الفلسطينية المحتلة بما فيها الاراضي المجاورة لبيت المقدس وتفكيك المستوطنات، وتلك تسوية يصفها شارون بالانتحار، وهو امر قد يعقد الامور اكثر من تعقيداتها الحالية، فاسرائيل رغم اعلانها الالتزام ظاهريا بمقتضيات (خريطة الطريق) الا انها تسعى الى عدم التقيد بانفاذ نصوصها لاسيما تلك المتعلقة بتجميد بناء المستوطنات وهنا تبرز لغة التلاعب بالالفاظ التي يجيدها شارون فهو على استعداد للقبول (بالسلام والامن المطلوبين والقبول بقيام دولة فلسطينية) غير ان مفردات تلك اللغة غير متوافقة مع ممارسات شارون الفعلية على ارض الواقع، فقبوله التسوية النهائية مع الفلسطينيين هو مجرد شعار سياسي مرفوع غير قابل للتنفيذ، وخطواته القادمة تنحصر اساسا في احباط توجهات ابو مازن نحو التسوية بكل ادوات الاحباط الممكنة.