صدر عن هيئة كبار العلماء أمس بيان حول حوادث التفجيرات التي وقعت في مدينة الرياض مساء الاثنين، فيما يلي نصه: الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده محمد وآله وصحبه، أما بعد، فإن مجلس هيئة كبار العلماء في جلسته الاستثنائية المنعقدة في مدينة الرياض يوم الاربعاء 13/3/1424هـ استعرض حوادث التفجيرات التي وقعت في مدينة الرياض مساء يوم الاثنين 11/3/1424هـ وما حصل بسبب ذلك من قتل وتدمير وترويع واصابات لكثير من الناس من المسلمين وغيرهم.
ومن المعلوم أن شريعة الاسلام قد جاءت بحفظ الضروريات الخمس وحرمت الاعتداء عليها وهي الدين والنفس والمال والعرض والعقل.
ولا يختلف المسلمون في تحريم الاعتداء على الانفس المعصومة والانفس المعصومة في دين الاسلام إما أن تكون مسلمة فلا يجوز بحال الاعتداء على النفس المسلمة وقتلها بغير حق ومن فعل ذلك فقد ارتكب كبيرة من كبائر الذنوب العظام يقول الله تعالى (ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما).
ويقول سبحانه (من أجل ذلك كتبنا على بنى إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا .. الاية) قال مجاهد رحمه الله في الاثم وهذا يدل على عظم قتل النفس بغير حق.
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا اله الا الله وأنى رسول الله الا باحدى ثلاث النفس بالنفس والثيب الزانى والمارق من الدين التارك للجماعة) متفق عليه وهذا لفظ البخارى.
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا اله الا الله وأن محمدا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فاذا فعلوا ذلك عصموا منى دماءهم وأموالهم الا بحق الاسلام وحسابهم على الله) متفق عليه من حديث ابن عمر رضي الله عنهما. وفي سنن النسائي عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل رجل مسلم). ونظر ابن عمر رضي الله عنهما يوما الى البيت أو الى الكعبة فقـال (ما أعظمـك وأعظـم حـرمتــك والمؤمن أعظم حرمة عند الله منك).
كل هذه الادلة وغيرها كثير تدل على عظم حرمة دم المرء المسلم وتحريم قتله لأي سبب من الاسباب الا ما دلت عليه النصوص الشرعية فلا يحل لاحد أن يعتدي على مسلم بغير حق يقول أسامة بن زيد رضي الله عنهما .. (بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الى الحرقة فصبحنا القوم فهزمناهم ولحقت أنا ورجل من الانصار رجلا منهم فلما غشيناه قال لا اله الا الله فكف الانصاري فطعنته برمحي حتى قتلته فلما قدمنا بلغ النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا أسامة أقتلته بعدما قال لا اله الا الله قلت كان متعوذا فما زال يكررها حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم) متفق عليه وهذا لفظ البخاري.
وهذا يدل أعظم الدلالة على حرمة الدماء فهذا رجل مشرك وهم مجاهدون في ساحة القتال لما ظفروا به وتمكنوا منه نطق بالتوحيد فتأول أسامة رضي الله عنه قتله على أنه ما قالها الا ليكفوا عن قتله ولم يقبل النبي صلى الله عليه وسلم عذره وتأويله وهذا من أعظم ما يدل على حرمة دماء المسلمين وعظيم جرم من يتعرض لها.
وكما أن دماء المسلمين محرمة فان أموالهم محرمة محترمة بقول النبي صلى الله عليه وسلم (إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا) أخرجه مسلم وهذا الكلام قاله النبي صلى الله عليه وسلم في خطبة يوم عرفة وأخرج البخاري ومسلم نحوه في خطبة يوم النحر.
وبما سبق يتبين تحريم قتل النفس المعصومة بغير حق ومن الانفس المعصومة في الاسلام .. أنفس المعاهدين وأهل الذمة والمستأمنين، فعن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة وان ريحها توجد من مسيرة أربعين عاما) أخرجه البخاري.
ومن أدخله ولي الامر المسلم بعقد أمان وعهد فان نفسه وماله معصوم لا يجوز التعرض له ومن قتله فانه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (لم يرح رائحة الجنة) وهذا وعيد شديد لمن تعرض للمعاهدين ومعلوم أن أهل الاسلام ذمتهم واحدة يقول النبي صلى الله عليه وسلم (المؤمنون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم).
ولما أجارت أم هانئ رضي الله عنها رجلا مشركا عام الفتح وأراد علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن يقتله ذهبت للنبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقال صلى الله عليه وسلم (قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ) أخرجه البخاري ومسلم.
والمقصود أن من دخل بعقد أمان أو بعهد من ولي الامر لمصلحة رآها فلا يجوز التعرض له ولا الاعتداء لا على نفسه ولا ماله.
إذا تبين هذا فان ما وقع في مدينة الرياض من حوادث التفجير أمر محرم لا يقره دين الاسلام وتحريمه جاء من وجوه ..
1 / أن هذا العمل اعتداء على حرمة بلاد المسلمين وترويع للآمنين فيها.
2 / أن فيه قتلا للانفس المعصومة في شريعة الاسلام.
3 / أن هذا من الافساد في الارض.
4 / أن فيه اتلافا للاموال المعصومة.
وإن مجلس هيئة كبار العلماء اذ يبين حكم هذا الامر ليحذر المسلمين من الوقوع في المحرمات المهلكات ويحذرهم من مكائد الشيطان فانه لا يزال بالعبد حتى يوقعه في المهالك اما بالغلو بالدين واما بالجفاء عنه ومحاربته والعياذ بالله. والشيطان لا يبالي بأيهما ظفر من العبد لان كلا طريقي الغلو والجفاء من سبل الشيطان التي توقع صاحبها في غضب الرحمن وعذابه.
وما قام به من نفذوا هذه العمليات من قتل أنفسهم بتفجيرها فهو داخل في عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم (من قتل نفسه بشيء في الدنيا عذب به يوم القيامة) اخرجه أبو عوانه في مستخرجه من حديث ثابت بن الضحاك رضي الله عنه.
وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم (من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا ومن شرب سما فقتل نفسه فهو يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا ومن تردى من جبل فقتل نفسه فهو يتردى في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا) وهو في البخاري بنحوه.
ثم ليعلم الجميع أن الامة الاسلامية اليوم تعاني تسلط الاعداء عليها من كل جانب وهم يفرحون بالذرائع التي تبرر لهم التسلط على أهل الاسلام واذلالهم واستغلال خيراتهم فمن أعانهم في مقصدهم وفتح على المسلمين وبلاد الاسلام ثغرا لهم فقد أعان على انتقاص المسلمين والتسلط على بلادهم وهذا من أعظم الجرم.
كما أنه يجب العناية بالعلم الشرعي المؤصل من الكتاب والسنة وفق فهم سلف الامة وذلك في المدارس والجامعات وفي المساجد ووسائل الاعلام كما أنه تجب العناية بالامر بالمعروف والنهي عن المنكر والتواصي على الحق فان الحاجة بل الضرورة داعية اليه الان أكثر من أى وقت مضى وعلى شباب المسلمين احسان الظن بعلمائهم والتلقى عنهم وليعلموا أن مما يسعى اليه اعداء الدين الوقيعة بين شباب الامة وعلمائها وبينهم وبين حكامهم حتى تضعف شوكتهم وتسهل السيطرة عليهم فالواجب التنبه لهذا.
وقى الله الجميع كيد الاعداء وعلى المسلمين تقوى الله في السر والعلن والتوبة الصادقة الناصحة من جميع الذنوب فإنه ما نزل بلاء الا بذنب ولا رفع الا بتوبة نسأل الله أن يصلح حال المسلمين ويجنب بلاد المسلمين كل سوء ومكروه وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
هيئة كبار العلماء: رئيس المجلس عبدالعزيز بن عبدالله بن محمد آل الشيخ، صالح بن محمد اللحيدان، عبدالله بن سليمان المنيع، عبدالله بن عبدالرحمن الغديان، د. صالح بن فوزان الفوزان، حسن بن جعفر العتمي، محمد بن عبدالله السبيل، د. عبدالله بن محمد بن ابراهيم آل الشيخ، محمد بن سليمان البدر، د. عبدالله بن عبدالمحسن التركي، محمد بن زيد آل سليمان، د. بكر بن عبدالله ابو زيد (لم يحضر لمرضه)، د. عبدالوهاب بن ابراهيم ابو سليمان (لم يحضر)، د. صالح بن عبدالله بن حميد، د. أحمد بن علي سير المباركي، د. عبدالله بن علي الركبان، د. عبداللـه بن محمد المطلق.