ترفض سويسرا تحريرا جذريا للقطاع الفلاحي لأنها أصبحت تخشى على وجود مزارعيها أنفسهم. في المقابل، يُصر خبراء البنك العالمي ومنظمة التجارة العالمية على أن الحواجز الجمركية والدعم الحكومي المقدم للمزارعين تُعيق جهود مكافحة الفقر في العالم الثالث يتمثل الهدف الأساسي لمنظمة التجارة العالمية في تطوير الإقتصاد العالمي من خلال إزالة العوائق والعقبات التي تقف في وجه المبادلات التجارية بمختلف أنواعها..
في هذا الإطار، تمثل الزراعة احد الملفات الأكثر إثارة للجدل في هذه المرحلة بعد أن طالبت بعض البلدان بإلغاء الرسوم الجمركية الحمائية والدعم الحكومي المقدم للمزارعين.
وطبقا لتصريحات صدرت عن نيك شتيرن نائب رئيس البنك العالمي وكبير الخبراء الإقتصاديين ، فان الحواجز الضريبية وأشكال الدعم التي تفرضها الدول الغنية لفائدة مُزارعيها ومنتجاتها الفلاحية تمثل العقبة الرئيسية في وجه مكافحة الفقر في بلدان العالم الثالث.
وتمثل سويسرا احد البلدان التي تنتهج سياسة حمائية في المجال الزراعي. إذ تقف الحكومة بقوة إلى جانب المزارعين وتتخذ موقفا واضحا من المطالب الأخيرة الصادرة عن منظمة التجارة العالمية يؤكد على أنها "غير محتملة" بالنسبة لسويسرا.إذ تُطالب المنظمة بتقليص الرسوم الجمركية المفروضة على الواردات الزراعية وحجم الدعم المقدّم للمزارعين خلال السنوات الخمس القادمة.
وهو تخفيض يمكن أن يصل إلى حوالي 60%! كما تدعو إلى إلغاء المساعدات المخصصة لدعم التصدير في ظرف عشرة أعوام بالتزامن مع الترفيع في حصص الواردات الزراعية من بلدان الجنوب.
في المقابل، لم تعمل المنظمة على تثبيت أو حتى مجرد الإشارة إلى ما يُعرف بمفهوم "تعدد الوظائف" للميدان الزراعي، وهو مبدأ تتمسك به الحكومة السويسرية بشكل خاص، بل يعتبر الاتحاد السويسري للمزارعين أنه يلعب دورا مركزيا بالنسبة للفلاحة الوطنية.
فمن وجهة نظر الاتحاد، لا يجب أن تُـدفع الأموال إلى المزارعين مقابل إنتاجهم الأغذية واللحوم والألبان فحسب بل لقيامهم أيضا بوظائف أو مهام ذات منفعة عامة من قبيل حماية المناظر الطبيعية أو الحفاظ على المناطق الريفية.
ولا تنفرد سويسرا بالدفاع عن هذا التوجه، إذ يدعم الاتحاد الأوروبي والنرويج واليابان والعديد من البلدان الأخرى (يصل عددها الإجمالي إلى 75 دولة) مفهوم تعدد الوظائف في المجال الزراعي.
من جانبهم، يرى المزارعون السويسريون خطرا إضافيا يتهددهم من مطالب منظمة التجارة العالمية الجديدة , إذ يعتبر الاتحاد السويسري للمزارعين أن التحرير المُرتقب للقطاع الفلاحي سيعني عمليا نهاية الحماية الجمركية التي يتمتعون بها حاليا وهو ما سينتج عنه تخفيض أسعار
المنتجات الزراعية السويسرية لتصل إلى مستوى الأسعار المعمول بها في السوق الدولية.
لكن الحكومة السويسرية، التي لا تُـبدي من جانبها معارضة مطلقة لإطلاق مسار تحريري في القطاع الزراعي، ترغب في أن يُنجز هذا التحول بوتيرة أقل سرعة وأدنى أهمية مما تدعو اليه منظمة التجارة العالمية.
وفي انتظار المؤتمر الوزاري الضخم الذي سينعقد في مدينة كانكون بالمكسيك الخريف المقبل، ستنتظم جولتان من المفاوضات في شهري يونيو ويوليو القادمين.