عزيزي رئيس التحرير
ما حدث في الرياض مساء الاثنين 1424/3/11هـ من عمل اجرامي ومنكر عظيم راح ضحيته اناس أبرياء وازهقت فيه أرواح وروع فيه الآمنون ودمرت المنازل وهلك الحرث والنسل, يجعلنا نتوقف ونتساءل عن هذا العبث المتكرر والأفعال الاجرامية التي باتت تشكل ظاهرة تحتاج الى بحثها ودراسة وتقصي أسبابها ولعلنا نطرح بعض الأسئلة ونحاول الاجابة عنها ونقول:
بالتأكيد ان انحراف السلوك لدى الانسان او الفكر ما هو إلا نتاج خلل وقصور في أسلوب التربية, وعادة الانحراف ينتج اذا اختل نظام الأسرة وحدث انفصال او وفاة لأحد الوالدين, او كان هناك جو أسري مكهرب وغير صحي ومثالي, حيث يكثر الشقاق والنزاع بين أفراد الأسرة, وينعدم الحوار كما تكون الرقابة والمتابعة من الوالدين للأبناء شبه معدومة, اضافة الى تأثير العوامل الخارجية على الأبناء والأسرة من البيئة والمجتمع المحيط ووسائل الإعلام إلخ.
دور العلماء وأئمة المساجد:
بلا شك هناك قصور كبير من جانب العلماء وأئمة المساجد والدعاة والخطباء تجاه الشباب واحتوائهم, ونحن بحمد الله تعالى نشهد منذ عقد من الزمان, صحوة إسلامية مباركة, لكن تنقصها القيادة الواعية الحاضنة والموجهة لها, ونحن نطالب المجتمع ومؤسساته المختلفة باعطاء العلماء والأئمة دورهم الحقيقي في المجتمع, ونناشد الأئمة والعلماء ممارسة دورهم في تنوير الأمة وجمع الكلمة ووحدة الصف ووضوح الهدف, والنزول الى الميدان واحتواء الشباب وفئات المجتمع, والعمل على تغيير لغة الخطاب الديني, سواء المتشدد والمنغلق, او المزهد عن الحياة, وجعل الخطاب الديني مرن وصالح لكل زمان ومكان, كما ان الدين الإسلامي مرنا وصالحا لكل زمان ومكان, الى ان يرث الله تعالى الأرض ومن عليها, والحاجة ملحة الى اعادة النظر في صياغة مواضيع خطب أيام الجمعة والأعياد والمناسبات الدينية, بما يجعلها أكثر تركيزا على متطلبات وحاجات المجتمع وأفراده.
مسؤولية المجتمع
أما المجتمع فمسؤول بكافة شرائحه وطوائفه ومؤسساته عن التصدي لظاهرة الانحراف والتطرف البغيض, وعليه ان يتعاون ويتكاتف مع الأجهزة المختلفة, للقضاء على هذه الظاهرة, سواء الأجهزة الأمنية او الحكومية, او منشآت القطاع الخاص, من خلال البحث والدراسة وتوفير فرص العمل والقضاء على البطالة والفراغ, وتنفيذ أحكام الله وشرعه المطهر فيمن خالف التعاليم والقيم الروحية والدينية وأخذ يعمل على العبث بالأمن وترويع وازهاق أرواح الآمنين.
دور وسائل الإعلام
الشيء المؤكد ان وسائل الإعلام تلعب دورا بارزا ومحوريا وهاما في هذا اعصبر الحديث, ولها تأثير بالغ الخطورة, على الفرد والأسرة والمجتمع, سواء كان ذلك التأثير ايجابيا ام سلبيا, والمطلوب من وسائل الإعلام ان تقوم بدورها تجاه توعية المجتمع وتنويره, وتبيان محاسن الدين الإسلامي وسماحته, والتقليل من الأمور التي تثير العواطف وتلهب الغرائز, والدخول أكثر في عمق مشاكل المجتمع وهمومه, والكف عن عرض صور المنحرفين او تمجيدهم او نقل اخبارهم, والواجب تجاهلهم وتبيان مخاطر أفكارهم وآرائهم, بأسلوب محبب للنفوس وغير مبالغ فيه.. ويقتصر إظهارهم عند الحاجة الأمنية الملحة فقط.
وبالتأكيد فإن المأمول من المواطن الصالح, ان يكون عضوا فاعلا ومؤثرا وصالحا, في مجتمعه, وان يكون عامل بناء ودفاع عن وحدة وطنه وسلامة أراضيه ومجتمعه, وعامل حفاظ على دينه وأمنه ووحدة الصف والكلمة.
كيف نمنع التطرف؟
لكي نجفف منابع الأفكار المنحرفة والمتطرفة والمستوردة علينا القيام بوضع ورسم خطط واستراتيجيات منها على سبيل المثال: رسم ووضع خطط خمسية لمناهج التربية والتعليم, والعمل على غربلتها, والاهتمام بالكيف وليس الكم في المناهج, وجعلها مرنة ومتطورة ومتفاعلة, وتكون مدخلات المناهج تتوافق مع مخرجاتها ومتطلبات سوق العمل, وتعمل على تأسيس أجيال نافعة وصالحة وواعية ومدركة للأمور. تفعيل دور وسائل الإعلام المحلية, وخاصة المرئية منها, واعادة النظر في السياسة الإعلامية المرئية, وجعلها أكثر مواكبة للعصر, وأكثر مرونة وانفتاحا على المجتمع, وأكثر مواكبة للحدث, والعمل على ايجاد برامج شيقة ومفيدة وبناءة, تثقف وتربى وتؤسس لأجيال خلاقة ومبدعة. العمل على توفير فرص العمل سواء في القطاع الحكومي او الخاص, ورسم سياسة وخطط تؤمن العمل الكريم والنزيه والكافي لحاجة الإنسان, دون ابطاء او تأخير او تأجيل او تسويف. العمل على شرح تعاليم الدين السمحة, وتبيان ان الدين هو المعاملة, وتكريس المفاهيم السليمة, وتفعيل دور المساجد والمناشط والفعاليات الدينية, بما يصحح المفاهيم ويغرس وينمي القيم الروحية السمحة والخلاقة في المجتمع وأفراده. رفع الوعي والفهم والإدراك, وتمييز الأمور الحسنة من الباطلة بين أفراد المجتمع وشرائحه وطبقاته. قيام الأسرة بواجبها الديني والاجتماعي والأخلاقي, تجاه افرادها وابنائها, وتفعيل وسائل الرقابة على الابناء, والحد من السفر للخارج من غير ضرورة ملحة. اعداد حملات وطنية مستمرة, وايجاد لغة الحوار داخل المجتمع وتأصيله وتكريسه وبين مؤسساته المختلفة وبين المسؤولين والمواطنين, وتشجيع المنتديات والأندية الأدبية والفكرية والاجتماعية والرياضية بايجاد لغة الحوار والتعبير عن الرأي المنضبط والملتزم وقبول الرأي الآخر.
ترهيب الآمنين
لا شك ان الدين الإسلامي وجميع الشرائع السماوية والعقل والمنطق السليم, لا تقر ترهيب الآمنين وترويعهم, ولا العبث والاعتداء على الدين والنفس والعقل والعرض والمال, ولا شك في ان ازهاق الأرواح وهلك الحرث والنسل, هو ضرب من ضروب الفساد في الأرض, بل ان عظمة الدين الإسلامي تتجلى أثناء الحروب والمعارك والغزوات, فهو يحرم وينهى عن قتل الشيوخ والنساء والأطفال, وينهى عن قطع الأشجار واتلاف الحرث والهدم والعبث والفساد في الأرض, فما بالك أثناء السلم.
نسأل الله العلي القدير ان يهدي ضال المسلمين وان يردنا اليه ردا جميلا ويحفظ علينا ديننا وأمننا ومجتمعنا ووطننا ووحدتنا من كل سوء ومكروه.
وبالله التوفيق ناصر بن عبدالله آل فرحان الرياض