لاتقاس تجارب الامة بالسنوات ولكن بالقرون وعندما اقول امة لا اعني بذلك جيلا وانما اجيال تعاقبت في المسيرة والتعاقب شرط اساسي، فمسيرة الامة تتفرع منها الشعوب وعندما تتفرع المسيرة لتتابع اجيال الشعوب مسيرة تلك الامة وكل شعب خطواته في التتبع وتكون تلك الخطوات مجموعة من التجارب. فمسيرة الامم الاسلامية تفرعت الى شعوبها في اقطار تباعدت المسافات بينها ام قربت فلكل منها نهج يخطه في الالتحام بمسيرة امته ولكل منها تجارب تعطيه لونا مميزا في طريقة الالتحام فتكون الاتجاهات متصارعة داخل الانسان ويحتار في ترجيح احداها ويستمر هذا الصراع متشعبا كل بحججه وبراهينه حتى يوشك ان يطغى باقتناعاته الى كسب الجولة وسرعان ماتطفو شظية ليست ببال وتضفي على الموضوع جدية معاكسة تفقدها كل براهينها وهكذا يبدأ الصراع من جديد ليبحث عن براهين جديدة. وتتأجج هذه التجارب بمشاعل العطاء كلما زادت وتتزاحم النتائج كلما تعددت اشكالها وانواعها والثبات لاي منها يتطلب ارضية خصبة من الفهم والادراك علما ودراية وخبرة واطلاعا كل في محاولته يسلك الجديد ليشبعه بحثا وتقصيا ويلفظ بتجارب علمية تموت او تحيا بقدر مالها من مقومات البقاء والثبات. من هنا نشأت الفوارق بين المجتمعات كل اخذ موقعه حسب حصيلته من التجارب العلمية التي ترجمها الى واقع عملي استحق بموجبها ان يقف في مكانه الذي تبوأه ويستمر الصراع بين الامم كل في محاولة التقدم على من سبقوه ليبهرهم بتفوقه وهذا لايتأتى الا بالعلم والتحصيل المخطط والمبنى على أسس وركائز ثابتة من حضارة الامة وعاداتها وتقاليدها والمسايرة لمتطلبات تلك الحقبة الزمنية ليستطيع النهوض والسير قدما بخطوات مدروسة تضيق وتتسع حسب مكنوزاتها من التراث وترسباتها من المعتقدات. وكان نصيب الامة العربية التقليد حيث اوصلنا الى مرتبة المستهلكين غير المنتجين لاننا حرصنا على الكم ولم نأبه بالكيف في تعليمنا ولاننا تحاورنا حوارات هامشية واغفلنا صلب القضية فظهر لنا جيل المسخ وهذا ما تطرق له الكثير من الادباء والمفكرين ورجال العلم المخلصين في توصيات بيان الرباط سنة 1976 وكذلك التقرير الخاص باستراتيجية تطوير التربية العربية وايضا ورقة العمل الرئيسية المقدمة للمؤتمر الرابع لوزراء التربيةوالوزراء والمسئولين عن التخطيط الاقتصادي في البلدان العربية سنة 1977. كل ذلك يدركه رجال العلم والاقتصاد والسياسة ويعون اننا في حاجة ماسة الى صحوة تنهي سباتنا الطويل الذي نتج عنه استنزافنا اقتصاديا واصبحنا لانملك الا الامتثال لرغبات المصدرين. سوهنا اسمحوا لي بالرجوع بكم قليلا الى ماذكره الدكتور غازي القصيبي عندما كتب عن معضلة الانتماء في القرية الالكترونية الواحدة حيث قال (السبب الاول في وجود الغزو الثقافي هو حالة التخلف بجميع انواعه واشكاله ووجوهه التخلف هو الذي يجعل حضارة ما مبهورة بحضارة اخرى حريصة على تقليدها والاقتداء بها والتخلف هو الذي يجعل شعبا ماينفر من تاريخه وتقاليده وحضارته هياما بتاريخ اخر وتقاليد اخرى وحضارة اخرى). فالتعليم مشروع جديد نبنيه بناء ولا نكتشفه اكتشافا والتراث الاسلامي يجب ان نعيه وعيا جديدا ولا نجتزئه والواقع العربي نحتاج تحليلا علميا والواقع العالمي يجب ان نفسح المجال لنقده وتمحيص تغييراته السريعة والمستقبل العربي يجب تفهم مستلزماته لان المنطقة لا تحتمل هجرتين هجرة الرخاء النفطي وهجرة العلم والتعليم.