في أوقات الفراغ اعتاد الكاتب بوريس باسترناك قد التحديق في الوادي في منظر خلفيته من الاشجار وقباب الكنائس الذهبية.. وقد يكون هذا العام آخر فرصة لزوار بيته الريفي للاستمتاع بهذه الصورة الطبيعية.
تواجه المروج الخضراء التي كان يتمشى فيها مؤلف رواية الدكتور زيفاجو في سنوات وحدته واضطهاده من السلطات السوفيتية خطر الاختفاء سريعا امام بيوت ريفية داشا فخمة ترمز الى مكانة أغنياء روسيا الجدد.
قالت ناتاليا باسترناك زوجة ابن الكاتب الذي أجبرته الحكومة السوفيتية على رفض جائزة نوبل في الأدب لعام 1958 ماذا أري الزائرين.. الأسطح.. لم نعد نرى الكنيسة التي دفن فيها ومنذ سقوط الحكم السوفيتي في 1991 ضخ رجال الأعمال في موسكو الملايين لبناء بيوت ريفية فخمة. وتحف الطرق المكدسة بحركة المرور مساء الجمعة حيث يهرب الموسكوفيون من المدينة لافتات ضخمة تعدهم بالراحة والاستجمام في قرى تحمل أسماء مثل مرتع الصقور أو أخرى مستوردة مثل شيروود وهي الغابة البريطانية التي كان يسكنها روبن هود وعصابته.
ولكن بيئيين يخشون ان طفرة البناء تشكل عبئا ثقيلا على الطبيعة ليس فقط بتعريض الحياة البرية للخطر ولكن أيضا الهواء والماء شريان حياة سكان موسكو.
قالت جوسلانا كارتيوشوفا من منظمة حماية البيئة السلام الأخضر كان العقد ونصف العقد الماضيين كارثة للأراضي البكر في روسيا وأضافت انه في السنوات العشر الأخيرة بيعت مساحات تبلغ 10 آلاف هكتار (24700 فدان) من الغابات المحمية المحيطة بموسكو التي كانت تعتبر رئة تقي من هواء العاصمة الخانق.
وتابعت أغلب هذه الأراضي في اقرب المناطق من المدينة وفي بعضها أزيل نحو نصف الغابة ويتقاضى سماسرة الأراضي أسعارا فلكية للقطع القريبة من موسكو. قالت كارتيوشوفا في السنوات القليلة الماضية بيعت أغلب الغابة للصفوة.. أسعارها باهظة جدا لا يتحملها سوى الاغنياء جدا والبيوت الريفية احدى طرق الحياة للروس ولكن على مستوى متواضع للاغلبية. وأثناء العهد السوفيتي كانت حكرا على زعماء الحكومة والفنانين والكتاب الذين منحوا بيوتا في قرى مثل برديلينكو.
وكانت هذه البيوت مهربا للمواطنين السوفيت العاديين من المجمعات السكنية المشتركة الخانقة وكانت حدائقها حيث تزرع الخضر والفاكهة متنفسا من معروضات مقررة عليهم في متاجر الدولة. وكانت الداشا الصغيرة والمبنية من الخشب مما يجعلها غير صالحة للإقامة في الشتاء الممتلكات الشخصية الوحيدة المسموح بها في الأيديولوجية السوفيتية. وينحو الأغنياء الجدد ورجال الأعمال الآن الى آخر مدى من الفخامة في بناء بيوتهم الريفية في أشكال غريبة مثل اليخوت والقلاع وأنفقوا الملايين على بناء بيوت ريفية كبيرة وضعوا تصميماتها بأنفسهم وانهارت.
والماء أيضا يواجه خطرا. بينما كان المقاولون متحمسون لبناء هذه البيوت فانهم أهملوا أمورا مهمة مثل إقامة أنظمة مجاري. قالت كارتيشوفا يصل العدد الى 100 بيت في كل قرية ويتكلف الواحد نحو مليون دولار. ولكنهم لا ينفقون درهما واحدا على التخلص من مخلفاتهم وينتهي بها الأمر في مياه المدينة ورغم ان حكومة إقليم موسكو تنفي ان المشكلة خطرة فان الشركة التي تزود موسكو بالماء والمملوكة للدولة تقول ان طفرة التشييد تضر بمصادر المياه. قالت يفجينيا بوجومولوفا المتحدثة باسم الشركة انه في السنوات الثلاث الأخيرة أزيل نحو 250 هكتارا (618 فدانا) من الغابات التي على قدر كبير من الأهمية بالنسبة لنقاء الماء وأقيمت عليها مبان.