أصيب العديد من الاعلاميين العرب بخيبة أمل كبيرة بعد مشاهدة المقابلة التليفزيونية التي اجرتها كل من قناتي ابو ظبي والعربية مع وزير الاعلام السابق في نظام صدام حسين البائد السيد/ محمد سعيد الصحاف.
مرد خيبة الامل هذه يرجع في المقام الاول الى ان العقلية العربية السائدة ومن ضمنها معظم العقليات الاعلامية لاتزال تعيش تحت وطأة الخرافة والاساطير. يضاف الى ذلك جهود معظم العاملين في وسائل الاعلام الموجه، هذا الاعلام الذي وجد نفسه محاصرا بثورة المعلومات فأسرف في اسلوب التعمية والتضليل بدلا من الكذب الصريح مع الاحتفاظ بفجاجة الاسلوب.
(مسكين الصحاف.. هو الآخر أحد ضحايا النظام) يقول احدهم، اما الآخر فيقرر (لابد ان هناك اسرارا خطيرة أكيد هناك خيانات والمطلوب ؟ الانتظار حتى تقف عربة الزمن في المكان الصحيح) ليتحفنا الصحاف بعرض (موضوعي) لما حدث عن دور الاشخاص والوقائع. وبالرغم من محاولة وزير الاعلام انتهاج اسلوب تكتم هو اقرب الى الكاريكاتير الا انه يختصر ما سيقوله في المستقبل بالتأكيد على هويته ومعدنه وبؤس تفكيره فهو (ليس نادما على شيء وهو حزين لما حدث) وسيهتم من الآن فصاعدا بعائلته واحفاده، وامام سيل الاسئلة الغبية او الموجهة من طراز (بصفتك جزءا من النظام هل تعتبر نفسك مسئولا عما حدث؟ يمتنع العضو القيادي البارز في حزب البعث ووزير الاعلام ووزير الخارجية السابق عن الاجابة!)
غوبلز - وزير الاعلام النازي انتحر لكن نسخته المتخلفة والتي تعيش اجواء الخرافة والاسطورة ليس فقط لا تعترف بالجرم بل وتتلبس وبشكل يدعو للرثاء بلباس العظمة بالرغم من شكلها الديناصوري.
الصحاف شاهد على عمليات القتل والتعذيب والبطش على حساب ملايين العراقيين ولا احد ينتظر من مسخ كهذا تحمل غثاء مشهد هزلي للندم. ما كان يجدر بالصحاف فعله وقد افلت - مؤقتا - من العقاب هو الانزواء والاهتمام بأحفاده لحين انعقاد محكمة (العدل والرأفة العراقية) على غرار ما حدث في جنوب افريقيا بعد سقوط نظام العزل العنصري البغيض. وحده الصحفي اللبناني اللامع غسان تويني كان منصفا للعراقيين وصارما في ادانته للنظام البائد والذي يمثل الصحاف ركنا من أركانه وموضوعيا في كشف بؤس دعوة الصحاف لانتظار (الحقائق). جرائم النظام الديكتاتوري واضحة وشواهدها في المقابر الجماعية والقصور الفارهة المقامة على السرقة الصريحة لثروات العراق، واستهانة الصحاف بالحقائق القائمة على الارض مكشوفة والمشكلة ليست بالصحاف بل بالصحف ووسائل الاعلام الاخرى التي لا تزال تصر على التعمية وتعد بمفاجآت قد تغير مجرى الاحداث وصولا الى الايحاء بعودة عجلة التاريخ الى الوراء وهو حلم ربما خالج خيال بعض الاوساط التي تصرح اليوم علنا بأن النظام الفاسد احسن من الفوضى والمعنى في قلب الشاعر.