حتى الدواء الشافي إذا ما استعمل في غير غرضه أضر بمتعاطيه، الأدوية المسكنة قد تكون لمتعاط آخر نوعا من المخدرات، وسياسات التنمية كالدواء قد يجري عليها ذلك المفهوم، فالمفيد منها اذا أسئ تنفيذه ينقلب الى ضده، السعودة تعتبر أحدى السياسات المهمة التي تعمل الدولة الكثير من أجلها. الحق يقال وبالرغم من التحدي الكبير فإننا حققنا نقلة ذات اثر كبير في هذا المجال. مسارنا الاقتصادي الحالي يتطلب التعامل مع السعودة على أنها مرحلية، كل مرحلة لها دور ووسيلة وهدف. السعودة التي بدأ أجيجها في التسعينات كانت تعنى الاحلال، أي أن السعودي يجب أن يحل محل المستقدم في تلك الوظائف ذات الطابع غير المهني، سعودة هذه الوظائف بالإحلال أمر نفعه أكثر من ضرره، لأنها وظائف لا تتطلب خبرة متراكمة ولا مهارة محددة ويمكن لصاحب العمل تأهيل المواطنة لها على رأس العمل درج هذا النهج من السعودة الإحلالية على شرائح عديدة كالتعقيب والأعمال الادارية والحراسة وحتى قطاع سيارات الأجرة والنقل الثقيل والعمالة الحرفية مثل صيد الأسماك وأسواق الخضار.. الخ.
وهذه القطاعات مع ترددها يجب علينا أن نتأكد من سعودتها وألا نتوانى في تصعيد هذا الاتجاه حيث ان مصلحة الوطن فوق الجميع. انه من غير المستحب التمادي في تطبيق السعودة الإحلالية على الواقع الحالي لأن مرحلة السعودة المطلوبة حاليا تختلف عن التسعينات. التحدي الذي نواجهه اليوم لا يتقبل سعودة الإحلال وانما يحتاج الى التأهيل أي سعودة التأهيل، بمعنى أن نؤهل المواطن قبل شغله الوظيفة، هذا أمر تفرضه طبيعة القطاعات ذات التخصص مثل الصناعة بمختلف شرائحها وتجارة الالكترونيات والكمبيوتر والمقاولات وصيانة السيارات وقطع غيارها ومكاتب المحاسبة... الخ، شرائح تتطلب المهارات والكفاءات والخبرة، وطبيعتها لا تتقبل فرض الاحلال أو النسب المطلقة وانما توجيه القطاع الخاص وإيجاد برامج لتأهيل وتدريب المواطنين استعدادا لتعيينهم.
السعودة عن طريق التأهيل عملية هيكلية تتطلب تحليلا ودراسة وتقييما ومتابعة للتوصل الى الأسلوب الأفضل لدفع القطاع الخاص لتأهيل المواطنين لاستيعابهم. فرض السعودة الاحلالية في هذه القطاعات المتخصصة عامل طارد للاستثمار والنموالاقتصادي لأنه لا يراعى طبيعة هذه القطاعات ومتطلباتها، فكل شريحة من هذه القطاعات لها متطلبات خاصة بها وبطبيعتها، وعندما تفرض سياسة تتعارض وطبيعة هذه الشرائح ينتج عن ذلك أضرار تؤدي الى تباطؤ وجمود هذه القطاعات. لا ننسى أن هذه القطاعات وجدت نتيجة استثمار ومجازفات المستثمرين أفرادا كانوا أو جماعات، اذا حرموا من العائد ودخلوا معمعة بروقراطية الاستقدام ولجان العمل والعمال فسيشعرون بأنه لا جدوى من الاستمرار في عملهم. هل كل المصانع يجب أن نفرض عليها نسبا متساوية في السعودة؟ أليس هناك مصانع لظروف تكنلوجية وفنية تحتاج الى مرونة في الاستقدام أكثر من غيرها؟.. أليس من المقبول أن نشجع اجتذاب المهارات والخبرات المستقدمة لإغناء واثراء قطاعنا بهذه الخبرات؟.
اذا أردنا من القطاع الخاص أن يسعود ويؤهل، فعلينا أن نوفر له المرونة للاستغناء عن العامل السعودي عندما يريد صاحب العمل ومتى ما يريد وحسب العقد بين صاحب العمل والعامل وتذليل التعقيدات التي يفرضها نظام العمل والعمال بمعنى أن تكون سهولة الفصل كسهولة التعيين، وهذا سيتيح لصاحب العمل فرصة الاختيار بين مواطن وآخر بدون أن يتحمل الأعباء المنظورة وغير المنظورة المترتبة على عملية الفصل ويجب ألا ننكر ان كثيرا من شرائح المواطنين السعوديين الباحثين عن وظيفة ينقصهم الانضباط واحترام الوظيفة والانصياع لواجبات العمل. السعودة مع أهميتها سلاح ذو حدين اذا لم نحسن توجيه مسارها فقد يؤثر سلبيا على شرائح اقتصادنا مما يؤدي الى تراجعه وحتى الى تقلصه والدخول في نفق اقتصادي مجهول يؤدي في آخر الأمر الى انحسار في الوظائف ومن ثم عجز في ايجاد وظائف لمواطنينا.