الفعاليات المالية بشكلها النقدي او التمويلي وعلى المستوى المصرفي والشخصي في يومنا هذا تتصف بالغرابة وتثير العجب. اليوم نشاهد البنوك وصناديق الاستثمار لاتستقبل الودائع وان استقبلتها فبنسبة عائد قليلة ضئيلة لاتستحق الاهتمام. هذا يعني ان فرص الاستثمار شحيحة. الشركات والافراد وعلى جميع المستويات وايا كان الفائض لديهم يعانون مشكلة كبيرة في عدم توفر مجالات وقنوات وآليات للاستثمار، اللهم الا في قطاع العقار ارضا او بناء او قطاع الاسهم التي وصل مستوى المضاربة فيها الى حد لم تعهده من قبل، ويبدو ان هاتين القناتين الاستثماريتين هما الوحيدتان الموجودتان في ساحة الاستثمار وليس ذلك لجدواهما بقدر ما هو عدم توفر قنوات اخرى. هذا مع العلم ان عوائد البناء ضئيلة خصوصا لو اخذنا في الاعتبار تكلفة الصيانة، مردود الاسهم محدود لايتناغم وطفرتها.
السيولة متوفرة وبشكل واضح الى درجة ان كثيرا من الاموال المهاجرة قد عادت حسب ما يقال... لا نذكر لهذه الحالة من توفر السيولة بديلا ولاشبيها خلال العقود الماضية، بل ان العوائد على الايداعات لم تصل الى هذه النسبة الضئيلة في العقود الماضية، العمولة البنكية انخفضت الى درجة متناهية ليس محليا فقط بل دوليا، أي اننا نعاني ما يعاني العالم من تباطؤ في الاستثمار، انه الركود.
اسباب هذه المشكلة عديدة فهي ليست محلية بقدر ما هي عالمية تفاعل في تكوينها عناصر سياسية واقتصادية وصراع غير واضح المعالم بين دائرة اليورو والدولار بالاضافة الى الصراعات الاقليمية وما يسمى موجة الارهاب. أي ان جزءا كبيرا من العالم يعاني عدم الاستقرار بشكل او آخر مما يعرقل الحرية الاقتصادية والاستثمار العالمي. لاننسى دور الولايات المتحدة الامريكية ارتبكت هذه الدولة فأرتبك العالم معها. الخوف وحكومة الخوف وسياسة الخوف بعد 11/9 صارت تتحكم في هذه الدولة حكومة وسياسة وعدوى ذلك الوضع عمت العالم وهذا ادى الى تمزق عالم السياحة والسفر الدولي وما يتبعه من نقل وتجارة واقتصاد. وعمت عولمة الخوف من الخوف. الا يمكننا في المملكة والخليج خصوصا والعالم العربي عموما اجتذاب هذه السيولة بتكلفة محدودة، بمعنى امتصاص هذه السيولة لتنفيذ مشاريع البنية الاساسية المتدنية في هذه المنطقة سواء في الاتصالات أو المواصلات أو شبكات المياه والصرف الصحي أو مشاريع البتروكيماويات... الخ. هذه فرصة ذهبية. ولكن ويا للحسرة ليس لدينا الآليات لاجتذاب هذه السيولة ولا حتى يوجد لدينا مشاريع مدروسة للتنفيذ.
هناك بنية اساسية مطلوبة خصوصا في المملكة مثل مشاريع السكة الحديد ومشاريع الغاز وتنفيذ مشاريع عملاقة في قطاع المصافي وايصال انابيب البترول الى مواقع التصدير. هذه المشاريع وغيرها من المشاريع الكبيرة التي تتطلب سيولة ضخمة قد يكون هذا وقت تمويلها المناسب، ان استقبال هذه الاموال مقابل تكلفة محدودة مكسب كبير اذا كان هناك مشاريع جاهزة للاستثمار. حتى انه قد يكون من الممكن استغلال هذه السيولة في مجال تقليص الدين العام او على الاقل المهم منه. كل ما علينا هو ايجاد صندوق لهذا الغرض للتعاون مع البنوك المحلية والخليجية.
هي فكرة خام تستحق الدراسة من الجهات المهتمة مثل ارامكو وسابك والاتصالات واخواننا في الخليج عموما.
*مستشار اقتصادي