سقط الشرق الأوسط الجديد الذي كان على وشك التكوين في منتصف التسعينات والذي بدا وقتها كمولود سابق لأوانه سقط بانهيار اتفاق أوسلو ، وانهيار التقدم في عملية السلام بين الفلسطينيين والاسرائيليين ولتأثير أحداث سبتمبر والمساندة الضخمة لأسامة بن لادن 0
وأصبح من الواضح جدا إنه لن يكون هناك شرق أوسط جديد بدون نوع جديد من السياسة
في الشرق الاوسط وإلا أصبح الامر كمن يبني منزلا فوق مستنقع وتكون النتيجة في النهاية هي انهيار هذا المنزل 0 إن ادراك ذلك هو مفتاح فهم ما يحدث اليوم 00 فعالم اليوم به تجربتان سياسيتان أساسيتان - في عالم ما بعد أحداث 11 سبتمبر - تماما كتجربتي إعادة بناء اليابان وألمانيا في عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية
التجربة الأولى في العالم الجديد هي " سلطة فلسطينية جديدة يقودها رئيس الوزراء محمود عباس أبو مازن الذي يحاول ان يحقق سلطة حقيقية للقانون والمسئول المالي والمتحكم في كل الشئون العسكرية للقيادة الفلسطينية 0 إن الفلسطينيين يحاولون اثبات انهم قادرون على حكم انفسهم بعد سنوات طويلة من الحكم السيء بقيادة عرفات..والسلطة الجديدة الأخرى هي السلطة المعينة من قبل الولايات المتحدة في العراق المكونة من 25 فردا لقيادة المجلس الحكومي والذي اجتمع لصياغة دستور عراقي جديد وتحديد اسماء الوزراء وإعداد العراق للانتخابات 00 وكذلك فان العراق يحاول ان يثبت انه قادر على حكم نفسه بعد سنوات طويلة من الوقوع تحت طغيان صدام حسين 0
وهاتان السلطتان الوليدتان في فلسطين والتي جاءت بعد تصويت المجلس التشريعي عليها وفي العراق حيث جاءت سلطة بأيد عراقية شاكرة للولايات المتحدة اسقاطها نظاما متسلطا فيجب ان تهتم أمريكا والعالم كله بهذا النجاح ، بعد كل ذلك فإن اهم شئ فعلته أمريكا أثناء الحرب الباردة هو إعادة بناء ألمانيا الغربية واليابان ..
فقد أسهم ذلك المشروع في تحسين صورتنا امام العالم وكان بمثابة إحراج وهزيمة نهائية للديكتاتورية والاتحاد السوفيتي ، وتماما كما بنيت ألمانيا على أساس من الديمقراطية والسوق الحر وقواعد القانون الراسخة ، وكذلك فإن اعادة بناء اليابان كان ـ كذلك ـ ضروريا لنمو وتحرير واستقرار آسيا في مرحلة ما بعد الحرب 0
لذلك فان هذا النوع الجديد للسياسة في فلسطين والعراق بوجودهما في قلب العالم العربي والاسلامي سيغير العالم العربي كله ويؤثر فيه 00 هذه هي الاجابة الوحيدة لحكم صدام حسين الديكتاتوري الدنيوي ولسلطة ابن لادن الديكتاتورية المتدثرة بالدين.
وحقيقة ان ادارة بوش اخطأت في اهدار كل الشهور الحرجة التي مضت في محاولة لاثبات إنها قادرة على بناء بلد عراقي بدون تكاليف أو حلفاء جادين ، وكان الرئيس بوش مصيبا في ان يشترط على القائد الفلسطيني الجديد انه لن تكون هناك دولة فلسطينية جديدة بدون ان يتحقق أمن حقيقي لاسرائيل ..ولكن يجب ان يكون واضحا لبوش ايضا بأنه لن تكون هناك سلطة فلسطينية قادرة على تحقيق الامن حتى يصدق الشعب الفلسطيني أن هناك دولة فلسطينية حقيقية وهو ما يعني ضرورة رحيل الاسرائيليين من مستوطنات الضفة الغربية وغزة ولما كان علينا ان نفعل الكثير 00 فهم ايضا عليهم ان يفعلوا الكثير 0
على الفلسطينيين ان يتخلصوا من الجماعات المسلحة مثل حماس والجهاد الاسلامي فأنت لا تستطيع ان تبني دولة جديدة مع وجود اناس تؤمن انه امر مقبول وجيد أن تلف ديناميت حول زهرة الشباب الفلسطيني وتتركه يفجر نفسه في مطاعم البيتزا الاسرائيلية 0
وعلى العراقيين ان يثبتوا انهم قادرون على العمل سويا ومستعدون للتضحية من اجل فرصة لحكم انفسهم " بل ولماذا عرضنا عليهم 55 مليون دولار مكافأة لمن يجد صدام وولديه ؟ بينما كان يجب ان يدفعوا هم لنا ".
اننا لا نحتاج الان لقوات الأمم المتحدة او لقوات فرنسية اننا نحتاج عراقيين مستعدين للتضحية ليصبحوا احرارا ، وعندما ترى العراقيين يغامرون بأرواحهم من اجل حماية حرية الحكم الذاتي وعندما ترى الفلسطينيين مستعدين لطرد المتطرفين من وسطهم لانهم بمثابة سرطان يهدد المستقبل ..وعندما ترى ادارة الرئيس بوش جاهزة لدفع أي ثمن وستتحمل أي أعباء اقتصادية أو سياسية لمساعدتهم فانه يكون لنا الحق ان نتحدث عن شرق اوسط جديد.