لم يكن الكشف خلال الأسبوع الماضي عن مقبرتين جماعيتين في كركوك شمال العراق والبصرة في جنوبه آخر الاكتشافات في مسلسل المقابر الجماعية في العراق التي ارتكبها النظام السابق. فمقبرة كركوك تم اكتشافها قبل أيام في حي الخضراء في المدينة وهي تضم عددا من رفات الضحايا ص اما مقبرة البصرة فتم العثور فيها على 126 جثة تم التعرف على 12 منها .
ومع ارتفاع عدد المقابر الجماعية تظهر اكبر مشكلة تواجهها المحاكم والقضاء العراقي بما تتركه من آثار على عائلات الضحايا. فمع فتح هذه المقابر وملفاتها ، انفتحت من جانب آخر مشاكل اجتماعية وقضائية جديدة في العراق قد يستغرق غلق ملفاتها عدة سنوات .
فتح المقابر الجماعية وكشفها في عدة مدن من العراق وتزايد قوائم الموتى من ضحايا النظام السابق ، على الرغم من تفاوت المعلومات عن هذه المقابر الجماعية وصور المبالغة المقصودة التي رافقت الإعلان عنها ، تزيد الأزمات والثارات وحقوق أفراد الضحايا. فعلى مساحة واسعة من العراق تتضاعف مع أعداد الضحايا أرقام الأرامل والأيتام لتترك نتائج ومؤشرات مؤلمة في مشهد الحياة الاجتماعية العراقية .
خبراء قانون عراقيون اكدوا هذه المخاطر الناجمة عن اكتشاف المقابر الجماعية حيث ستكون المحاكم العراقية والمؤسسات المدنية أمام مشكلة جديدة .فالقضاء العراقي سيكون مضطرا الى النظر بآلاف الدعاوى الخاصة بإلغاء عقود القران وتثبيت الوفيات وما يتعلق بقضايا الإرث وسيكون ثمة اثر كبير على دوائر الأحوال المدنية حيث ستظل مشغولة بتسجيل بيانات جديدة. فإلى زمن قريب كانت مثل هذه الدعاوى مؤجلة واغلب المحاميين يخشون متابعتها . المحامي سعد الفهداوي يقول .. ان الواقع الاجتماعي بسبب اكتشاف المقابر الجماعية سيفرض مظاهر انعكاس اجتماعية واضحة ومأساة أصابت العديد من الأسر فاصبح مصير الزوجات معلقا وكذلك آلاف الفتيات والأبناء مما يضاعف أعداد الأرامل والعوانس. ففي تعداد عام 1997 ظهرت نسبة الإناث الى الذكور 2-1 ضاعفها مغادرة آلاف الشباب الى المنافي بحثا عن العمل او الخلاص من القمع ويضاعفها اليوم عدد الذين يكتشفون في تلك المقابر .
ومن جهتها تقول المحامية سناء الجبوري .. ان دعاوى عديدة اطلعت عليها تتعلق بغياب أزواج بظروف غامضة مشيرة الى ان شهادات الوفاة كانت تمنح عبر واسطات ومبالغ تدفع لمسؤولين أمنيين لقاء منح البعض وثائق بالممتلكات بوصفها وريثة شرعية .
ومع تزايد عدد الضحايا التي كشفتها المقابر الجماعية اصطفت طوابير العوانس في محطات الانتظار على لائحة الفقر المدقع وتزايدت أعداد الأرامل لتجعل الأعداد العراقية تفقد حيويتها وترتدي حدادا ثقيلا ألغى مظاهر وجود الألوان الاخرى .
الأكاديمية وفاء باقر أستاذة الاجتماع في كلية الآداب بجامعة بغداد دعت المنظمات النسوية الدولية الى الالتفات الى معاناة المرأة العراقية وما تعرضت له من مظاهر مؤسفة جردتها من الحصول على أدنى حقوقها مشيرة الى المنظمات المحلية كانت بعيدة عن هموم المرأة ومشاغلها . ونبهت الى ان إدارة قسم الاجتماع كانت تمنع الباحثين والدارسين من متابعة أية ظاهرة اجتماعية تتطلب الدراسة والبحث وبالرغم من كل ذلك تقول وفاء باقر فقد درست ظاهرة ارتفاع عدد العوانس بين العراقيات الى انها كانت دراسة محدودة جدا .
الطبيبة ميادة ضياء كشفت عن الحالة الصحية التي رافقت العديد من النساء العراقيات فأشارت بقولها الى شيوع الشيب المبكر لدى الفتيات وارتفاع معدلات الإصابة بسرطان الثدي ونفت الطبيبة وجود إحصائيات دقيقة نظرا لتعليمات سابقة كانت تصدر وتؤكد عدم تسجيل الإصابات او التحدث عنها .
ما ان توفرت الفرصة لاكتشاف المقابر الجماعية تلاشت أماني النساء العراقيات وتبددت أحلام العوانس وازداد عدد الأرامل فالموت على ما يبدو اصبح يحمل صفة عراقية والمشاكل الاجتماعية والصحية والقانونية ليست قابلة للحل إزاء هذا المد الكبير من المآسي سواء من الذين قتلهم نظام صدام او من مات بقنابل الأمريكان خلال هذه الحرب.