لا توجد معاهدة يرد ذكرها في الاجتماعات الاوروبية رفيعة المستوى أكثر من معاهدة الاستقرار التي صيغت لضمان استقرار العملة الاوروبية الموحدة. وأكد رؤساء حكومات ووزراء مالية الدول الاوروبية مرارا ضرورة الالتزام الكامل بالمعاهدة من أجل حماية الاقتصاد الاوروبي مثلما حدث مرة أخرى مؤخرا أثناء اجتماع المستشار الالماني جيرهارد شرودر مع رئيس المفوضية الاوروبية رومانو برودي في برلين. غير أنه في الشهور الاخيرة أصبحت الدعوة أقوى إلى تفسير أكثر مرونة لمعاهدة الاستقرار والنمو بما يرقى بها إلى مستوى اسمها الواسع. والاسباب وراء ذلك واضحة للجميع وهي أن اقتصاد منطقة اليورو أصيب بحالة من الركود لدرجة أن بعض الدول الرئيسية في الاتحاد الاوروبي مثل فرنسا وألمانيا قد خرقت القوانين لحد ما لبعض الوقت. ويتوقع الخبراء الاقتصاديون أن يتجاوز عجز الميزانية في كلتا الدولتين حاجز الثلاثة بالمئة من إجمالي الناتج المحلي المسموح به للسنة الثالثة على التوالي في عام 2004. كما يمكن أن تتجاوز إيطاليا حاجز الثلاثة بالمئة للمرة الاولى العام القادم. ويتمثل السؤال المطروح على بدرو سولبز مفوض الاتحاد الاوروبي للشئون المالية والاقتصادية والمكلف بمراقبة الالتزام بالمعاهدة في كيفية التعامل مع أخطر تحد يواجه المعاهدة منذ التصديق عليها في عام 1997. ويمكن لسولبز أن يحاول فرض الالتزام الصارم بالمعاهدة على فرنسا وألمانيا وأن يتدخل بشكل مباشر في ميزانيات برلين وباريس. وفي حالة تجاهل الاصلاحات المفروضة، تلوح احتمالات اتخاذ إجراءات عقابية يمكن أن تصل في حالة ألمانيا إلى فرض غرامة تصل إلى عشرة مليارات يورو. كما أن الدول الاصغر في الاتحاد الاوروبي ومن بينها النمسا وهولندا تصر على ضرورة أن تتخذ بروكسل موقفا متشددا حيال من يفشل في تحقيق الاهداف المطلوبة فيما يتعلق بعجز الميزانية. وصرح وزير المالية الهولندي جيريت زالم لصحيفة إن ار سي هاندلزبلاد الاقتصادية الهولندية مؤخرا أنه إذا تجاوزت معدلات عجز الميزانية في ألمانيا حاجز الثلاثة بالمئة من إجمالي الناتج المحلي مرة أخرى فسوف يتعين على بروكسل اتخاذ إجراء. وقال زالم للصحيفة إنني متمسك بالمعاهدة. وسوف يتعين على المفوضية الاوروبية أن تبدأ بالاجراءات العقابية.
ويفضل سولبز بدلا من ذلك معالجة مشكلات عجز الميزانية في الدول الكبرى في الاتحاد الاوروبي بشرط أن تبدي هذه الدول استعدادها لبذل جهود حثيثة لتخفيض ديونها على المدى المتوسط.
ويمكنه على سبيل المثال أن يسمح بتمديد فترة مراجعة العجز بالنسبة لباريس وبرلين لاعطائهما مزيدا من الوقت لموازنة حساباتهما. غير أن عملية فرض العقوبات بأي حال من الاحوال تستغرق وقتا، فقد بدأ وزراء مالية الاتحاد الاوروبي في تنفيذها بالنسبة لالمانيا بعد أن وصل عجز الميزانية لديها في عام 2002 إلى 6.3 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي. وبالتالي فقد أصبحت المعاهدة بالفعل أكثر مرونة ولكن إدخال تغيير أكثر شمولية على قوانينها سوف يستلزم قرارا جماعيا من أعضاء الاتحاد الخمسة عشرة. ومن غير المرجح الحصول على تأييد لخطوة مثل تعليق قانون العجز لفترة محددة في ظل الظروف الراهنة. وتشعر بروكسل بقلق أكبر تجاه موقف الميزانية في فرنسا مقارنة بألمانيا حيث إن الحكومة الالمانية تحاول إصلاح سوق العمل لديها وتخفيض مخصصات نظام الرعاية الصحية المكلف. وأشار مسئولون مقربون من سولبز إلى أن باريس تبدو على العكس غير راغبة في إجراء أي إصلاحات طويلة المدى فيما يتعلق بنظام الافراط في الاقتراض الذي بدأت في انتهاجه مؤخرا. وسعى ثيو فايجل وزير المالية الالمانية السابق منذ ست سنوات إلى تبني المعاهدة وأكد أن الالتزام بالمعايير التي تنص عليها هي الثمن التي ستحصل عليه ألمانيا مقابل تخليها عن عملتها الوطنية وهي المارك الالماني. وكان شعار فايجل فيما يتعلق بمستوى العجز المسموح به ثلاثة هي ثلاثة وسوف تظل كذلك. وأضاف قائلا يتعين على كل دولة أن تقبل أن ثلاثة لا تعني أكثر من ثلاثة. ومن المقرر أن يجتمع وزراء مالية الاتحاد الاوروبي في منتصف سبتمبر في مدينة ستريسا بإيطاليا لمناقشة كيف ستتعامل معاهدة الاستقرار وبالتالي اليورو نفسه مع الزيادة المطردة في معدلات الاقتراض الجديدة في الدول الرئيسية بالكتلة الاوروبية.