ولما كان الساكن كما هو معلوم لا يمكن ان يتحرك من تلقاء نفسه بل لا بد له من قوة تدفعه باتجاه ما, ويكون عنفوان الاندفاع بقدر شدة الدافع وقوته, فان من غير المستساغ أبدا ان يتحول الإنسان من طبيعة السكون والاستقرار والركون الى الأرض والالتصاق الوثيق والحميم بالأهل والولد, الى مغاير ينسف كل تلك النزعات الداخلية الجميلة والمستلذة طبعا, نسفا تاما ويصبح بعدها إنسانا مغايرا مبغضا للكون بأسره في أسوأ الأحوال, وفي ادناها كاره لنفسه حاقد على مجتمعه, بدون سبب قوي يدفعه الى ذلك دفعا ويجره الى الهاوية جرا. والأسباب لا تعدو ان تكون اما مرتبطة بفكر خاطىء او عقيدة منحرفة, او قد تكون ظلما فادحا اصاب الانسان في نفسه أو اهله او ماله. وقد يجتمع السببان فيزداد الأمر سواء. ولما كنا في مجتمعنا قد بدأنا نفيق على امر خلنا أنفسنا بعيدين عنه كما المشرقين عن بعضهما. لذا كان لزاما ان نعيره كل الاهتمام من اجل ايجاد مخرج ننفذ منه بسلام او في أسوأ الاحتمالات بأقل الخسائر.
كثيرون من المفكرين او الكتاب او حتى من غيرهم رأوا تنظير المسألة ما أيسره فلم يستطع احدهم إلا اسقاط الأمر برمته على نهج جماعات إسلامية في دول اخرى وصدامها مع حكوماتها, وأرى خطأ هذا التصور بل واستبعده تماما, لان لكل بيئة ظروفها الخاصة التي تشكل عامل دفع او عامل ضغط على افرادها فتدفعهم باتجاه معين قد يفلت منه البعض لكن بالتأكيد سيرضخ له آخرون فينجرفوا مع التيار. والانجراف مع التيار تبنته بعض احزاب صغيرة في بعض بلدان عربية شذت عن حزبها الرئيس ناهجة طريق دفع عجلة التغيير في المجتمع بالقوة والعنف, ومخالفة ما كان عليه اسلافها المؤسسون من نهج فكر الروية والتعقل وطرق باب التغيير برفق يتواءم مع افرازات الحضارة المادية التي طغت على جل معالم الحياة في تلك البلاد, لذا كان أسلوب التدرج في الاصلاح الداخلي منهجا رشيدا وطريقا لا ريب سديدا, ابتعد عنه اولئك الغالون فكان ان لفظهم المجتمع برمته فأضحوا له اعداء لدا. عندنا هنا الوضع جد مختلف عن تلكم البيئات العربية ذلك ان الوضع السائد في الحياة العامة متلائم الى حد كبير مع السلوك الإسلامي خصوصا اذا ما قرون مع غيره ومع مراعاة اننا في قرن يفصلنا عن تلكم القرون المفضلة بعشرات القرون! هذا الوضع هيأ لأفراد المجتمع بيئة طيبة للإنسياق في دروب الخير بما لا يمكن ان يقارن به اي مكان آخر على ظهر البسيطة, وبيئة هذه صفتها من الظلم بمكان ان نقول انها كانت بيئة ضاغطة ودافعة لبعض شبابها للانجراف في تيار العنف, اذ الأولى ان يقال العكس فهي بيئة ما اصلحها لتفريخ جماعات تنهج الوسطية في العقيدة والسلوك, فلا افراط ولا تفريط. ان المشكلة تكمن في ان بعض من سلكوا سبيل العنف عندنا قد تسرب الى فكرهم شيئا مخالفا من جماعات عنفية خارج اسوار البلد. فكانت البلبلة داخل تلك الرؤوس المستقبلة, زادها وللاسف الشديد بعد بعض العلماء وطلبة العلم هنا عنهم وعدم الالتحام معهم وتتبع مشاكلهم من أجل ايجاد حلول ناجعة لها فكان ان تأصل الأمر في النفوس وتأكد لدى البعض منهم صدق ما تشربه من أفكار خاطئة, يدفع الآن المجتمع بأسره ثمنها. لا علاج وأكرر لا علاج إلا بان ينزل العلماء الأكارم وهم من هم صلاحا وروعا وعلما وتقى, الى تلك التجمعات الشبابية ويتلمسون مشاكلهم والفكرية منها خصوصا فيكونوا اذ ذاك أقدر على الإصلاح من محاضرات تلقى في أجهزة اعلام لا تسمن بالنسبة لأمر أولئك شيئا ولا تغــــــنيهم من جوع. نعم, الالتحام بين العلماء وطلبته الكـــبار وبين الشـــباب موصـــل الى الحميمية المفضية الى ذوبان اي عالق في الذهن غريب, وأمــــن البلد برمته منوط بذلك, وهو للجميع مطلب, فياأيها الأكارم, هيا على العمل مـــن أجل هـــذا الوطن, أدام الله بقاءه في عز ومنعة.
@@ د. إبراهيم عبدالرحمن الملحم