فآيا صوفيا في استانبول مثله مثل متحف اللوفر في باريس، أو قلعة صلاح الدين في القاهرة ولهذا السبب يُغالي الأتراك في رسم دخوله.
ترددتُ كثيرا في دخول مبنى الحكمة المقدسة (آيا صوفيا) باستانبول، بسبب ارتفاع رسم دخوله (15 مليون ليرة تركية) أي ما يعادل حوالي أحد عشر دولارا أمريكيا، أو عشرة يورو، ولكن عندما سألتني سائحة أمريكية ـ وأنا في منطقة أمين أونو ـ عن المكان الذي يقع فيه آيا صوفيا، وكيف تذهب إليه، فسألتُ بدوري إلى أن عرفت مكانه وكيفية الوصول إليه من المنطقة التي كنا فيها، وبالتالي شرحتُ لها كيف تصل إليه عن طريق الترام أو المترو. عندها أعدتُ التفكير في الأمر.
قلتُ لنفسي: هل يُعقل أن يأتي الأمريكان لاستانبول ليشاهدوا آيا صوفيا، وأتعلل أنا بارتفاع رسم دخوله، وصممتُ على دخوله مهما كان رسم الدخول الذي زاد خمسة ملايين ليرة عن العام الماضي كما قيل لي. فآيا صوفيا في استانبول مثله مثل متحف اللوفر في باريس، أو برج بيزا في إيطاليا، أو قلعة صلاح الدين في القاهرة، أو قلعة قايتباي في الإسكندرية، أي من معالم الزيارة الرئيسية، ولهذا السبب يُغالي الأتراك في رسم دخوله. ذهبتُ في صباح اليوم التالي لآيا صوفيا، المواجه لمسجد السلطان أحمد أو الجامع الأزرق ذي المآذن الست. وقفتُ في طابور ليس طويلا (ربما يحجم الكثيرون عن دخوله بسبب هذا الارتفاع في رسم الدخول). ودخلتُ مبنى الحكمة المقدسة أو الكنيسة التي تحولت إلى مسجد في عهد محمد الفاتح، ثم تحوَّل المسجد إلى مركز أو متحف يجمع بين الشكلين المسيحي والإسلامي، بأمر من كمال أتاتورك (1880 ـ 1938). لقد شُيد هذا المبنى الكبير، الذي يُعد أعظم نموذج للفن المعماري البيزنطي، في البداية على مرحلتين، الأولى شيدها الإمبراطور قسطنطين الثاني (عام 360 م) ثم احترقت، والمرحلة الثانية شيدها الإمبراطور ثيودسيوس الثاني (عام 415م) ودمرتها النيران أيضا عام 532م. ثم قام الإمبراطور البيزنطي جوستيانوس أو جوستنيان الذي قدم إلى القسطنطينية حوالي عام 560 ميلادية على عربة يشدها 14 حصانا، وقرر إعادة تشييد هذه الكنيسة أو هذا النصب التذكاري ـ الموجود حاليا ـ على مساحة قدرها 81 * 70 مترا (5670 مترا مربعا) وعندما فتح استانبول السطان محمد الفاتح عام 1453 م نزل من على حصانه ودخل الكنيسة وهناك صلى أول صلاة جمعة، ثم أضاف إلى المبنى أربع مآذن رفيعة، فتحولت الكنيسة إلى جامع أو مسجد. ويجمع المكان الآن بين صور كثيرة ولوحات جدارية من الفسيفساء للسيد المسيح عليه السلام والسيدة مريم، وآيات قرآنية منقوشة على الجدران، ولوحات كبيرة معلقة تحمل اسم الله ومحمد (صلى الله عليه وسلم) وأسماء الخلفاء الأربعة (أبو بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعلي بي أبي طالب). في إحدى اللوحات الجدارية المطرزة بالذهب والفسيفساء الموجودة بمدخل المتحف من القرن العاشر الميلادي، على سبيل المثال، نرى رسما لمريم عليها السلام وهي تحمل السيد المسيح عيسى عليه السلام، وعلى يمينها يقف الإمبراطور قسطنطين الكبير، وبيده مخطط القسطنطينية أو استانبول، وعلى يسارها يقف الإمبراطور جوستنيان وبيده نموذج بيت الحكمة المقدسة أو آيا صوفيا، وهما يقدمانه للسيدة مريم العذراء.
هناك لوحات أيضا للإمبراطورة زوا والإمبراطور مونوماكوس يقفان إلى جوار صورة للسيدة مريم وهي تحمل السيد المسيح في طفولته. وتتكرر صور ولوحات السيدة مريم العذراء وهي تحمل السيد المسيح عندما كان طفلا، كثيرا في متحف آيا صوفيا. إن المظهر المسيحي والمظهر الإسلامي يتحدان في آيا صوفيا الذي ظل 921 سنة، يُستخدم ككنيسة، و481 سنة، يُستخدم كمسجد، إلى أن أمر كمال أتاتورك بجعله متحفا أثريا، كما نراه اليوم، يفد إليه السائحون والزوَّار من كل مكان. جدير بالذكر أن القبة الرئيسية لآيا صوفيا يبلغ قطرها 31 مترا مقامة على أربعة عواميد أو أرجل رخامية ضخمة، مثل أرجل الفيل، يبعد ارتفاعها عن الأرض 56.5 م، وطولها 24.3 م. ويبلغ عدد نوافذ المتحف أربعين نافذة مقوسة. وهو مغطى من الداخل بالرخام الملون والفسيفساء المذهبة، وأصبح مثالا لعمارة المساجد التركية العظيمة التي شيدت في استانبول بعد ذلك. في الجهة المقابلة لآيا صوفيا ـ وعلى بعد أمتار قليلة ـ يوجد مسجد أو جامع السطان أحمد الأول بمآذنه الست، وصحنه الكبير الذي يسبق المسجد، والذي أراد ببنائه أن ينافس آيا صوفيا، وأن يترك أثرا أرفع وأعلى منه، فأمر كبير المعماريين (المهندس محمد أغا) بأن يشيد مسجدا تكون مآذنه من معدن الذهب الخالص، ولما كان من المستحيل أن ينفذ المعماري ذلك، فقد تلاعب بالألفاظ حيث إن كلمة الذهب (الطن) تقترب في نطقها من الستة (الطي) وعلى ذلك شيد المسجد فيما بين عامي 1609 ـ 1616م بمآذنه الست، وليست من الذهب، وخرج المسجد على أروع صورة مما جعل سلطان العثمانيين سعيد راضيا عنه. وقد بلغ الطول الداخلي للمسجد 64م، وعرضه 72 م، ونوافذه تزيد على 260 نافذة، وعلى حوائطه يوجد الخزف الصيني الأزرق والأخضر المنوَّع، ويبلغ عدد قطع الخزف المركبة على حوائطه 21043 قطعة. لذا يطلق على هذا المسجد أو الجامع، المسجد أو الجامع الأزرق أحيانا.
ودخول هذا المسجد بالمجان، وأعتقد أنه المكان الوحيد الذي يدخله الناس بالمجان في استانبول.
* عن (ميدل ايست اونلاين)