لاشك ان موافقة مجلس حرب العدو الاسرائيلي على الاقتراح المبدئي المتغطرس الذي تقدم به الارهابي القديم الجديد اريل شارون بابعاد الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات من بلاده بالقوة يحمل في طياته اكثر من معنى ويقدم اكثر من صورة، وبالتالي فهو مجمله دروسا لمن يريد ان يتعلم.
فهو يوجه "درسا" اشبه مايكون "باللطمة" لادارة الرئيس بوش التي حاولت بكل الطرق استرضاء رئيس كيان العدو الاسرائيلي حتى على حساب القناعات الشخصية للرئيس بوش الابن شخصيا الذي صرح قبل وقت ليس بالبعيد ان وصفه لشارون برجل السلام يصيبه بالقشعريرة وكانت النتيجة ان تمادى شارون في غطرسته وقراراته التي وضعت الادارة الامريكية ومبادرة سلامها في مهب الريح ولن نقول في "خبر كان" في وقت هي احوج ماتكون الي كسب تأييد العالم لها ولمصداقيتها بعد ورطتي "افغانستان والعراق" من خلال تأكيدها الدائم وعزمها على إجبار جميع الاطراف على احترام مبادرتها التي اتخذت شكل "خارطة الطريق".
ان التساهل الامريكي المفرط مع مطالب وتوجهات حكومة حرب شارون، وانسياقها الاعمى وراءها الذي وصل الى حد اضفاء الشرعية للاعمال اللاشرعية التي تقوم بها حكومة الليكود كان لابد وان يضعها يوما ما في مأزق وهاقد أتى اليوم الذي لم يتأخر كثيرا.
فلقد سبق وان انساقت "حكومة بوش انسياقا" اعمى وراء الرغبة الاسرائيلية في عدم التعامل مع الرئيس الفلسطيني الذي تدل كل الشواهد على انه قد جاء الى السلطة من خلال استفتاء شعبي بمعنى انه "رئيس منتخب" شاء من شاء وابى من ابى على حد تعبير السيد ياسر عرفات ومع ذلك وجدنا حكومة بوش الجمهورية ترمي بكل قيمها ومبادئها ارضاء لعيون الحليف الاسرائيلي، بل وتضع تعيين رجل تتعامل معه غير ياسر عرفات على رأس بنود خارطة الطريق ليأتي محمود عباس (ابو مازن) رئيسا لوزراء السلطة الفلسطينية ومن ثم يقدم الرجل استقالته بعد ان وضعت اسرائيل العراقيل في وجه مهمته.
وقبلها وجدنا الادارة الامريكية تضع في واحدة من اذنيها "طين" وفي الاخرى "عجين" عندما حوصر مقر الرئيس عرفات في رام الله على الرغم من النداءات المتكررة من العالم بضرورة رفع الحصار عنه وكل ما سمعناه اشارات "مبهمة" من العم سام بضرورة تعامل الحكومة الاسرائيلية بحكمة مع ذلك الموضوع.
لقد احسنت اسرائيل بلا شك "اختيار توقيت القرار" الذي جاء في ظل قراءة اسرائيلية "ميكافيلية" لوضع الرئيس بوش الذي تدل استفتاءات الرأي العام بان شعبيته تواجه انخفاضا حادا زاد من حدتها اعلان التكتل الاسلامي عدم مساندته لحملته الانتخابية، وبالتالي فقد اصبحت اصوات الجالية اليهودية في امريكا تمثل بالنسبة له طوق النجاة الذي سيساعده في تحقيق حلمه في الفوز بفترة انتخابية ثانية.
من جهتها رأت حكومة شارون ان الوقت مناسب جدا جدا لابتزاز يكون ثمنه "الرئيس عرفات" تحقيقا لرغبة وحلم شاروني قديم يعود الى حرب لبنان 1982م، ولعل هذا مايفسر ردة الفعل الامريكية "الخجولة جدا" تجاه القرار الاسرائيلي بنفي الرئيس عرفات خارج بلاده والخلاصة هي ان الموقف الامريكي الذي لم يحاول ان يلجم الجنوح العدائي الاسرائيلي يوما من الايام قد جعل هذا القرار في مأزق "مصداقية" يضاف الى مأزقيه اللذين سبق الاشارة لهما في افغانستان والعراق، وبالتالي فهو يدفع ثمنا باهظا لعدم فهمه للعقلية الميكافيلية الاسرائيلية.
وهو درس "للمجتمع الدولي" الذي وقف موقف المشاهد "المتفرج" على الممارسات الاسرائيلية وما ترتكبه من مجازر في حق الشعب الفلسطيني فكانت النتيجة تماديها باتخاذ قرار بحق ابعاد شخص اعتلى منبر الامم المتحدة اكثر من مرة متحدثا عن شعبه وآماله وتطلعاته في الحياة لا لشيء سوى تحقيق رغبة شريرة لشخص امتلأ رأسه بغرور وغطرسة القوة.
فلا يكفي ان يصف كوفي عنان القرار بأنه "متهور" او ان ترى فيه موسكو والاتحاد الاوروبي "خطأ جسيما" او ان "تشجعه" الهند او ان تستنكره اندونيسيا مالم يتبع تلك التصريحات مواقف جادة عملية ترغم الباغي على الرجوع عن غيه وغطرسته.
وهو درس للمنظمات الدولية غير الحكومية وبالذات لجان مايسمى "بحقوق الانسان" التي رأت بأم العين المذابح التي ارتكبت بحق الشعب الفلسطيني قبل وابان الانتفاضتين ومع ذلك فموقفها كان في احيان كثيرة "المنددة" على استحياء و"الساكت" في معظم الاحايين والآن ترى ماذا سيكون موقفها من دولة تريد نفي انسان عن وطنه بحجج واهية؟
على ان الدرس الاهم هنا هو "للامة العربية" التي يجب ان تفهم بأنها تحارب عدوا لايقيم وزنا لقيم او اعراف، وبالتالي فالحديث معه عن "السلام" ليس الا حديثا لامعنى له، وبالتالي فأحسب ان الوقت قد حان للحديث عن استراتيجية عربية "بديلة" لاستراتيجية السلام.
على امتنا ان "تفهم" ان الهوان الذي ارتضته لنفسها، والطريق الذي سارت اليه منقادة هو الذي جعل شارون يتخذ قراره دون ان يحسب حسابا لمشاعرها او كرامتها الوطنية.
ان الامة العربية الاسلامية لتتطلع الى ان تكون قيادتها على مستوى الحدث اذا ماقررت اسرائيل المضي قدما في تنفيذ قرارها ليس حبا في ياسر عرفات وانما كبحا لجماح هذا العدو المتغطرس الذي اعتقد ان قراره ليس سوى ى"جس نبض" لتنفيذ القرار "الحلم" الذي سبق وان نادى به المقبور "مائير كهانا" في كتابه الشهير "شوكة في عيونكم" الذي دعا فيه الى ضرورة اتباع سياسة التهجير والذي سيكون من اهم نتائجه طرد الفلسطينيين من بلادهم فمن لايرى من ثقب الغربال فهو اعمى.
اللهم هل بلغت اللهم فاشهد..
دمتم
وعلى الحب نلتقي