أخبار متعلقة
21 عاما، وصبرا وشاتيلا يبحثان عن العدالة لدماء الوف من ذبحوا في بيوتهما وازقتهما.. حكاية المذبحة التي يندى لها جبين التاريخ ما زالت ماثلة كما لو انها ارتكبت بالامس، والشهود ما زالوا يروون فصولها لحث الضمير العالمي على التحرك للقصاص لقتلاهم، او يفرون منها كما هو الحال مع وزير دفاع اسرائيل آنذاك ورئيس وزرائها اليوم، ارييل شارون.بدأت فصول المذبحة في يوم 16 سبتمبر1982، عندما اقتحم مسلحون لبنانيون مسيحيون مخيمي صبرا وشاتيلا للاجئين الفلسطينيين في بيروت بعلم حلفائهم الإسرائيليين الذين كانوا يحاصرون المخيمين وارتكبوا مجزرة راح ضحيتها المئات من المدنيين الأبرياء بدافع الانتقام لاغتيال رئيس الجمهورية الأسبق بشير الجميل. وعلى مدى ثلاثة ايام امتدت بين 16 و18 سبتمبر من ذلك العام، تواصلت عمليات الذبح والاغتصاب والتمثيل بالجثث داخل المخيمين تحت حراسة قوات الجيش الإسرائيلي التي كانت تحتل بيروت تحت القيادة العامة لأرييل شارون بصفته وزير الدفاع.
لم يعرف حتى يومنا هذا عدد الضحايا الذي ربما بلغ الآلاف من الفلسطينيين. وأغلب الظن أن الحصيلة الدقيقة لمن أزهقت أرواحهم في هذه المجزرة لن تُعرف أبداً.
تقديرات المخابرات العسكرية الإسرائيلية تشير إلى أن ما يتراوح بين 700 و800 شخص قد قُتلوا في صبرا وشاتيلا أثناء المجزرة التي استغرقت اثنتين وستين ساعة، بينما قالت مصادر فلسطينية وغيرها إن عدد القتلى بلغ بضعة آلاف.
الأطفال والنساء (بما في ذلك الحوامل) والشيوخ؛ قتلوا ومُثِّل ببعضهم أشنع تمثيل، ونُزعت أحشاؤهم قبل أو بعد قتلهم.
لجنة كاهان
وتحت وطأة الصور والتقارير التي بثتها وسائل الاعلام العالمية واظهرت فظاعة المجزرة، شكلت اسرائيل لجنة تحقيق حول دور شارون ومسؤوليته في المجزرة.
اللجنة التي تشكلت في فبراير 1983، وحملت اسم القاضي كاهان/ الذي انيطت به رئاستها، أوردت اسم شارون باعتباره أحد الأفراد الذين يتحملون مسؤولية شخصية عن مجزرة صبرا وشاتيلا.
وتناول تقرير لجنة كاهان بالتفصيل الدور المباشر الذي قام به شارون في السماح لأفراد ميليشيا الكتائب بدخول مخيمي صبرا وشاتيلا.
وزعم شارون في شهادته أمام اللجنة أن أحداً لم يكن يتصور أن ميليشيا الكتائب سوف ترتكب مجزرة في المخيمين.
لكن اللجنة خلصت إلى أنه من المستحيل تبرير الاستخفاف بخطر وقوع مجزرة، لأن المرء لم يكن بحاجة إلى قدرة خارقة على التنبؤ لكي يدرك أن ثمة خطراً حقيقياً لوقوع أعمال القتل، عندما دخل أفراد ميليشيا الكتائب المخيمين دون أن تصحبهم قوات الدفاع الإسرائيلي.
بل إن اللجنة ذهبت إلى أبعد من ذلك إذ قالت: نحن نرى أن أي شخص له صلة بالأحداث في لبنان كان لا بد أن تساوره مخاوف من وقوع مجزرة في المخيمين، إن علم أن قوات الكتائب سوف تدخلهما دون أن تتولى قوات الدفاع الإسرائيلي الإشراف والرقابة عليها بصورة حقيقية وفعالة... وتُضاف إلى هذه الخلفية من العداء الذي تضمره الكتائب للفلسطينيين الصدمة العميقة "لوفاة بشير الجميل مؤخراً"....
كما خلصت لجنة كاهان إلى أنه إذا كان وزير الدفاع لا يظن في واقع الأمر، حين قرر دخول ميليشيا الكتائب إلى المخيمين دون مشاركة قوات الدفاع الإسرائيلي في العملية، أن قراره هذا سوف يؤدي إلى مثل هذه الكارثة التي وقعت، فإن التفسير الوحيد لهذا هو أنه قد تجاهل أي بواعث قلق بشأن ما يُتوقَّع حدوثه لأن المزايا... المراد تحقيقها من وراء دخول الكتائب إلى المخيمين صرفته عن تدبر الأمر كما ينبغي في هذه الحالة.
وكانت التوصية النهائية التي خرجت بها لجنة كاهان هي أن يُعفى شارون من منصب وزير الدفاع، وأن ينظر رئيس الوزراء آنذاك في إقالته من وظيفته، إذا اقتضت الضرورة.
اخفاقات في طريق البحث عن العدالة ومنذ وقوع المجزرة والى الان، باءت بالفشل كافة الجهود التي بذلتها الهيئات والمنظمات الانسانية والحقوقية التي سعت لتقديم شارون الى القضاء للقصاص منه.
وتمثلت احدث حلقة في الاخفاقات التي منيت بها الجهود الرامية الى تقديم شارون الى العدالة، في الغاء بلجيكا قانون (الاختصاص العالمي) الذي رأى فيه الناجون من المجزرة آملا في الوصول الى مبتغاهم لما كان يتيحه من محاكمة الاشخاص عن جرائم الابادة وجرائم الحرب بصرف النظر عن مكان ارتكاب هذه الجرائم.
وجاء الغاء القانون ثمرة لضغوط مارستها الولايات المتحدة واسرائيل بشكل علني على بلجيكا.. واسفر الغاء القانون عن وقف الدعوى التي اقامها الناجون الذين اضطروا الى اللجوء الى محكمة التمييز البلجيكية على امل ان تعطيهم قرارا يجيز مواصلة نظر الدعوى ضد شارون على اعتبار انها كانت مقامة قبل الغاء القانون الشهير.
وينتظر ان تبت محكمة التمييز في الرابع والعشرين من الشهر الجاري بصورة نهائية في الاستئناف الذي قدمه الناجون في محاولة لانقاذ قضيتهم من الضياع.
مقتل الشاهد الشريك
ولعل ابرز المحطات التي مرت بها هذه الدعوى، تلك المحطة التي شهدت اغتيال إيلي حبيقة قائد الكتائب الذي اتهم بالتعاون مع شارون في المجزرة، وذلك بعد أن اعلن عزمه على الإدلاء بشهادته أمام المحكمة البلجيكية.
ففي 24 يناير 2002، انتهت حياة حبيقة في انفجار سيارة مفخخة قضى على ثلاثة من مرافقيه، وقضى كذلك على تفاصيل واسرار ما جرى في ايام المذبحة الثلاثة.
شهادات لم تمت
صحيح ان حبيقة قتل وربما ماتت معه اسراره، لكن شهادات اخرى لم تمت، وهي تروي فظاعة ما جرى في تلك الايام الثلاثة بلياليها.
محمد أبو ردينه، شاهد نجا من الموت بأعجوبة، كان حين عاش المجزرة في السابعة من عمره، وهو يروى بكلماته صور الرعب والقتل في تلك الايام السوداء:
حين كنا جميعا في منزل أحد أقربائنا بعد أن تركنا الجهة الغربية للمخيم هربا من القصف الشديد أتت حياة سرور من جهة الحرش مضرجة بدمائها تصرخ في مجزرة اللبنانيين عم يذبحوننا؟!
لم نصدقها وبدأ والدي يصرخ بها ما هذا الذي تقولينه ؟ هل تريدين تخويف الأولاد عيب ما تفعلينه واقلها بسيارته الى مستشفى غزة لتتلقى العلاج وعاد الى المنزل حيث كنت أنا وامي وأختي وزوجها وثلاثة من أعمامي وحوالي عشرة من جيراننا
بدأ القصف يشتد والصراخ يعلو وبدأنا نسمع تهديم البيوت ولكننا كنا ما زلنا نعتقد أن إسرائيل تود التقاط الفدائيين وبما انه ليس لدينا سلاح فلا خطر علينا.. تركنا المنزل واتجهنا الى منزل آخر حتى ظهر نهار الجمعة.
عند بزوغ فجر الجمعة بدأ والدي يشعر بالخوف ويقول ان هناك شيئا غريبا يجري في المخيم كما نسمع طلقات ثم صراخا لمرات عديدة ولكن وقت الهروب قد فات وبدأ الرعب يدخل الى قلوبنا فهذه أم اسعد تطلب من أبو اسعد الاختباء تحت التخت وأخرى تطلب من ابنها الصعود الى التختية.
حين عمت الفوضى في المنزل من الحركة شعر بنا القاتلون في الخارج وبعد دقائق كسروا الباب ودخلوا المنزل وفصلوا الرجال عن النساء.لم تقبل أختي التي كانت عروسا جديدة ترك زوجها فقتلت معه ووجدنا جثتها لاحقا بعد أن اخرجوا الجنين من بطنها.. ساقونا الى الخارج ونحن على الباب سمعنا طلقات الرصاص ولا أنسى صراخ والدي الأخير.
ساقونا الى المدينة الرياضية ورأيت صورا مع أنني كنت صغيرا لكني لا أستطيع نسيانها..فهذه عايدة أبو ردينه التي كانت تحبني كثيرا ملقاة وهذه جثة والدها فوقها.
حين وصلنا الى الشارع لم يكن أمامنا إلا المشي على الجثث مشيت على جثة أبو علي الدوخي الذي كنت اشتري منه السكاكر !! شيء رهيب..حين وصلنا الى المدينة (الرياضية) كان هناك الكثير من أصدقائي الذين العب معهم في المخيم وضعنا في الغرفة ووضع حارس على باب الغرفة ! حصل انفجار وهرب الحارس فهربنا جميعا من الغرفة توجهنا الى الكولا ومنها الى الظريف لنعود بعدها الى المخيم لتصاب أمي بجلطة في دماغها تؤدي الى شلل نصفي وتموت لنبقى أنا وأختي وحيدين.. شعري شاب منذ أن كنت في السابعة من عمري ولي حلم وحيد هو الخروج من لبنان لا أريد البقاء هنا ولا أستطيع العيش في هذه البلد.
قتلوهم امام اعيننا
وشهادة اخرى تدلي بها شهيرة ابو ردينة: في الطابق السفلي تجمعت أنا وزوجي وأولادي وأختي ووالدي ووأخي كايد. كنا قد أتينا الى المخيم قبل أسبوعين من وقوع المجزرة ولم نكن نريد ترك بيوتنا التي أعدنا ترتيبها وبناءها.
كنا قد سئمنا من التهجير لذلك حين اشتد القصف توجهنا الى منزل والدي في الجهة الشرقية للمخيم، واختبأنا في الغرفة بعد أن تجمع في المنزل أيضا عمي وأولاده وبعض الجيران.
منتصف الليل كنا نسمع أنينا وصراخا فتوجهت أختي عيدا لترى ما الأمر. سمعنا طلقة ومن ثم صوت أختي: الحقني يا أبوي..خرج والدي وراءها فحصل نفس الشيء طلقة فصرخة فعرفنا أن مجزرة تحصل في الخارج.
سكتنا كي لا يدخلوا علينا..كنا نسمع دعساتهم على سطح الدار ونسمعهم ينادون بعضهم البعض: الياس جوزيف..ما زلت اذكر فقط هذين الاسمين.
بقينا طوال الليل نصلي وفي الخامسة من صباح الجمعة صحا ابن أخي وبدأ بالصراخ سمعه المجرمون فنزلوا علينا من السطح. كان زوجي أبو أديب يضع ابننا في حضنه حين دخلوا علينا طلبوا من الرجال الاصطفاف على الحائط في الكوريدور ورفع أيديهم.
أعطاني محمود ابنتي وقال: الأولاد أمانة في عنقك اعتني بهم وبنفسك. اصطف أخي وزوجي ابن عمي وجارنا على الحائط وطلبوا منا النظر إليهم واطلقوا عليهم الرصاص ومن ثم ضربوهم على رؤوسهم ربما كي يتأكدوا من موتهم.
قال احدهم للاخرين: نقتلهم؟ (وهو يشير الينا) فأجاب الاخر: كلا نسوقهم الى المدينة (الرياضية).
خرجت من الباب ودست على جثة والدي ومن ثم على جثة أخي ونحن نخرج عادوا وضربوا الجثث بالبلطات أمامنا.
في الشارع جثة جارنا الدوخي وهذا محمد النابلسي وتلك جثة عفاف سعد مع أبيها دست على كل الجثث لا اعرف كيف ولكن في ذلك الوقت كنت فقط بالنجاة من اجل أولادي.. حين وصلنا الى المدينة وضعنا في غرفة.. كان المجرمون يأكلون فواكه مطبوعة بملصقات عبرية ويشربون بيرة ومياها إسرائيلية.
تمكنا بعدها من الهرب وما زلت حتى الآن أكابر على نفسي واجبر نفسي على العيش من اجل أولادي.
ماهر مرعي
ويقول هذا الشاهد على المجزرة: رأيت عشرات الجثث امام الملجأ القريب من بيتنا. ظننت في البداية ان القصف قضى عليهم. بدأ القصف بعد مقتل بشير الجميل، كنا في المخيم خائفين من قدوم الكتائب والانتقام منا، لم ننم تلك الليلة وكان الحذر يلف المخيم.
رأيت الجثث، امام الملجأ مربوطة بالحبال لكني لم افهم، عدت الى البيت لأخبر عائلتي، لم يخطر في بالنا انها مجزرة، فنحن لم نسمع اطلاق رصاص، اذكر اني رأيت كواتم صوت مرمية قرب الجثث هنا وهناك، ولكني لم ادرك سبب وجودها الا بعد انتهاء المجزرة. كواتم الصوت تتفندق بعد وقت قصير من استخدامها، ولذا يرمونها.
بقينا في البيت ولم نهرب حتى بعد ان احسسنا ان شيئا مريبا يحدث في المخيم. رفض والدي المغادرة بسبب جارة اتت للمبيت عندنا، وكانت اول مرة تدخل بيتنا. زوجها خرج من المقاتلين على متن احدى البواخر ولم يكن لديها احد، فقال ابي لا يجوز ان نتركها ونرحل. كان اسمها ليلى. كانت الجثث التي رأيتها امام الملجأ لرجال فقط. ظننت انا ووالدي ان الملجأ كان مكتظا فخرج الرجال ليفسحوا المجال للنساء والاطفال بالمبيت واخذ راحتهم، فماتوا بالقصف. كنت ذاهبا يومها لإحضار صديقة لنا - كانت تعمل مع والدي - تبيت في الملجأ. كانت تدعى ميسر. لم يكن لها احد هي الاخرى. كان اهلها في صور واراد ابي ان احضرها لتبيت عندنا. قتلت في المجزرة مع النساء والاطفال. رأيت جثتها فيما بعد في كاراج ابو جمال الذي كان الكتائبيون يضعون فيه عشرات الجثث، بل المئات. كان المشهد لا يوصف !!!
عندما دخل الاسرائيليون الى بيروت الغربية كنا نعتقد ان اقصى ما قد يفعلونه بنا هو الاعتقال وتدمير بيوتنا، كما فعلوا في صور وصيدا وباقي الاراضي التي احتلوها. اذكر اني ذهبت صباح يوم المجزرة - وكان يوم الخميس في 16 سبتمبر ـ مع مجموعة كبيرة من النساء والاطفال لاحضار الخبز من منطقة الاوزاعي سيرا على الاقدام (كان عمري 14 عاما). كنا مقطوعين من الخبز وليس لدينا ما نأكله. رفض اصحاب الافران يومها ان يبيعونا، كان الخبز متوفرا ويبيعونه الى اللبنانيين فقط مع انه كان متوافرا بكثرة.
عدنا الى المخيم فلم نستطع الدخول، اذ كانت الطرقات المؤدية الى المخيم جميعها مقطوعة، وكان الاسرائيليون يقنصون من السفارة الكويتية باتجاه مدخل المخيم الجنوبي. عند تقاطع هذا المدخل وبئر حسن، كان هنالك قسطل مياه مكسور، وكان اهالي المخيم يعبئون منه الماء رغم القنص. رأيت عند قسطل المياه اسرائيليا من اصل يمني يقتل فتاتين فلسطينيتين، لانهما وبختا فلسطينيا ارشد الاسرائيلي الى الطريق التي هرب منها احد الذين يطاردونهم، هكذا قالت ام الفتاتين التي كانت معهما وهربت عند بدء اطلاق الرصاص.
حاول اهل المخيم سحب الفتاتين فقتل رجلان وهما يحملان جثتيهما، - قنصهما الاسرائيليون من السفارة - ثم ما لبث اهل المخيم ان سحبوهما بالحبال.
تمكنا بعد ذلك من العودة الى المخيم في المساء كانت القذائف المضيئة تملأ سماء المخيم، هنا، بدأ صوت ماهر يرتجف عندما اخذ يخبرني ما حصل في بيتهم تلك الليلة - أي الخميس وهو اول يوم في المجزرة. قال ماهر:عندما اخبرت والدي عن الجثث، طلب منا ان نلزم الهدوء وألا نصدر أي صوت، تتألف عائلتنا من 12 شخصا، ستة صبيان واربع بنات وابي وامي. كان اخواي محمد واحمد خارج البيت وهما اكبر مني سنا. الباقون كانوا في البيت وكانت جارتنا ليلى عندنا. قرابة الفجر، صعد اخي الى السطح مع ليلى كي تطمئن على بيتها.
كان النعاس قد غلبنا انا وابي - اذ بقينا ساهرين ننصت الى ما يجري في الخارج ونسكت أختي الصغيرة التي كانت تبكي من وقت لآخر.
لم نشعر بصعود ليلى واختي الا عندما نزلا. كانتا خائفتين فقد رآهما المسلحون. ما هي الا لحظات حتى بدأنا نسمع طرقا عنيفا على الباب. عندما فتحنا لهم اخذوا يشتموننا واخرجونا من البيت ووضعونا صفا امام الحائط يريدون قتلنا. ارادوا ابعاد ليلى اذ ظنوا انها لبنانية لانها شقراء، وابعدوا اختي الصغيرة معها لانها شقراء هي الاخرى وظنوا انها ابنة ليلى!
رفضت ليلى تركنا، واخذت اختي تصرخ وتمد يديها الى امي تريد الذهاب معها، كان عمرها اقل من سنتين وكانت لا تزال تحبو، في تلك اللحظة، كان جارنا حسن الشايب يحاول الهرب خلسة من منزله، فأصدر صوتا وضجة اخافتهم.
كان هناك شاب من بيت المقداد يطاردهم ويطلق عليهم النار ويختبئ، كان اسمه يوسف، لمحته تلك الليلة عدة مرات، اعتقد انهم ظنوا في تلك اللحظة ان الضجة صادرة عنه، لذا ادخلونا الى البيت وهم يكيلون لنا الشتائم، طلبوا من والدي بطاقة هويته، وما ان ادار ظهره ليحضرها حتى انهال الرصاص علينا جميعا كالمطر لم اعرف كيف وصلت الى المرحاض واختبأت فيه وفي طريقي الى المرحاض وجدت اخي الاصغر اسماعيل فأخذته معي واقفلت فمه. رأيت من طرف باب المرحاض كل عائلتي مرمية على الارض، ما عدا اختي الصغيرة. كانت تصرخ وتحبو باتجاه امي واختي وما ان وصلت بينهما حتى اطلقوا على رأسها الرصاص فتطاير دماغها وماتت.
اسماعيل وانا لم نتحرك. لزمنا الصمت فترة. لم اعد استطيع التنفس، فحاولت بلع ريقي لاستعادة تنفسي وكنت مترددا في فعل ذلك. اذ كنت - عادة - اصدر صوتا عندما أبلع ريقي وخفت ان يسمعوا الصوت ويأتوا لقتلي. وبالفعل، عندما فعلت كان صوت البلع مسموعا من شدة السكون الذي سطر على البيت لكنهم لم يسمعوني، فقد خرجوا بعد ان نفذوا جريمتهم.
بعد خروجنا من البيت تهنا عن بعضنا البعض. بقيت انا واسماعيل معا، واخذوا يلاحقوننا من مكان لاخر. ثم ما لبثنا ان وجدنا جمعا حاشدا من النساء والاطفال كانوا يجرونهم الى المدينة الرياضية حيث يتمركز الاسرائيليون فانضممنا اليهم.
وحشية المجزرة تتحمل مسؤوليتها اسرائيل