عندما سأل كريم ثابت، الإعلامي والمفكر المصري الملك عبدالعزيز رحمه الله قائلاً: إن المؤلفين الأجانب قالوا إن المدة التي قضيتها في الكويت كانت بمثابة مدرسة لجلالتكم، قال الملك عبدالعزيز له: لا، ولكن التجارب هي التي علمتني بعد ذلك. وقال الملك رحمه الله : "لقد كانت الحياة مدرستي".
وتدل هذه العبارة على ما اكتسبه الملك عبدالعزيز في حياته المبكرة من خبرة وممارسة كان لها التأثير على مواقفه وحكمته وتعامله مع الأحداث.
فلقد كان الملك عبدالعزيز أنموذجا للشخصية التاريخية التي اعتنت بالتعلم واكتساب المهارات والاطلاع على سير الأولين والعلوم الشرعية. كما عرف عنه رحمه الله الافادة من أحداث التاريخ وخاصة التاريخ الإسلامي والتأسي بسير الصحابة رضوان الله عليهم.
والمعروف أن الملك عبدالعزيز كان قارئاً للتاريخ وواعياً بأحداثه، وكان مؤمناً بمبادئ الإسلام وتطبيق الشرع وإقامة العدل والأمن، ومؤيداً لنشر الدعوة الصحيحة وخدمة المسلمين. لذا امتزجت في شخصيته الخبرة والنبوغ والوعي بالتاريخ والصفات الحميدة مما مكنه بتوفيق الله عز وجل من تحقيق ما حققه في فترة كانت مليئة بالأحداث والإنجازات والصعوبات والتحديات.
فمن إنجازات الملك عبدالعزيز تأسيس المملكة العربية السعودية وتوحيدها وارساء التنمية ونشر التعليم، حيث أدرك رحمه الله معنى قيام الدولة وصياغة مبادئها على أسس الدين الثابتة التي لا تقبل التغيير وليس على أسس شخصية أو أهواء أخرى.
ومن السمات التي تميز بها الملك عبدالعزيز تمسكه بالعقيدة الإسلامية ودفاعه عنها وإيمانه القوي بربه وتطبيق شريعة الله عز وجل في نواحي الحياة كافة. ومن صفاته بره بوالديه وأسرته ومحبته للخير والعلم وشجاعته المتزنة وكرمه العظيم وصبره على المكاره وإنسانيته ورحمته بالغير. ومن صفاته أيضاً أنه لم يحقد على أحد في يوم ما حتى تجاه من ناصبه العداء أو أساء إليه، بل تمكن بفطنته وحكمته من تحويل خصومه إلى أصدقاء مخلصين له وعاملين معه.
أشار الأستاذ عباس محمود العقاد الذي قضى ثلاثة أيام مع الملك عبدالعزيز في البحر، وهو يرافق جلالته في اليخت المتجه إلى مصر لزيارتها رسمياً عام 1365هـ 1946م بدعوة من الملك فاروق إلى بعض ملامح شخصية جلالته في إحدى مقالاته التي تعبر عن بساطته وعفويته قائلاً: والملك عبدالعزيز محدث طلق الحديث يرسل أحاديثه على السجية بغير كلفة ويعرب عن رأيه الصريح بغير مداراة.
وعبر أيضا عبدالرحمن عزام عن الشيء نفسه قائلاً: ويمتاز الملك عبدالعزيز فوق خصال الشجاعة والكرم والعقل بتبسطة في الحديث وعدم التكلف فيه، والمؤانسة لزائره، وهو لذلك يترك أثراً عميقاً في نفس زواره.
كما عبّر جميل مردم وزير سوريا المفوض في مصر والمملكة العربية السعودية أثناء لقائه بجلالته في مصر عن إعجابه بمنهج الملك عبدالعزيز في أعماله وقال إن: " ما يمتاز به جلالته الدقة في جميع أعماله ومحافظته المدهشة على المواعيد فيمكن للمرء في كل وقت أن يعرف ماذا يصنع الملك؟".
وللملك عبدالعزيز منهج متميز في إدارة البلاد واختيار رجاله لتولي شئون الناس في أنحاء البلاد.
فقد كان يقوم بتوجيههم وإبلاغهم بالمبادئ التي ينبغي عليهم اتباعها عند تولي شئون الناس وذلك حرصاً منه على رعاية مصالح العامة والتأكد من عدم التعرض لحقوقهم وتحقيق الواجبات المتعلقة بهم.
فقد كان يوجه أمراءه نحو الحرص على مصالح الناس: "من قبل الحرص على الطرق والأمان وموازنة الناس فهذا شيء أعمل به جدك وأحرصك عليه جداً. ولكن عمدة أمري لك أن يكون جميع الناس راضين عنك الحاضرة والبادية ولا تمض بشيء إلا بأمر المحكمة الشرعية لأن ذلك أتم لأمر الله وأحسن للنفوس".
ويؤكد الملك عبدالعزيز نبض الحرص وعمق الاهتمام برعيته فيقول: إذا سكتم عن شيء مضر بكم ولا أطعتمونا به فإثمكم على أنفسكم وذمتنا بريئة. وهل يقف الملك عبدالعزيز عند هذا وتبرأ ذمته؟ يقول جلالته: "إذا اطلعنا ولو بعد حين أن أحداً مظلوم وجاري عليه شيء يغضب الله ويضره ولا بين لنا فيكون جميع أعيانكم والرؤساء منكم مسئولين عنهم وعليهم اللوم والعتاب إذا لم يبينوا للهيئة ما هو واقع على الرعية وسنجازيهم بالجزاء اللازم".
هذا شيء يسير عن شخصية الملك عبدالعزيز الذي يدل على الثبات والحكمة والحرص على الرعية والصبر والبحث عن الأفضل والاهتمام وتحمل المسئولية.
وسوف تظل شخصية الملك عبدالعزيز شامخة بإنجازاتها وشيمها العظيمة، ومصدراً للفخر والإعجاب والتأمل لما تركته من بصمات عميقة في تاريخ أرض الجزيرة العربية التي شهدت تطوراً حضارياً لم تشهده من قبل، وثباتاً على المبادئ الإسلامية إلى يومنا هذا. وسوف تظل هذه الشخصية التاريخية نبراساً للباحثين والدارسين والسياسيين من أجل التعرف على مكامنها الغنية التي جعلتها في قمة الشموخ الإنساني.
* أمين عام دارة الملك عبدالعزيز