هناك من الذكريات الكثيرة التي لا تنسى وان تقادمت وجعلتها السنون من حديث الامس ولعلي من الذين حملوا (المفكرة) منذ طفولتي ودونت بها احلى ايام العمر ورغم انني قاسيت الامرين من تلك المفكرة التي استنكرها اقراني انذاك فهي على حد زعمهم وفهمهم القاصر من مستلزمات الجنس الاخر فالفتيات هن من تطبعن على حملها وتدوين عواطفهن الجياشة وكان من العيب ان يؤمن بها رجل غير مسموح له حتى البكاء؟ فكيف يجرد النفس من الغلظة والقسوة التي هي مؤشر الفتوة والتحمل. ولن اكون كاذبا فقد توقفت عن كتابة مذكراتي المتواضعة منذ امد ليس ببعيد فلم يعد هناك بالنسبة لي شيء يستحق تذكره بعد تلك الفترة والطفرة الذهبية من العمر والايام التي رحلت لن تعود. عندما يبدأ الانسان حياته العملية يتكىء على مستقبل ملموس وهذا ما يفقده بالضرورة (الحلم) الذي طالما ناضل من اجله فالصورة اصبحت اكثر وضوحا والعمليات الحسابية لا تقبل الاحلام الوردية بل تلفظها في غياهب النسيان وهذا ما يجعلنا نهرع الى مذكراتنا ذات الاوراق الصفراء نستشف منها اشياءنا الصغيرة لكي تمنحنا حقيقة النفس التي لبست رداء المستقبل وتصنعت شخصيتها من واقع مفروض لا من واقع اردته انت لذاتك. ايضا من ايجابيات مادونته معرفة اصدقائك الذين ما زالوا يشاركونك الزمان والمكان فعندما يحصل الخصام بيني وبين احد المحاربين القدامى اراجع مواقفهم من واقع تلك الاوراق الصفراء فاجد نفسي يصيبها الحسرة والندم مما يجعلني من المبادرين بالمصالحة خصوصا اذا كان ذلك المحارب (الصديق) تحمل مني كثيرا من الهفوات والزلات فاجده اكثر مني خيرية وسجله يشهد له بذلك لعل المفكرة تعرينا من نزوة التكبر والتجبر؟ وقد قيل (من عرفك صغيرا احتقرك كبيرا) والمقولة صحيحة فعندما يفاجئك صديق قديم بمظهر الطاووس لن تتحمل منه تلك الهفوة وكيف وقد عرفته عاريا من دون ريش و"لا يحزنون" لذلك فلك الحق ان تنتزع منه ذلك الريش واحدة تلو الاخرى ولا تندم على ذلك فانت تعيده الى صوابه حتى لا يتمادى ويقول لمن حوله في لحظة تكبر وتجبر (انا الأعلى) وتكون انت انصفت نفسك من ذلك التعدي الذي لا يستند على اي حق، المشكلة الكبرى التي تواجه تلك المفكرة هي استمرارية البقاء النسبي. ماذا لو تزوجت هل سوف تجعل زوجتك تقرأ تلك الكلمات؟ انه انتحار بالنسبة للبعض وانتقاص بالنسبة لاخرين ايضا هل من حق زوجتك ان تطلع على هفواتك ونزواتك وارهاصات الطفولة شخصيا لا اوافق على ذلك فالشخصية المصطنعة من تراكمات العمر ترفض تلك المواجهة غير المتكافئة وبالمقابل لو زوجتك منحتك مفكرتها وقضيت انت واياها ليلة العمر كلا منكما يقرأ الاخر ما النتيجة الحتمية لتلك القراءة؟ اعتقد انها ليلة سوف تتحول الى ليلة (جنائية) هناك ايضا اسقاط اخر لو تجاوزت انت وزوجتك تلك المواجهة هل سوف تسمحان لاولادكما ان يقرأوا تلك الكلمات ويكتشفون بام اعينهم حقيقة الاب والام اللذين ما انفكا يتقمصان الكمال المزعوم في كل شاردة وواردة من محاضرات النصح والارشاد انها دعوة للتخلص من تلك المفكرة الصغيرة في حجمها الكبيرة في حقيقتها اذا كنت لا تملك الشجاعة الادبية للقول لمن لا يعرفك (لست ملاكا يمشي على الارض).
@@ مهنا صالح الدوسري