تعددت النظريات التي تحدثت عن نمو الطفل والعوامل التي تؤثر عليه وقد تناولت كل منها نمو الطفل من زاوية محددة ولكن لكي نستطيع فهم الصحة النفسية لاطفالنا لابد ان نتناولها من منظور شامل يشمل جميع هذه النظريات معا حيث ان كل منها يؤثر على الآخر.
العوامل التي تؤثر على الصحة النفسية للطفل:
- نمو الطفل هو تفاعل لمجموعة من العوامل البيولجية والبيئية.
1- العوامل البيولجية:
- مثل: الوراثة - العوامل التشريحية - العوامل الفسيولجية والكيميائية.
أ- الوراثة:
- وهي أهم العوامل حيث انها تشكل وتحدد العوامل البيولجية الاخرى وكذلك النفسية والبيئة.
- وتلعب الوراثة دورا هاما في نمو الطفل فكل صفات الطفل سواء الجسمانية مثل (الطول - لون الشعر - لون العيون - الخ) او الصفات النفسية مثل الشخصية والذكاء والمزاج وغيرها كل هذه الصفات تلعب الوارثة بها دورا هاما ورئيسيا.
- فاذا اخذنا الذكاء مثلا كصفة وراثية نجد ان هناك استعدادا وراثيا للذكاء بمعنى ان ذكاء احد الوالدين او كلاهما يعطى فرصة افضل للطفل ليرث هذه الصفة والعكس صحيح بمعنى ان انخفاض معامل الذكاء عند الوالدين قد يؤدي الى انخفاض معامل الذكاء عند الابناء ولكن ليس بنفس المقدار حيث ان الأب الذكي لديه من العوامل الوراثية والبيئية قدر قد لايتوافر مثيله لابنه وكذلك بالنسبة للحالة الاخرى ومن هنا يتضح اننا نرث استعدادا للذكاء ولا نرث الذكاء نفسه، فلو توافر لدى الطفل بقية العوامل المساعدة سيصبح ذكيا والا فسيكون ذكاؤه عاديا.
ب- عوامل تشريحية:
يتكون مخ الانسان من القشرة الدماغية ومركبات ما تحت القشرة والقشرة الدماغية مسئولة عن الوظائف العليا للانسان مثل التفكير، الاحساس، المشاعر، الكلام والذاكرة وغيرها ومن ثم يتضح لنا ان القشرة المخية هي التي تميز بنى البشر عن غيرهم من مخلوقات الله فهى غير موجودة بهذا الحجم والوظيفة في غير الانسان وتتكون القشرة من مجموعات من الخلايا كل مجموعة منها من حيث (التعليم - الذكاء الشخصي - العاطفة والتدين) كل هذا له اكبر الأثر على نمو الطفل. مرض وراثي كما رأينا ولكنها لا يحدث الا اذا تناول الطفل غذاء يحتوى على المادة التي يقوم بتمثيلها هذا الجين ولو اكتشف هذا الخلل عند الولادة نستطيع تحاشى الاصابة بالمرض وينمو الطفل بذكاء طبيعى.
نقص حامض الفوليك في طعام الأم الحامل قد يؤدي للاصابة بتشوهات في العمود الفقري (فالطعام هنا هو عوامل بيئية).
كذلك من خلال دراسة التوائم المتشابهة وجد انه اذا انفصل التوئمان فسيكون للبيئة دور هام في تحديد صفات كل منهما.
ففى احدى الدراسات التي تمت على 38 زوجا من التوائم الذين فصلوا في عمر مبكر مع اختلاف في البيئة المحيطة وجدوا ان 6 فقط من هؤلاء تشابهوا في الصفات النفسية (الشخصية - الذكاء - المزاج- الاندفاعية وغيرها) بينما توازنت النتيجة في 8 واختلف الآخرون اختلافات كبيرة.
ومن هنا يتضح لنا دور البيئة في نمو الطفل فلقد وجدوا ان هؤلاء التوائم الذين تربوا في ظروف بيئية افضل (من حيث الاهتمام - التعليم - الاخلاقيات - القدرة المادية) كانت قدراتهم وصفاتهم النفسية (الذكاء- الشخصية السوية - القدرات المعرفية - المهارات) افضل من اخوانهم الذين تربوا في بيئة محرومة من كل هذا.
وتتأثر البيئة بأشياء كثيرة مثل:
التعليم: فللتعليم دور هام في نمو الطفل فكيفما نربى ابناءنا يكونون فكل ماهو مكتسب من اخلاقيات يتعلمه الطفل من البيئة المحيطة سواء الاهل او المدرسة او وسائل الاعلام فكل هؤلاء مشتركون في النمو النفسي السليم للطفل.
الدين:
بث القيم الدينية في الطفل من الصغر يلعب دورا هاما في توازن الطفل ونمو شخصيته وتكيفه مع الضغوط النفسية التي قد يتعرض لها في المستقبل فالطفل الذي تربى على قيم دينية سليمة سيعلم ان للكون خالق عظيم يتحكم فيه وفينا نلجأ اليه في الشدائد مقاليد الامور كلها بيده نوكل له ما يعجزنا من أمر الدنيا.
القدرة المادية:
فكلما ازدادت القدرة المادية للبيئة المحيطة تزداد القدرة على توفير وسائل تعليمية افضل كذلك تقل بعض الضغوط التي من شأنها التأثير على الطفل في المراحل العمرية الاولى.
مقومات الوالدين:
تؤدي وظيفة حيوية منها ما اكتشفت وظيفته ومن لم يكتشف بعد فأى خلل في هذه الخلايا قد ينتج عنه خلل في الوظيفة في صورة مرض او سمات مرضية كالاندفاعية والعدوانية.
فلكي ينمو الطفل بطريقة سليمة لابد من ان تتوافر لديه هذه العوامل فمثلا تكون المخ عند الجنين في خلال الشهور الثلاثة الاولى من الحمل وبعد هذا يكون التطور في حجم الخلايا وليس في عددها وكذلك يستمر نمو المخ حتى في الشهور الستة الاولى من حياة الوليد فتنمو خلايا القشرة المخية وتزداد في الحجم وهذا بالطبع يؤثر على الوظائف فلكل وظيفة موعد محدد تكتسب فيه بناء على نمو الخلية او المركز المسئول عنها في المخ ولهذا ارتباط وثيق بالنمو النفسي والجسدي للطفل فمثلا:
الطفل عندما يبتسم للأم في الشهر الاول لايعني هذا انه ميزها وذلك لان قدرته على الابصار لم تنم بعد بصورة كافية ولكنها تحدث بصورة فطرية.
نحن لا نستطيع ان ندرب ابناءنا على القراءة في عمر سنة مثلا وذلك لعدم نمو الخلايا المسئولة عن هذه الوظيفة بعد.
كذلك لا يستطيع الطفل ان يحفظ توازنه في عمر 6 شهور لنفس السبب.
ومن ثم يتضح لنا ان العوامل التشريحية تحدد وتؤثر على نمو الطفل النفسي والجسدي.
العوامل الفسيولوجية والكيميائية:
ولعلم وظائف الاعضاء دور هام في نمو الطفل حيث ان اضطراب الاشارات الكهربائية في المخ قد يتوافق ظهوره مع بعض الاعراض المرضية مثل زيادة الاندفاعية والعدوان.
وكذلك الخلل في الموصلات العصبية ونقص بعض المواد الكيميائية في المخ يؤدي الى ظهور بعض الاعراض المرضية مثل الاكتئاب - والاندفاعية- فرط الحركة - نقص الانتباه - العدوانية.
2- العوامل البيئة:
وتلعب البيئة دورا هاما لا يقل اهمية عن دور الوراثة في نمو الطفل فنحن نتكون ونحيا من خلال تفاعل مجموعة من العوامل منها ماهو بيولجى وما هو بيئيى والناتج هو نحن بمشاعرنا وافكارنا وسلوكياتنا.
وهذا التفاعل يؤثر على كل شىء في الطفل سواء جسمانيا او نفسيا والدلائل على هذا كثيرة مثل:
هناك نوع من التخلف العقلي يحدث نتيجة لخلل في احد الجينات المسئولة عن تمثيل الغذاء ولكن هذا المرض على الرغم من انه ومن خلال تفاعل الوراثة والبيئة ينمو الطفل وكل منهما يؤثر على الاخر فالبيئة قد تساعد على ظهور او عدم ظهور الصفة الوراثية فمثلا قد يرث الطفل استعدادا وراثيا للذكاء من الوالدين ولكن اذا نشأ في بيئة قليلة المنبهات وحرم من التعليم فلن يظهر هذا الذكاء وكذلك تؤثر الوراثة على البيئة فالوراثة تختار لنا البيئة المحيطة بنا (الأب-الأم- المكان- التعليم) ومن ثم تؤثر على اخلاقياتنا واهدافنا.
ومن هنا يتبين لنا ضرورة ان تتواجد وتتفاعل هذه العوامل بطريقة سليمة من اجل النمو الطبيعي للطفل والدليل على هذا نستقيه من مجموعة من ملاحظات وتجارب العلماء في هذا المجال:
الاطفال الذين يتعرضون في المراحل الاولى من العمر لحرمان عاطفي ونفسي (مثل اطفال الملاجىء) يقل مستوى النمو البدنى لديهم بمقدار 50% عن اقرانهم ومن الممكن ان يؤدى الى ما يعرف بالقزم الناتج عن الحرمان النفسي والاجتماعي.
كذلك الاطفال الذين لا يتعرضون لمنبهات بيئية مختلفة اثناء مراحل النمو الاولى لن تنمو عندهم اللغة والوظائف المعرفية والمهارات الاجتماعية بصورة سليمة وقد لاتنمو على الاطلاق، وهناك قصة شهيرة لطفل يبلغ من العمر 12 عاما وجده الصيادون في فرنسا في القرن الثامن عشر ووجدوه طفلا متوحشا يحيا كالحيوانات لا يستطيع السير على قدميه او الحديث بلغة مفهومة وقد اخذه طبيب يدعى ايتارد وحاول تدريبه على المهارات التي يفتقدها ولكنه لم يحرز تقدما ملحوظا.
وقد خلص العلماء من هذا ان في حياة الانسان مراحل عمرية تكون حرجة بالنسبة للنمو الصحي فلو مرت بسلام وبصورة طبيعية فسيساعد هذا على النمو الطبيعي للطفل اما لو حدث في اثنائها اى خلل فلن يستطيع الطفل تعويض ما فاته.
التوصيات:
ومن ثم يتضح لنا اهمية الاهتمام بمراحل نمو الطفل وتهيئة الظروف المناسبة لها وذلك عن طريق:
يقول الرسول عليه الصلاة والسلام:(تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس) فاذا اختار الأب الأم الصالحة وكذلك هي فقد تخير لنسله الوراثة والبيئة وتحرى قدر ما استطاع.
الاهتمام بتوفير العوامل البيئية المختلفة والتي توفر للطفل الظروف الملائمة للنمو السليم من تعليم ودين وامكانيات مادية مناسبة.
الايمان بأننا نحن البشر نختلف عن بعضنا في القدرات فلا يوجد اثنان متطابقان حتى وان كانا توأمين او أب وابنه أو أم وابنتها فاذا ادركنا قدرات الابناء لم نكلفهم ما لايطيقون وجنبناهم الكثير من المشاكل والامراض النفسية فليس بالضرورة ان يكون لابنائنا نفس درجة الذكاء او نفس سمات الشخصية او الطموح فاختلاف ابنائنا عنا ليس معناه عقوقهم وليس معناه الضغط عليهم.
لابد ان نتحاشى بعض السلوكيات في الاسرة والتي قد تؤدي الى حدوث الامراض النفسية.
النقض المستمر لسلوكياتهم.
الهجوم المستمر على الطفل والعدوانية في الحديث معه.
التجاهل سواء من الجانب العاطفي او المادي.
فرط التدليل.
الاهتمام بالصحة النفسية للطفل هو نواة لنشأة شباب سوى قادر على تحمل أعباء الحياة ووسيلة فعالة لتحاشى الكثير من المشاكل النفسية والاجتماعية في المجتمع.
@@ الدكتورة غادة عبدالرزاق ـ مستشفى الأمل للصحة النفسية