أخبار متعلقة
اليوم ونحن نعيش غمار ثورة تكنولوجية هائلة اثرت بشكل مباشر في تغيير العادات الغذائية, لاسيما في مجتمعات الدول المتقدمة التي باتت تعاني مما يطلق عليه الخبراء امراض العصر والمشاكل الصحية المرتبطة بالتغذية ويأتي في مقدمتها السمنة, حيث ارتفعت معدلات الاصابة بها بصورة مخيفة في مناطق عديدة من العالم, ففي الولايات المتحدة الامريكية على سبيل المثال تشير التقارير الى ان نحو 55% من البالغين يعانون زيادة الوزن بينما يتم تصنيف 23% منهم ضمن فئة المصابين بالسمنة. وهو ما ادى بدوره الى ارتفاع معدلات الاصابة بداء السكري, وامراض القلب والشرايين وارتفاع ضغط الدم والسكتة الدماغية بالاضافة الى وهن العظام وامراض الاسنان وغيرها من الامراض الاخرى المرتبطة بالغذاء.
عادات غذائية
اما في المملكة العربية السعودية فقد وصلت معدلات السمنة الى حدود لايمكن تجاهلها, حيث ساهمت عدة عوامل من اهمها ارتفاع القوة الشرائية بين شرائح المجتمع المختلفة وانتشار مطاعم الوجبات السريعة وتغير العادات الغذائية مع تدني مستويات المجهود الحركي والنشاط البدني في تكوين ملامح هذا الوضع المتفاقم, وهذا ما اكدته الاحصائيات التي اوضحت ان حوالي 66% من النساء السعوديات يعانين من زيادة الوزن, وان 52% من اجمالي تعداد البالغين في المملكة مصابون بالسمنة, في حين تصل هذه النسبة الى 18% بين من هم في سن المراهقة و 15% بين الاطفال قبل سن المدرسة, حتى الرضع لم يسلموا ايضا من الوقوع تحت براثن السمنة وذلك بنسبة 7%.
حملات توعية
وللوقوف على مدى حجم وابعاد هذه المشكلة الغذائية المؤثرة فقد قام فريق من الباحثين في وزارة الصحة بالتعاون مع اخصائيين من قسم الكيمياء الحيوية بكلية الطب ـ جامعة الملك سعود, باجراء دراسة تحليلية حول السمنة واسبابها. وجاءت نتائج هذه الدراسة حيث اظهرت ان معدلات الاصابة بالسمنة في المدن والتجمعات السكانية الحضرية تزيد عنها في المجتمعات القروية وخلصت الدراسة الى ضرورة التركيز على حملات التوعية الغذائية ودورها في التعريف باهمية تناول الغذاء المتوازن واداء التمارين الرياضية المنتظمة للتمتع بصحة جيدة في مقابل مضار الافراط في تناول الاغذية التي تحتوي على سعرات حرارية مرتفعة.
معدلات النسب
واضاف الدكتور بارفين رشيد, اخصائي طب الاسرة والمجتمع, في تعليق على الوضع الغذائي في المملكة العربية السعودية, بقوله: لقد وصلت معدلات السمنة في المملكة العربية السعودية بين البالغين من الرجال والنساء على حد سواء, لاسيما من تجاوزوا سن الاربعين, الى نسب مرتفعة. ويتضح هذا الى حد بعيد اذا علمنا ان اكثر من ثلاثة ارباع النساء في المنطقة الشرقية 78.4% ممن تجاوزن هذه السن يعانين زيادة الوزن بشكل كبير. والامر لايقف عند هذا الحد فحسب, حيث تصل نسبة السمنة بين الشباب الذين تتراوح اعمارهم بين 15 - 25 سنة الى 30 - 40% وهو معدل مرتفع دون ادنى شك.
عدم التوازن
تحدث السمنة ببساطة نتيجة عدم التوازن بين كمية الطعام التي نتناولها وكمية الطاقة التي تستهلكها اجسامنا. وغالبا ما تميل النساء في بعض المجتمعات الى الافراط في تناول الطعام حتى دون الاحساس بالجوع, نتيجة عوامل نفسية وثقافية واجتماعية وعاطفية كوسيلة للهروب من الواقع والتغيير اللاشعوري عن رفض الضغوط النفسية والاجتماعية.
وقد لا يختلف الكثير على ان العادات الغذائية تعكس بصورة او باخرى حالتنا النفسية والاجتماعية. فاجتماعنا سويا لتناول الطعام يدل على رغبتنا في تعزيز الروابط الاجتماعية, وغالبا ما تبدأ الخطوة الاولى في اية علاقة عاطفية بدعوة على العشاء. ومن ناحية اخرى فان توافق العادات الغذائية بين الزوجين يلعب دورا هاما في توطيد العلاقة بينهما وترسيخ الروابط الاسرية.. ولم لا اذا كان الطريق الى قلب الرجل معدته.
السمنة - أحد أشكال سوء التغذية
ترتبط سوء التغذية في اذهان معظمنا بنقص الغذاء والنحافة, وهذا مفهوم منقوص وغير مكتمل تماما, حيث يعد نقص الغذاء والسمنة وجهين لعملة واحدة اسمها سوء التغذية. ولم تعد امراض سوء التغذية هي سمة من سمات المجتمعات النامية فحسب, بل انها, متمثلة في السمنة, تنتشر الآن بصورة واسعة في الدول الاكثر نموا مثل الولايات المتحدة الامريكية ودول غرب اوروبا. وهذا ما اكده احد التقارير التي نشرت مؤخرا واشارت الى تساوي اعداد المصابين بالسمنة والنحافة الزائدة على مستوى العالم وان كلا من زيادة الغذاء ونقص الغذاء يتسببان بنفس الدرجة في احداث الامراض الخطيرة والاعاقة وتدني متوسط الاعمار بالاضافة الى ما لهما من اثر واضح في خفض معدلات الانتاج ومن ثم عرقلة حركة التنمية. وقد ادى انتشار هذا الزخم الكبير من القنوات التليفزيونية الفضائية والاعتماد على الحاسب الآلي في انجاز كافة الاعمال وتعدد انواع وسائل الراحة والرفاهية بالاضافة الى انتشار مطاعم الوجبات السريعة، الى تغير نمط الحياة وتقليص دور الحركة الجسدية بصورة واضحة في معظم الانشطة اليومية والميل الى الجلوس لمدد طويلة، وهو ما احدث بدوره تغييرا كبيرا في نوعية التغذية والعادات الغذائية السائدة في منطقة الخليج بصفة عامة والمملكة العربية السعودية على وجه الخصوص حيث بات اهتمام المستهلكين يتركز على نوعية ومذاق الغذاء الذي يتلاءم مع نمط الحياة الحديثة على حساب قيمته الغذائية والمحصلة الحتمية في النهاية هي الاصابة بالسمنة وامراض سوء التغذية. وفي اطار الجهود المبذولة لمكافحة السمنة على الصعيد المحلي فقد كانت الوجبة المتوازنة وبرامجها ودورها في المحافظة على صحة الاسنان هي محور المناقشات والاجتماعات التي شهدتها كافة مناطق المملكة العربية السعودية ضمن فعاليات اسبوع العناية بالاسنان حيث صرح الدكتور عبدالرحمن اليماني مشرف قسم طب الاسنان في وزارة المعارف قائلا: من الضروري ان ندرك ان التغذية الصحية تكمن في الغذاء المتوازن - فلا نفرط في تناول نوع ما من الغذاء على حساب نوع آخر بل يجب ان نتأكد ان الطعام الذي نأكله يمدنا بكافة العناصر الغذائية التي يحتاجها الجسم.
التوازن الغذائي وممارسة الرياضة - لمكافحة السمنة
الآن وبعد ان تحدثنا عن السمنة واسبابها ومضاعفاتها قد يتساءل البعض عن افضل الوسائل الفعالة للوقاية ومكافحة السمنة حسنا.. ان الامر في غاية البساطة والسهولة وهو يتعلق بالاهتمام بالتوازن بين الكيف والكم في الغذاء، واتباع نظام غذائي تنخفض فيه كميات الدهون والمواد الكربوهيدراتية المركبة مع التركيز على تناول الفاكهة والخضروات الطازجة وانواع اللحوم منخفضة الدهون مثل الاسماك والدواجن بالاضافة الى مزاولة الرياضة الخفيفة بصورة منتظمة وهكذا يمكننا ببساطة التغلب على السمنة والتمتع بحياة تملؤها الصحة والعافية.
السمنة - احد امراض العصر الشائعة في المنطقة
وتشير نتائج كافة الدراسات العلمية التي اجريت حول علاقة الغذاء بالمرض ان الافراد الذين يحافظون على تناول الغذاء المتوازن الصحي يمكنهم بسهولة التحكم في الوزن ويصبحون اقل عرضة للسمنة من غيرهم، كما تلعب التمارين الرياضية واداؤها بشكل منتظم دورا هاما في ذلك ايضا حيث تساعد على سرعة اتمام عمليات التبادل الايضي الحيوية بالنسبة للجسم.
ان الحرص على تحقيق التوازن الغذائي في طعامنا ومشربنا والاهتمام بدرجة اكبر بممارسة التمارين الرياضية يعدان من العوامل الحاسمة في مكافحة السمنة وامراض سوء التغذية تلك الآفة الخطيرة التي تفتك بمقدرات وموارد الشعوب، فاليوم ونحن على اعتاب القرن الحادي والعشرين يتميز باتساع مصادر العلم والمعرفة، تشهد المملكة العربية السعودية نهضة شاملة في كافة مناحي الحياة مع ظهور اجيال جديدة في المملكة العربية السعودية على قدر عال من الوعي والادراك تمتلك القدرة على تحديد ابعاد المشكلة وتقييم مدى خطورتها على المجتمع ككل ومن ثم علاجها علاجا جذريا فالعقل السليم في الجسم السليم.
التوعية منذ الصغر واجب وطني