لا أعلم متى يمكن فض الاشتباك بين الكتاب والمصحح اللغوي في هذه الصحيفة وفي غيرها؟ أنا أتحدث اليوم عن قضية عامة تمس كل من اتخذ الكتابة هما وطريقا، الكتابة متعة ومسؤولية منغصاتها كثيرة إلا أن المصحح اللغوي هو المنغص المزمن الذي لا يعتق مقالا أو فقرة وأنبه إن هذا الهم لا يقتصر على هذه الصحيفة بل هو هم عام في كل ما ينشر من صحف ومجلات وكتب ورسائل علمية فمن اعتاد حضور المناقشات العلمية لرسائل الماجستير والدكتوراة يرى أنها لا تخلو من أخطاء طباعية كثير منها اقتراحات الطباع الذي فوض نفسه مصححا لغويا لذا ننصح طلاب العلم بأن يقوموا بطباعة رسائلهم بأنفسهم تجاوزا لتلك الأخطاء، هذا بالنسبة للرسائل العلمية فكيف يعالج كتاب الصحف تدخلات المصححين اللغويين؟ هل يقوم الكاتب بصف مقاله؟ وما الطريقة؟ إننا نرسل المقالات مطبوعة ونلتزم بعلامات الترقيم وبالشكل أحيانا بل إننا نحرص على أن تكون النصوص القرآنية منسوخة من المصحف الإلكتروني مباشرة حتى نأمن الوقوع في الخطأ لكن المصحح الفاضل لا يراعي ذلك ويأبى إلا أن يصول ويجول ويترك بصماته بكل تأثيراتها السلبية على المقال. في زاوية يوم الخميس 19 من رمضان 1424هـ التي بعنوان (هل إلى مرد من سبيل؟) قام المصحح الفاضل بتصحيحات إملائية ومعجمية فاختار أن يكتب الفعل (تجرأ) مسندا إلى ضمير جماعة الذكور بالطريقة القديمة (تجرأوا) في حين كنت قد اخترت الطريقة التي أقرها المجمع اللغوي وهي كتابة الهمزة على واو (تجرؤوا) وما كان هذا ليزعجني فالأمر خلافي والاختيار مشروع، لكن المقال تكررت فيه اختيارات تصحيحية مقترحة من المصحح الفاضل وتؤثر في سياق المعنى منها أنني قلت: "كيف تسلط على أولئك المضللين فكر شرير" وتفضل المصحح بحذف إحدى لامي المضللين لتظهر في المقال (المضلين) وأنا كنت أقصد اسم المفعول فأراد المصحح أن يجعله اسم فاعل مما يغير المعنى. وقلت:" فالعنف والتدمير وانتهاك الحرمات لن يكون يوما وسيلة للفت النظر" فأبى سعادته إلا أن يأتي بكلمة جديدة (وسيل)، وأرجو أن يفيدني بمعناها لأنني لا أعرف لها معنى إلا أن يكون العذر سقوط التاء المربوطة على طريقة سقط سهوا! ؛ فإذا قبلنا سقط سهوا في وسيلة فماذا نقول عن تحويل (مشرعة إلى مشروعة) في قولي: " إن أبواب الأمل مازالت مشرعة" لقد حولها المصحح إلى مشروعة وأظن أن التباين في المعنى يخل بما أردت التعبير عنه. يبدو أن الاشتباك بين الكتاب والمصححين لن يفك، وأكثره مرارة ما يغار فيه على أعمال إبداعية حدثتني إحدى طالباتي المبدعات وهي الآن زميلة عمل معيدة في قسم اللغة العربية (عزة الشدوي الغامدي) أنها أرسلت مقالا إبداعيا لمجلة فتدخل المصحح في الوصل والفصل والحذف ونقل الفقرات مما أصابها بالهلع والألم، كانت تشكو والمرارة تعصرها وثورة على المجلة ومصححها تأخذ بنفسها وقلمها فنصحتها أن تخاطب رئيس التحرير وتطالب بإعادة نشر إبداعها؛ لكن هل هذا سينهي تدخلات المصححين؟ لقد شكا من قبلنا وسنستمر في الشكوى مادمنا نواصل الكتابة ويواصل المصحح تدخله. أذكر أنني كتبت مرة في هذه الصحيفة بتاريخ 19 محرم 1423هـ عن هذا الموضوع وأصابني اليأس بعدها قررت التوقف عن الشكوى وكلي ثقة في أن القارىء يستطيع فهم غرض الكاتب لكن ما أثارني هذه المرة أن موضوع المقال كان وجعا وطنيا ظننت أن يد المصحح ستنأى عنه احتراما لشحنة العاطفة الصادقة فيه.