ان المناهج التعليمية السديدة هي القادرة على الاستجابة لمتطلبات ومتغيرات عصرها مع الاحتفاظ بثوابت المجتمع وفلسفته ومعتقداته وقيمه الأخلاقية والحياتية.. ولقد استجدت في العقدين الاخيرين امور حياتية واجتماعية واقتصادية على درجة كبيرة من الاهمية على المستوى المحلي والاقليمي والعالمي, ومن ابرزها:
- قضايا البيئة والتلوث بأنواعه العديدة وما يهدد صحة الانسان وسلامته محليا وعالميا.
- قضايا الأمن الاجتماعي وكافة انواعه على الصعيد المحلي والاقليمي والعالمي فكريا وعمليا. ولكيلا تتهم مناهج التعليم في بلادنا بالجمود والتخلف وبالابتعاد عن القضايا الحيوية التي تمس افراد المجتمع مباشرة فان مناهج التعليم يجب ان تعالج هذه القضايا والمستجدات بطريقة علمية وتربوية ذات كفاءة عالية سواء في مناهج التعليم الجامعي او العام او التخصصي بحيث يبدأ بها في المرحلة الابتدائية بترسيخ المفاهيم الاولية في عقول الناشئة ثم التوسع التدريجي في المرحلة التالية, لاعداد الاجيال لمواجهتها والتعامل مع مشكلاتها ايجابيا عن علم وفهم ووعي. وفي المجتمع السعودي تبرز قضايا حيوية كغيره من مجتمعات العالم المعاصر مع خصوصية المجتمع وتطوراته.. وهي تستحق قرارا تربويا سديدا ومن اهم هذه القضايا:
- قضية البيئة ومشكلاتها وحلولها بحيث تكون مسئوليتها على الدولة وافراد المجتمع ولا يتأتى ذلك الا من خلال مناهج التعليم وبرامج التنوير والتثقيف والانظمة والقوانين ولكن افراد المجتمع الذين هم في كلهم مخرجات التعليم بأنواعه لا يمكن ادراكهم الواعي لهذه القضايا الا من خلال المناهج التي تطرحها بشكل علمي منهجي صحيح ومن خلال برامج التثقيف والتنوير التي تعزز دافعية الاستجابة وتنمي الوعي وتحفز على العمل الايجابي.
- قضايا الأمن ومن بينها الامن والسلامة المرورية في ظل تزايد حوادث المرور بشكل خطير جدا وسقوط آلاف القتلى والمصابين والتدمير الاقتصادي والبيئي وقضايا الامن الاجتماعي ومكافحة الجريمة والمخدرات والارهاب.
- قضايا الاسرة وتصاعد نسب الطلاق والعنوسة والجنح الاخلاقية عند الاحداث وبعض الشباب من الجنسين ومشكلاتها وايجاد الحلول لها ولا يمكن ادراكها من خلال مقالة او برنامج اعلامي واحد ولكن تعتبر المناهج التعليمية التي تعد جميع افراد المجتمع هي التي تضع الاسس العلمية والثقافية لحلولها من خلال تنمية الوعي والادراك لدى الاجيال بالمشكلات وكيفية حلولها. وهذه القضايا الخطيرة وغيرها كثيرة تلك التي تتطلب ان تتضمنها مناهج التعليم في البلاد, ومنها ايضا.. مسألة الانتخابات وتنمية الوعي الانتخابي لدى مخرجات التعليم لاسيما ان حكومة المملكة لديها خطط في اتباع السياسة الانتخابية في مجالسها التنفيذية والتشريعية ولا يتحقق الوعي الانتخابي الا بتأصيل القيم الانتخابية من خلال مناهج التعليم والتثقيف والبرامج الاعلامية حتى نصل بالمجتمع الى مرحلة النضح الانتخابي والقدرة على تحقيق اهدافه بطريقة تكفل سلامة النتائج ورقي هذه السياسة الاصلاحية التي تحتمها المتغيرات المعاصرة والتوجهات الوطنية لحكومة المملكة. واجد من الجدير بالذكر في هذه المقالة ان القي الضوء على بحث علمي عن التربية البيئية كمثال على قضايا البيئة وسأتناول مستقبلا ما يتعلق بالقضايا الاخرى. مستعرضا جهدا علميا رائدا يستحق ان يكون على مائدة القرار التربوي والتعليمي لدى السلطات التي سبق ذكرها في هذه المقالة.. ولاهميته العلمية عن "التربية البيئية" فانه جدير بالتعريف والتقدير وجدير بان يكون مرجعا لاصحاب القرار التربوي والبيئي:
عنوان البحث: "التربية البيئية واهمية طرق تضمينها في مناهج التعليم العام والجامعي".. اعداد كل من:
- الدكتورة مريم بنت عبدالله سرور الصبان.
- الدكتورة جواهر بنت احمد قناديلي.
وهما من قسم الادارة التربوية والتخطيط بكلية التربية بجامعة "ام القرى" بمكة المكرمة. وفي مقدمة البحث عن الاهمية للعلاقة بين الانسان والبيئة.. تتحدد اهداف "التربية البيئية" في: تنمية القيم الاسلامية لدى الطلاب عن البيئة وعدم افسادها. تشجيع البحوث المؤدية الى فهم افضل للتربية البيئية. تطوير برامج ومناهج تعليمية عنها. ايضاح دور المعلم في اكتساب الطلاب المهارات اللازمة للتعامل مع البيئة. تدريب المعنيين بـ (التربية البيئية) من اداريين ومخططين وواضعي المناهج التعليمية.
واوصت الباحثتان باللآتي: ادراج التربية البيئية في المناهج الدراسية والانشطة غير الصفية. تضمين المنهج البيئي في مناهج المرحلة الابتدائية للبنين والبنات. توفير المراجع العلمية عن البيئة للمعنيين بالمناهج وبالتدريس من المعلمين والمعلمات والطلبة بنين وبنات. الاهتمام بالاستفادة من البيئة المحلية للمدرسة. استخدام الاسلوب الخاص بالمنهج الدمجي حين اعداد المناهج الدراسية في التعليمين العام والجامعي. اعداد مقررات دراسية عن البيئة في التعليم الجامعي. تضمين التربية البيئية في برامج اعداد المعلمين والمعلمات وبرامج تدريبهم. وتوضح ادبيات البحث ان الاهتمام بالبيئة ظهر نتيجة تفاقم مشكلاتها التي خلفتها الحرب العالمية الثانية.. ففي عام 1971م اجتمع 2200 عالم في مدينة مونتون الفرنسية للتباحث في مشكلات البيئة وبعثوا رسالة الى هيئة الامم المتحدة وسجل موقفهم فيها بشكل رسمي.. وفي 1972م عقد مؤتمر ستوكهولم للبيئة وحضرته 115 دولة وذلك لوضع الأسس العامة لبرامج التربية البيئية في التعليم الحكومي والاهلي وفي عام 1977م عقد في مدينة تبليسي مؤتمر عن التربية البيئية الذي توصل الى استراتيجيات عملية للتربية البيئية. ولقد نص النظام الاساسي للحكم بالمملكة في المادة (32) على (ان تعمل الدولة على المحافظة على البيئة وحمايتها ومنع التلوث عنها بشكل يحفظ لها توازنها). ويقول تعالى: "والارض مددناها والقينا فيها رواسي وانبتا فيها من كل شيء موزون" سورة الحجر اية: 19. ولقد عرف برنامج الأمم المتحدة عام 1987م التربية البيئية بأنها (العملية التعليمية التي تهدف الى تنمية وعي المواطنين بالبيئة والمشكلات المتعلقة بها.. وتزويدهم بالمعرفة والمهارات والاتجاهات وتحمل مسئوليتهم الفردية والجماعية لحل المشكلات المعاصرة والعمل على منع ظهور مشكلات بيئية جديدة).ويرى وليم ستاب (1978م).. "ان الهدف العام للتربية البيئية هو اعداد مواطن ايجابي لديه القدرة على اتخاذ القرار ويلتزم بتحمل المسئولية ولديه اهتمام بالبيئة ودراية بمشكلاتها ومختلف مكوناتها الطبيعية والاجتماعية والنفسية والجمالية". وعرف البحث المدخل الاندماجي لمناهج التربية البيئية بانه يعنى بتضمين او اندماج البعد البيئي في المواد الدراسية التقليدية بادخال معلومات بيئية او ربط محتوى المنهج التعليمي بقضايا البيئة.. ويعتمد على جهود المعلمين والمعلمات والمشرفين والاداريين وواضعي المناهج.. دون اضافة كم تراكمي من المعلومات التي تشكل اعباء على المناهج الدراسية.. غير انه ينبغي الاهتمام بتحديد الموضوعات والقضايا البيئية بدقة وترتيبها واندماجها في المحتوى لمناهج العلوم والدراسات الاجتماعية.. ولمزيد من المعرفة اوصى باطلاع اصحاب القرار التربوي على هذا البحث ومصادره.