استضافت اسرة اتحاد كتاب وادباء البحرين مؤخرا الناقد محمد الحرز في محاضرة حول النقد الثقافي معضلة النسق قبالة التاريخ والوعي وقد بدأ الحرز محاضرته التحليلية قائلا:
بناء على ما تقوله نظرية الغذامي حول النسق سنختار أحد السيناريوهات المحتملة حول ما يجري في العراق من أحداث :
لنتصور بعد جهد مضن من البحث والتفتيش والمطاردة سيتمكن جيش الاحتلال الأمريكي من الإمساك بالطاغية صدام حسين واعتقاله مع البقية الباقية من زمرته , وسنراه بعدئذ ماثلا أمام محكمة العدل الدولية بوصفه واحدا من أشهر مجرمي العصر وأشدهم خطرا على الإنسانية وعلى قيمه المدنية الحديثة , وبالطبع أمام سيل الاتهامات الجارفة ستتاح الفرصة للمتهم للدفاع عن نفسه من خلال جوقة من المحامين - وهل هناك أكثر إغراء من الدفاع عن رئيس دولة !! - حيث سيقومون بالمهمة على أكمل وجه . ولو حاولنا أن نضيف على هذا التصور شيئا من الخيال العلمي باعتباره كما يقول أمبرتو إيكو ( خيالا لا يقول ما الذي سيحدث بالضرورة , إلا أنه يصلح لقول ما الذي يمكن أن يحدث)1 , فأننا سنجد أن المحامين وفي سياق بحثهم عن الأدلة التي تدفع التهم عن صدام أو على الأقل تسقط بعضها عنه سيلجأون بالتأكيد إلى مفهوم الثقافة النسقية عند الغذامي الذي سوف يمدهم بالمبررات اللازمة التي تحيل التهم إلى الثقافة ذاتها وليس إلى صدام كذات إنسانية تمتلك الوعي والإرادة , والفرق واضح وصريح بين الاثنين ,فالنسق الثقافي عند الغذامي باعتباره ( العملية التي تولت تحويل القيم من معانيها الإنسانية إلى معان شعرية )2 ذات صبغة فحولية ولا أخلاقية , هو المسئول الأول والأخير عن صناعة الطاغية في موروثنا العربي الإسلامي ,وبما أن عملية التحويل- حسب النظرية - تجري بمنأى عن مؤثرات الوعي الإنساني ومقصديته , فإن صدام في هذه الحالة لا يتحمل وزر أفعاله على الإطلاق , وإنما النسق أو لنقل الإنسان منظورا إليه من خلال اللاشعور فقط هو الذي يتحمل أفعال جميع الطغاة الذين مروا على التاريخ الإسلامي بمن فيهم صدام بالطبع , والنتيجة هي حصول صدام على صك براءة من المحكمة بعد أن دخلها مجرما وخرج منها بريئا بقدرة قادر.
ويرى الحرز السيناريو الذي طرحه ان تلك النتيجة ستشجع بن لادن - مثلا - للقيام بتسليم نفسه إلى القوات الأمريكية, وانتظار محاكمة على شاكلة ما سبق.
ويؤكد أن اتكاءه على السيناريو السابق كمدخلية نقدية لمقاربة نظرية النقد الثقافي للغذامي يعود في مجمله إلى عدة اسباب هي:
أولا :لم تعد المعرفة في الخطاب ما بعد الحداثي تشكل قيمة في حدٍّ ذاتها , لقد اعترتها التحولات , ونظرية جان فرانسوا ليوتار الذي هو واحد من منظري ما بعد الحداثة قائمة على رصد هذه التحولات, فالمعرفة - في رأيه - منفقة ليست بريئة على الإطلاق , وعولمتها تضفي عليها سمة الفوضى والتشتت واللامعنى , والخيال العلمي كما افترضناه في السيناريو السابق يعكس جانبا كبيرا من هذه السمات , وذلك إعتمادا على الإمكانيات الكبيرة التي يقدمها في التقريب بين الواقع والخيال إلى الحدٍّ التي تختفي فيها المرجعيات والحدود.
ثانيا: انطلاقا من المنظور السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي للمجتمعات ما بعد الصناعية حسب توصيف عالم الاجتماع آلان تورين , أو للمجتمعات الاستهلاكية حسب تعبير فردريك جيمسون فإن المحـاولات الجـادة التي قام بها جـون بودريار في تفكيك الواقع الإسـتيهامي أو الفوقي (السيمولاكر) الذي تصنعه شبكة من العلاقات تقوم على الإعلام والأنترنيت والموضة ورموز العولمة والسرد البصري الفوتوغرافي والسينمائي حيث من خلاله يظهر هذا الواقع وكأنه (يعبر عن لا واقعيته بتعاليه عن الزمن والحدث التاريخي)4 . إذن هذه المحاولات كشفت النقاب عن لعبة التمويه والاحتيال الذي يمارسها هذا الواقع ضد إنسان هذه المجتمعات ,وذلك حينما يستهلك (الصور والأيقونات الإشهارية التي ترتسم وتتجذر في مخيلته وتمارس عليه نوعا من الافتتان أو التنويم المغناطيسي ليعبر عن سخافته وقذارته كما يقول ميشال دو سارتو)5.
لقد انتهى بودريار في كتابه (كلمات الجواز ) إلى أن الواقع مجرد سراب لا ينفك عن الابتعاد والاختفاء كلما اقتربت منه التحليلات أو حاولت وصفه الخطابات.
ثالثا: يهدف التوصيف السابق إلى الكشف عن أمرين اثنين , أولوهما هو تبيان مقدار القوة التي تستبطن الواقع الفوقي حينما تعمل على تحويل كل خطاب معرفي من المسار العامودي إلى المسار الأفقي وذلك برسم الاستهلاك والتوظيف السياسي والاقتصادي والثقافي , عندها تنتفي خصوصية كل خطاب معرفي ويصبح التجاوز والتّذري يشدان أطراف كل معرفة تُنتج على خلفية هذا المشهد . هذا يقودنا إلى الأمر الثاني وهو أن نظرية النقد الثقافي لا تحيد عن ذلك.
ويؤكد انه يمكن هنا أن تتحول النظرية من صك براءة إلى صك إدانة عن طريق تفعيل الميديا وطرائقها في الواقع الفوقي.
ويتساءل الحرز: لماذا نظرية النقد الثقافي بالذات ؟! ألا يمكن أن تكون أغلب المشاريع الفكرية العربية الأخرى تخضع للعبة نفسها التي تخضع لها هذه النظرية , وبالتالي لا يمكن الإتكاء على هذا المنظور من التحليل؟
ويجيب: علينا أن نتريث هنا قليلا لأننا إلى الآن لم نقترب من مساءلة منطق النظرية ومرجعياتها الفكرية حتى ندعي خلاف ما يثيره السؤال من إشكال , ولكنء مبدئيا يمكننا القول أن المظاهر التقويضية و اللايقينية والعدمية والفوضى التي تخترق الفكر ما بعد الحداثي بوصفه فكرا ينتمي إلى مجتمع الصورة الزائفة حسب توصيف بودريار كانت بمثابة الصدمة للثقافة العربية وكذلك للقارئ العربي خصوصا المطّلع منه على مفاهيم الفكر الحداثي ونظرياته. لقد عملت النظرية المعاصرة- يقول فريدريك جيمسن - إلى تقويض مبدأ التصنيفات القديمة في العلوم والفلسفة التي تأسست عليها مثلا أعمال هيجل أو سارتر , وأصبحنا نرى نوعا من الكتابات والمعالجات النظرية التي تستعصي على التصنيف , هذه الكتابات أدت إلى أفول مفهوم الفلسفة التقليدي وتلاشيه , أليست أعمال فوكو تشي بذلك ! أليس من الصعوبة بمكان مقاربتها بوصفها فلسفة أو تاريخا أو نظرية اجتماعية أو علوما سياسية !7 .من هذا المنطلق يمكننا تفهم الصعوبات التي تواجه نظرية النقد الثقافي في ظل التحولات الراهنة التي تواجهها المجتمعات العربية ثقافيا واجتماعيا وسياسيا باعتبارها نظرية تصدم الذهنية العربية في وعيها النرجسي عن ذاتها المتضخمة عبر التاريخ . لكنَّ الجرأة النقدية التي اكتسبها الغذامي من الفكر ما بعد الحداثي من خلال نقده الجريء كشف مجمل تناقضات المشروع الحداثي والتباساته , لم تفضِ به هذه الجرأة إلاّ إلى المفارقة. بمعنى : أن صفة الانسجام والتناغم صفةٌ محورية تتسم بها الممارسة النقدية الجريئة للفكر الغربي في سياق تحولات مجتمعاته إلى ما بعد الصناعة , بينما جرأة الغذامي برغم دلالاتها الإيجابية فإنها غير منسجمة على الإطلاق , وتحمل دلالات تناقضاتها من الداخل .
ويقدم مثالا على رؤيته من كتاب النقد الثقافي للغذامي.
ويصل إلى نتيجة مفادها أن السمة الوثوقية بالعقلانية الحداثية الغربية التي اتسمت بها مجمل المقولات الفكرية العربية.. الخ حجبت عن هذه المقولات رؤية الواقع العربي بوصفه واقعا معقد التركيب ذات بُعد جدلي ارتدادي مع موروثه وتاريخه , وبنفس القدر من الوثوقية ولكن بصورة معكوسة نجد الغذامي في نقده الثقافي يحتفي بالمهمش واللاعقلاني دون أن يحول هذا الاحتفاء إلى رؤيا تفكيكية للواقع العربي الراهن بمفهومه المعقد , بل ظل يتنقل في ثنايا التاريخ دون أن يحمل معه عُقد الحاضر وأزماته.
ويبين الحرز ان أزمة الفكر العربي تظل بين صورتين وثوقيتين , الأولى تعيد أنتاج صور العقلانية الحداثية , والثانية تعيد أنتاج صور اللاعقلانية البعد حداثية , إنه أنتاج يبدّل من مواقعه لكنه لا يقوم بتفكيك نفسه على الإطلاق, وبالتالي يظل الأصل هو المهيمن والصورة هي التابع , والفرّق بيّن بين الاثنين , فالأصل وإن لم يتخلص من ثنائية ( العقلاني واللاعقلاني ) إلاّ أنه يعي تماما مقدار اشتغالاته على تفكيك هذه الثنائية وغيرها من الثنائيات المانوية التي تحاصر تفكيره , وهو إذء يحاول فإنه ينتج معرفة ويزيح معرفة أخرى.
ويقول الحرز: إذا كان النقاد ما بعد البنيويين في النظرية النقدية الحديثة حاولوا التخلص من إشكالية الذات / الموضوع عبر الانتقال إلى تفكيك مفهوم التمثل فإن منطلقات هذا التحول جاءت في سياق مناقشة مسألة حقوق الإنسان وحريته , والجدل الذي دار حولها كشف عن عجز المفهوم الأول وفاعلية المفهوم الثاني كما أوضحه دريدا بامتياز 11 .
إذن بناء على هذا نقول: ما آليات التبرير التي تحقق مشروعية النقد الثقافي بنجاعة أدواته الإجرائية في تحليل الموروث العربي ؟! يقول الغذامي ( إن مشروع هذا النقد يتجه إلى كشف حيل الثقافة في تمرير أنساقها تحت أقنعة ووسائل خافية , وأهم هذه الحيل هي الحيلة الجمالية التي من تحتها يجري تمرير أخطر الأنساق وأشدها تحكما فينا . وأمر كشف هذه الحيل يصبح مشروعا في نقد الثقافة , وهذا لن يتسنى إلا عبر ملاحقة الأنساق المضمرة ورفع الأغطية عنها)12.
نجده هنا يقيم علاقة اختزالية - لوظيفته النقدية - بين الثقافة وبين مفهومها بالمنظور الانثروبولجي من جهة وبين الوسائل المتعددة للهيمنة والسيطرة وبين الوسيلة البلاغية الشعرية العربية من جهة أخرى , فهي علاقة تحصر مفهومها الإجرائي للثقافة من خلال آليات الهيمنة فقط , بينما للمفهوم الثقافي في الحقل الانثروبولجي البنيوي استتباعات واستكمالات ينبغي إدراجها ضمن عناصر المفهوم الإجرائي للعلاقة ذاتها, فإذا كانت الثقافة في هذا الحقل ليست سوى مجموعة من الأنساق الرمزية توجد في مقدمتها اللغة , فإن هذه اللغة ليست سوى اللاشعور وقد تحول إلى مقولة أنطلوجية يتم بواسطتها تفسير جميع مظاهر الوجود : الحياة والمجتمع والإنسان والعقل والثقافة 13. هذا التفسير لم يأخذ أبعاده الجدلية في نظرية الغذامي. وكذلك نجد من جهة أخرى أن الحديث عن وظيفة الشعر في تحويل القيم من خلال غرضيه المدح والهجاء لا يمكن أن يتم في الواقع بمعزل عن النظر في مكانة النص أولا في النص القرآني ومن ثم ثانيا مكانته في الثقافة العربي15 , لقد قارب الغذامي المكانة الثانية بينما أهمل المكانة الأولى.
ويوضح الحرز أن السؤال الذي افتتح به الغذامي ذاكرة المصطلح (من كتابه النقد الثقافي ) : هل في الأدب شيء آخر غير الأدبية ؟
كان بمقدوره أن يوسع من نطاق دلالته ويجري عليه بعض الشمولية في المساءلة والفهم , بحيث لا يقتصر في نهاية المطاف على فضح العيوب الجمالية النسقية التي تشكل شخصياتنا من العمق على اعتبار أن الجمالي والإمتاعي ضارب بجذوره في ثقافتنا العربية , وإنما كان بالإمكان أخذ دلالة (الغَيءر) إلى أفق أوسع في التنظير والتحليل , وذلك بتحويله إلى ما اصطلح عليه في علم النفس الاجتماعي العربي بمفهوم (الغيريّة) والمتحدر من اشتغالات العديد من الفلاسفة والكتاب.
ثم يشير الى اننا لو أمعنا النظر فيما يقوله الغذامي - مثلا - (عن الموروثات النسقية التي أخترعها الشعر وغرسها في النسق الثقافي) 18 من قبيل تضخيم الأنا وإلغاء الآخر لتبين لنا أولا: من منظور التاريخ النسقي للخطابات لم يتخلص الغذامي من المفهوم البنيوي الذي يقوم على أسبقية التعاقب والتزامن , ليس التعاقب الخطي للكلام الذي رفضه فوكو في سياق حديثه عن علاقة البنيوية بالتاريخ ,وإنما التعاقب الذي يسمح بمعالجة ( سلسلة من الوثائق المتشابهة حول موضوع محدد في فترة تاريخية محددة) 19 وهنا الافتراق الواضح بين فوكو والغذامي.
ثانيا: لو جربنا مقولة (الغـّيرية) وقاربنا بها- مثلا - الصورة النسقية التي تتولد عن اختراع الفحل دون إلغاء الوظيفة التي يسندها الغذامي للنسق , نجد ان؟
أول المؤشرات تدل على أن ظاهرة الإقصاء والتضخيم التي تمارسها الذات لا تعود جذور تصوراتها إلى مرجعيات شعرية فقط - وهذا ما قام به الغذامي - وإنما مفهوم الغيرية يدخلنا في جدل حقيقي حول هذه القيمة.
ثالثا : عندما ننقل هذا المفهوم من حقله الفردي إلى حقله الاجتماعي ثم نقوم بالبحث عن تشكلاته وتصوراته الدلالية من خلال الجسد واللغة داخل المجتمعات العربية الإسلامية باعتبارها مجتمعات تعيش حاليا أزمة من أهم ملامحها الانغلاق والشك فإننا سنجد أن هناك عدة مستويات للغيرية تنتظم في لا وعي الفرد المسلم كتصورات تؤثر في عمقه الوجودي عبر علاقته بالآخر في الحياة مهما كان شكله وصفاته ووجوده.
ويركز الحرز على تصورين في العلاقة بين الله والانسان ويرى ان هذين التصورين لا يمكنهما أن يكونا بعيدين في تأثيرهما على ما أنتجه العرب من منظومة معرفية تنهض أساسا على جدلية الفكر واللغة والوجود , وهذا ما أفضى بالغذامي لأن يأخذ من الجرجاني نظريته في النظم كمعطى دون أن يسائلها من العمق , ويفحص جذور تصوراتها من خلال الوعي بمفهوم الآخر / المغاير .
ويعمق الحرز هذه الإشكالية عند الغذامي ونحاول تأزيمها من خلال رؤيتنا السابقة وبناء على مقترحاتها المدرجة فيما طرحه فيقول:
أولا: يتحدث الغذامي في الفصل الرابع ( تزييف الخطاب/صناعة الطاغية ) من كتابه النقد الثقافي عن ظهور ثقافة شاعر المديح وثقافة المدائح وشخصية المثقف المداح ويعلل هذا الظهور من خلال السرد التاريخي وذلك عبرنشوء الحواضر المدنية من جهة , والأثر الخارجي الفارسي والرومي من جهة أخرى , وقد استتبع هذا الظهور تحول قيمي خطير في قيمة الكرم من حالتها الإنسانية الأخلاقية إلى حالتها الشعرية النفعية , وبالتالي ترسخت هذه النظرة على قاعدة الرهبة والرغبة- التي يعتبرها جملة نسقية- مما تولد لدينا ما نسميه في أدبياتنا بالغرض الشعري المدائحي . ويرى الغذامي من جهة أخرى أن المديح ارتبط عضويا بالهجاء , ولولا الهجاء ما كان المديح , ولا يستقيم أمر المديح إلا بسند من الهجاء26 ويدلل على ذلك بالتشريح النصوصي لبعض الشعراء .
ثانيا : إن الارتكان إلى السرد التاريخي وتعليلاته السوسيولوجية في تبرير نشوء الأنواع الشعرية وأغراضها من خلال جملة من التحولات النسقية الثقافية ليس فيه سوى تجن على التاريخ من جهة , وعلى الدراسات الأدبية من جهة أخرى. إن الحديث عن أيِّ غرض شعري هو بالضرورة حديث عن نظرية في الأجناس النوعية الأدبية وهذا هو مسارها الطبيعي في البحث والنظر, ليؤكد في النهاية على دور الوعي بالمغايرة.
وهذا الدور على ضربين من الوعي:
الأول: يمكن أن نسميه التناظر الداخلي للانفتاح على الوجود , والثاني: التناظر الخارجي للانفتاح على الثقافة.
وينهي الحرز تحليله قائلا: هذا التصور يقودنا- بخلاف ما ذكره الغذامي - إلى أن الرؤية إلى وظيفة الكلام تدور حول الإبانة والإفصاح فإن الحدود الفاصلة بين ما هو نفعي وجمالي تنمحي سواء في ذهنية المتلقي أو القائل على حد سواء , وهذه إحدى الإشكاليات التي وقع فيها الغذامي حينما فصل بين الاثنين في الوظيفة الأساسية للكلام.
ويرى ان اللغة بين المادح والممدوح لها سلطتها الفعلية هنا , ليست السلطة بالمفهوم النسقي الذي يدعيه الغذامي وإنما اللغة التي تنطوي على فعل المغايرة والتضايف , بمعنى أن الشاعر حينما يمدح أو يهجو كذلك , فإنه يحقق رغبات واستيهامات مدفونة في قاع التصورات التي تتقاطع في ذهنه لحظة القول أو الإنشاد , وأهم هذه التصورات هي المركبات والصيغ التعبيرية المجازية التي تستبطن وعي اللغة وتتحكم في مسارها في حال تمثَّلها الإنسانُ العربي القديم للتعبير عن وجوده بشكل مباشر أو غير مباشر.
والكشف عن مجمل هذا التماثل هو كشف عن المسار الذي يتحكم في أنتاج الثقافة العربية في أصولها ومبادئها التي أغفلتها نظرية النقد الثقافي وبالتالي أغلقت الباب على الثقافة العربية بمفهومها النسقي.
وقد قام الناقد محمد الحرز بتقديم بعض الملاحظات على طرح الغذامي من خلال صفحات كتاب النقد الثقافي وبلغت هذه الملاحظات ما يقارب (18) ملاحظة.
هذا وقد اتكأ الحرز على مجموعة من المراجع منها: ذهنية الارهاب، لجان بوديار وصدى الحداثة لرضوان زيادة، والحداثة وما بعد الحداثة لبيتر بووكر، والشعر والشعرية ليوسفي، فخ الجسد لمنى فياض، والنسوة الثقافية لسليم دوله.. وغيرها.