DAMMAM
الخميس
34°C
weather-icon
الجمعة
icon-weather
34°C
السبت
icon-weather
37°C
الأحد
icon-weather
33°C
الاثنين
icon-weather
34°C
الثلاثاء
icon-weather
36°C

فهمي هويدي

فهمي هويدي

فهمي هويدي
فهمي هويدي
أخبار متعلقة
 
مقاومة تشويه العراق ومسخه لا تقل أهمية عن مقاومة احتلاله. بل هي جزء من المقاومة الأخيرة، لان العراق المسخ هو الكيان العاجز والمنكسر، الذي يمثل اكبر ضمانة لاستمرار الاحتلال. وهذا الإدراك يدعونا للمسارعة إلى استجلاء الوجه الحقيقي للعراق قبل أن تطمس معالمه؛ وقبل أن تسري في جسده آفة نقص المناعة، ويغدو فريسة "للإيدز" السياسي. (1) لا مفر من الاعتراف قبل التعامل مع ما جرى من مسخ وتشويه بأن اغلب الرموز العراقية التي أسهمت في التحريض على غزو العراق ثم عادت إلى بغداد فوق الدبابات، وعملت على تكريس وجود الاحتلال، كانت لها ومازالت حساباتها ومنطلقاتها الطائفية والعرقية التي تحدثنا عنها في الأسبوع الماضي. لن نتحدث عمن استخدمتهم أجهزة المخابرات الأمريكية واخترعت لهم أحزاباً وألقاباً واصطنعت لهم زعامات وهمية، فهؤلاء مكشوف أمرهم أمام الرأي العام، وقد "احترقوا" جماهيرياً. إنما الأولون هم الذين يهموننا بشكل اكبر، سواء لأنهم اسهموا بقصد او بغير قصد في إحداث التشويه الذي نعنيه، أو لان من شأن منطلقاتهم وخطابهم أن تنذر بإشعال حريق كبير في البلد بأسره. استطراداً من هذه النقطة، فإنني انبه إلى أننا نرتكب خطأ كبيراً اذا قرأنا العراق من خلال أقوال المتطرفين وحساباتهم، علماً بأن هؤلاء موجودون في كل جانب، وليس حضورهم مقصوراً على فئة دون أخرى. والمشكلة انهم الأعلى صوتاً - في العراق كما في غيره -ثم انهم اقدر من غيرهم على إثارة الجماهير ودغدغة مشاعرها. وفي ظل الهرج والصخب اللذين سادا الساحة العراقية بعد طول انحباس (هناك 150 مجموعة سياسية جديدة و 200 صحيفة ومجلة) فان الحابل اختلط بالنابل، بحيث لم يعد يعرف الأصيل من الدخيل او العميل. وهو ما احدث قدراً لا يستهان به من البلبلة اسهم في تغييب وجه العراق الحقيقي، والتشويش على صوت الأغلبية الصامتة التي مازالت مأخوذة بما جرى. أسجل في هذا السياق أنني ما تمنيت أن أخوض في أمر الطوائف وحظوظها في العراق، وازعم أن حديثاً من ذلك القبيل جدير بأن يوصف حقاً بأنه "أبغض الحلال". إذ تنتابني إزاءه رغبة قوية في مقاومة الاستدراج إلى ساحة هيأها الاحتلال وأعوانه، فنتجادل في شأن تضاريس العراق الطائفي، وننصرف او نتلهى عن العراق المحتل. لكني في المقابل أجد من الضروري التصدي لحملة الشائعات القوية التي أطلقت من حول وضع الطوائف في العراق، وأسهمت في إحداث التشويه الذي نريد التخلص منه، والذي لا تخطئ عين المراقب خطره في الحاضر والمستقبل. لسنا نتحدث عن حالة افتراضية، لأننا بازاء واقع شأنه يجري تكريسه والتنظير له بحملة من الشائعات والأكاذيب. وقد كان التشكيل الطائفي لمجلس الحكم الذي أشرت إليه في الأسبوع الماضي بمثابة الطلقة الأولى في الفتنة الحاصلة. ولأنه أول كيان مؤسسي أقامته سلطة الاحتلال، فقد كان باعثاً على التشاؤم والتوجس. إذ حين يصبح "أول القصيدة كفراً" والعياذ بالله، فان استشعار الخطر يغدو واجبا، والاستنفار لمواجهته يصبح أوجب. (2) حكاية اضطهاد صدام حسين للشيعة اكثر الشائعات رواجاً. وهي تضفي عليه صفة لا يستحقها، من حيث أنها تصوره زعيماً سنياً انحاز إلى أهل مذهبه ضد غيرهم. والترويج لتلك المقولة تبناه نفر من متعصبي الشيعة الذين هاجروا إلى الخارج، (بعض الباحثين الأمريكيين من اليهود خاصة لهم نفس الموقف) وقد استخدمها هؤلاء وهؤلاء في تحريض الإدارة الأمريكية وإقناعها بمظلوميتهم، كما وظفت المقولة لحث عامة الشيعة على الترحيب بالغزاة بحسبانهم مخلِّصين ومحررين. الأمر الذي قدم خدمة جليلة للاحتلال، وأساء إلى موقف الشيعة أيما إساءة. رغم انه من أهل السنة حقاً، لكن أحداً لا يستطيع أن يدعي أن صدام حسين كان متديناً، (كان قد ادعى التدين بعد هزيمته في الكويت). وليس صحيحاً انه كان مع أهل السنة أو انه كان ضد الشيعة. لكنه ككل جبار في الأرض كان ولاؤه "وعقيدته" محورهما طموحاته الشخصية، وإذا ذهبنا بعيداً في إحسان الظن به، فقد نقول - ببعض التحفظ - انه كان "تكريتياً"، وانحيازه لأهل تكريت واعتماده عليهم في الدائرة الضيقة التي أحاطت به لم يكن اعتزازاً بأهله وعشيرته، وإنما لأنه كان يعتبرهم من "أهل الثقة"، الذين يمكن استخدامهم لتثبيت أركان نظامه والحفاظ على أمنه الخاص. أي أن انحيازه لأهل تكريت كان بقدر استفادته من ولائهم لا أكثر. بدليل انه لم يتردد في قتل من عارضه منهم او شك فيه، ومن هؤلاء عمه الحاج سعدون التكريتي، وشقيق زوجته الأولى الفريق عدنان خير الله وزير الدفاع السابق، والفريق حردان التكريتي، وطاهر يحيى التكريتي الذي كان رئيساً للوزراء ورشيد مصلح التكريتي الذي كان وزيراً للداخلية.. الخ. على صعيد آخر فمن المعلوم أن الذين اعدمهم من أعضاء مجلس الثورة كانت نسبة السنة فيهم أعلى من الشيعة، كما أن الذين قتلهم من علماء السنة لم يقلوا وزناً عن قتلاه من علماء الشيعة. الذي لا يقل أهمية عن ذلك أن صدام حسين لم يتردد في إبادة الأكراد الذين تمردوا عليه، واستخدم الغاز السام ضدهم كما حدث في "حلبجة"، رغم أن أغلبيتهم الساحقة أحناف من أهل السنة. ولو كانت لديه ذرة من التحيز لهم لما عاملهم بتلك الوحشية المفرطة. علماً بأنه لم يستخدم ذلك الأسلوب في قمع انتفاضة الشيعة ضده في عام 1991. ذلك لا ينفي انه اتخذ عديداً من الإجراءات التي كان الشيعة ضحية لها، إلا أننا حين ندقق في تلك الإجراءات فسوف نلاحظ انه اقدم عليها بدوافع تسلطية وانتقامية وليس انطلاقاً من دوافع مذهبية. اعني انه عاقبهم ليس بوصفهم شيعة. ولكن لأسباب أخرى سنأتي على ذكرها حالاً. لقد تعامل مع الشيعة باعتبارهم معارضة يجب سحقها وليس بحسبانهم اتباع مذهب مغاير لانتمائه. وتمثلت تلك المعارضة في "حزب الدعوة" الذي أسسه السيد محمد باقر الصدر، وظهر إلى حيز الوجود في عام 69م. وازدادت معارضة الشيعة له بعد توقيع اتفاق الجزائر مع شاه إيران في عام 74 وإبعاده للإمام الخميني من مدينة النجف إلى خارج البلاد. وكان رده على تلك المعارضة شديداً وقاسياً، إلا أن التوتر بلغ ذروته مع قيام الثورة الإسلامية في إيران، في فبراير عام 79، ودخول العراق في حرب ضد إيران الخمينية في العام التالي مباشرة، ثم تشكيل المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق، واتخاذه طهران مقراً له. وهو ما أزعج صدام حسين خصوصاً بعدما أدرك أن ناشطي حزب الدعوة يرددون مقولات الإمام الخميني داخل العراق. وكانت نتيجة تلك العوامل أن انقلب الرئيس السابق على الشيعة، بسبب اعتقاده أن اغلبهم موال لإيران، فعملت أجهزته على قمع الناشطين منهم وطرد ومصادرة أموال العراقيين المتجنسين ذوي الأصول الإيرانية، وأولئك الذين كانوا قد سجلوا أسماءهم كإيرانيين في الأوراق الرسمية، لكي يتهربوا من التجنيد خلال الحقبة العثمانية. من هذه الزاوية فلنا أن نقول: إن صدام حسين الذي لم تكن له مشكلة مع الشيعة قبل اتفاق الجزائر اتجه إلى قمعهم بعد ذلك لأسباب سياسية وليست مذهبية، وان ذلك القمع تضاعف بعد الحرب التي شنها ضد الثورة الإسلامية بسبب شكه في ولاء بعض الشيعة لنظامه، علماً بأن الجيش العراقي الذي كان يقاتل ضد ايران كان اغلب جنوده وضباطه من الشيعة. ولان الولاء عنده كان مقدماً على المذهب فانه احتفظ في الدائرة القريبة منه بمن اطمأن إليهم من الشيعة، الذين كان منهم محمد حمزة عضو القيادة القطرية (من المطلوبين الخمسين ولا يزال مختفياً)، والدكتور سعدون حمادي الذي عمل رئيساً لمجلس النواب. (3) ثمة أسطورة أخرى يروج لها تدعي أن الشيعة كانوا مظلومين ومغيبين في العراق منذ أن قامت الدولة في عشرينيات القرن الماضي. وتلك فرية لا أساس لها، لان الحضور الشيعي في جسم الدولة وفي النسيج الوطني بشكل عام كان قوياً على نحو لا ينكره إلا جاحد. وفي ثورة العشرين التي قامت ضد الإنجليز كانت مراجع الشيعة جنباً إلى جنب مع علماء السنة، على رأس الانتفاضة الشعبية التي عمت البلاد آنذاك. أما حضورهم في الساحة السياسية فقد كان بنفس الدرجة من القوة. وكتاب تأريخ الوزارات العراقية، لمؤلفه السيد عبد الرزاق الحسيني، وثيقة تشهد بذلك. وقد لاحظت انه في الفترة الواقعة بين سنتي 52 و 58 تولى اثنان من السنة رئاسة الحكومة أحدهما ارشد العمري والثاني نوري السعيد، بينما شغل المنصب اثنان من الشيعة هما محمد فاضل الجمالي، وعبد الوهاب مرجان، أما الأكراد فقد تولى رئاسة الحكومة ثلاثة منهم هم: جميل المدفعي وعلي جودت الأيوبي واحمد مختار بابان. لقد كان أول أمين عام للقيادة القطرية لحزب البعث شيعياً، هو فؤاد الركابي، وكل قادة حركة القوميين العرب كانوا شيعة، بينهم سني واحد هو باسل الكبيسي. كما أن كل أعضاء القيادة القطرية الذين قاموا بانقلاب عام 63 كانوا من الشيعة وعلى رأسهم على صالح السعدي وحازم جواد وهاني الفكيكي. كما ان السيد محمد مهدي كُبة مؤسس حزب الاستقلال الوطني كان شيعياً، ومثل الطائفة في مجلس الرئاسة العراقي الذي شكله في عام 58. وكذلك أمين الحزب الشيوعي مجيد موسى، الذي دخل مجلس الحكم الانتقالي ضمن حصة "الشيعة". تطول القائمة ولا تكاد تنتهي اذا تبعنا الحضور الشيعي على مستوى الوزراء، والسفراء وضباط الجيش، الأمر الذي يستغرب معه موقف أولئك الذين واتتهم جرأة الزعم بمظلومية الشيعة واضطهادهم في العراق. صحيح أن بوسع المرء أن يتحدث عن مناطق فقيرة نسبياً تواجدت في بعضها أغلبية شيعية، وبسبب وضعهم الجغرافي والاقتصادي. فمن الطبيعي أن تقل حظوظ سكانها في التعليم والنمو، إلا أن وضعاً من ذلك القبيل مشابه للحاصل في صعيد مصر مثلاً، وينبغي أن يحمل على سوء التخطيط ولا يفسر بحسبانه موقفاً طائفياً. نعم لم يخل الأمر من وقائع متناثرة حدث فيها توتر بين الشيعة والسنة، إلا أن أحداً لا يستطيع أن يدعي أن الصراع الطائفي كان ظاهرة في العراق على مدار تاريخه. فحين قام أحد المدرسين السوريين العاملين بالعراق (اسمه أنيس النصولي) بتأليف كتاب عن الدولة الأموية في الشام ودرسه لطلابه، ورأى الشيعة فيما كتب عن الإمام الحسين مساساً بآل البيت، فانهم غضبوا وشاع بينهم التوتر، وعولج الأمر بمنع تدريس الكتاب وإنهاء عمل الأستاذ وإعادته إلى بلده. ورغم أنها كانت بمثابة زوبعة في فنجان، فإنها لندرتها أصبحت تذكر في كتب التاريخ باسم "قضية النصولي"، ويشار إليها ضمن أحداث عام 1927. (4) بقيت بعد ذلك حزمة من الشائعات والاغاليط الأخرى التي تنصب على الهوية الطائفية والعرقية للعراقيين وتوزيعهم في البلاد. ومن المؤسف أن الاحتلال وأذنابه هم الذين فتحوا ذلك الملف وعبثوا به، حتى قدموا الطائفة على المواطنة على النحو الذي فصلت فيه في الأسبوع الماضي. وهو ما اكرهنا على الخوض في الموضوع ومحاولة استجلاء حقائقه، التي في مقدمتها ما يلي: @ انه لا يوجد في تاريخ العراق إحصاء طائفي من أي نوع، وكل ما يقال في هذا الصدد هو مقاربات واجتهادات لا تستند إلى جهد إحصائي حقيقي، وكثيراً ما تكون متأثرة بالهوى السياسي او الحسابات الطائفية. وفي غياب ذلك الإحصاء فان كل فئة بالغت كثيراً في تصور حجمها وقللت من وزن الفئات الأخرى. آية ذلك مثلاً أن مدينة الثورة أو "الصدر" التي تعيش فيها كتلة سكانية شيعية، كان يشاع دائماً أن سكانها اكثر من مليوني نسمة، في حين أن بطاقات التموين التي صدرت في عام 96 في وقت الحصار، وحصرت بدقة كبيرة عدد أفراد كل أسرة تعيش في العراق بينت أن الذين يعيشون فيها لا يزيدون على 900 ألف شخص. @ ان التهوين من شأن الوجود السني في العراق يمثل تغليطاً آخر مشكوكاً في دوافعه. ناهيك عن انه يتجاهل أن العراق بلد ظل سنياً على مدار تاريخه، وان التشيع طرأ عليه في أواخر القرن الثامن عشر وبدايات القرن التاسع عشر. من ثم فليس صحيحاً أن نسبتهم 25% كما تقول الموسوعة البريطانية، ولا هي 13 او 18% كما زعم آخرون (انظر ما كتبه في صحيفة الحياة اللندنية كل من نجم والي وسامي شورش في 24 و25/11). غير أن عقلاء الباحثين من الشيعة وغيرهم يتحدثون عن نسبة تتراوح بين 45 و 48% للسنة، شاملة الأكراد والتركمان بطبيعة الحال. في الوقت نفسه فثمة دراسة أخيرة أعدها باحث عراقي هو الدكتور طه حامد الدليمي اعتمدت على تحليل نتائج إحصاء المذكورين في البطاقات التموينية المسجلين في عام 96، ارتفعت بنسبة أهل السنة إلى ما بين 52 و 54%. وفي غيبة تحديد للنسب يطمأن إليه، فلا سبيل إلى نزع فتيل النزاع حولها إلا بالتخلي عن فكرة التمثيل الطائفي والعرقي، وإجراء انتخابات عامة نزيهة وشفافة، تمكن المجتمع من أن يتولى من خلال التصويت الحر اختيار من يمثله بصرف النظر عن هويته الطائفية او العرقية. وما لم يتم التعامل مع ملف التمثيل من هذا الباب، يظل النزاع حول الحصص مصدراً للفتنة وعنصراً مرشحاً للتفجير باستمرار. @ إن الكلام عن 3 تجمعات في العراق، مرشحة لان تصبح قاعدة لإقامة ثلاث دويلات مستقلة يتسم بالتبسيط المخل، بل وبالجهل الشديد - أو التجاهل المتعمد - لتركيبة المجتمع العراقي. ذلك أن التداخل شديد وواسع النطاق بين مختلف المذاهب والأعراق. وفيما يتعلق بالشيعة والسنة مثلاً فثمة قبائل كثيرة نصفها سني والآخر شيعي، ومن ثم يتعذر تصنيفها في هذا الجانب او ذلك إلا اذا قطعت أواصرها. وهو ما يسري على قبائل ربيعة والجبور وعنيزة وشمر، التي تعد من اكبر واهم القبائل العراقية. كذلك فان الجنوب الذي يتحدث البعض عن تشييعه يضم تجمعات سنية كثيرة، فسكان البصرة نصفهم من أهل السنة وعشائر المنتثك التي تمثل اكبر تجمع قبلي في الفرات الأسفل كلها من أهل السنة. وكذلك آل سعدون، وغيرهم وغيرهم. بل أن مصطلح "المثلث السني" لا يخلو من افتعال له أهدافه السياسية. لأنه لا وجود حقيقي لمثلث بهذا الاسم على ارض الواقع. ولا تفسير لذلك الافتعال سوى انه يستهدف الإيحاء بان سنة العراق في جانب والشيعة في جانب معاكس، وهو ما يحتاج بدوره إلى تحقيق واستجلاء، نقترب منه في الأسبوع المقبل بإذن الله.