نعم.. صادوه صيدة الفار في الغار..
وبجانبه ثيابه وصندوق دولاراته ورشاشاته ومسدساته.
هذا هو بطل القادسية الثانية..
كان مختبئا في جحره كالفأر المذعور..
قبر تحت الأرض.. أمضى فيه سبعة شهور كل شهر بعقد من الزمن.. طمر جسده فيه وهو حي.. بعد تلك القصور المشيدة والدور الفارهة.. والجنات المزيفة.. المهيب الركن.. عاش شهورا هيابا مذعورا يخاف من أقل نائمة أو أية حركة.. بل يخاف من ظله حتى أمضه الخوف.. وسلب الهلع الكثير من عقله.
لقد عاش بطل القادسية الثانية فترة من الزمن تحت كابوس الخوف والجزع حتى غارت عيناه.. وتخدد وجهه من الهم والحزن والكآبة والخوف.. لقد صار إنسانا آخر.. بل لقد صار بقايا إنسان.. في شكله فقط.
ففيه من صفات الحيوانية أكثر مما فيه من صفات الإنسانية.
هذا الذي أخاف شعبه ومن حوله.. وأخاف جيرانه وحتى أقرباءه.. عاش فترة من الخوف في حياته نسى فيها نعيمه الماضى وصولاته العنترية وجولاته الثعلبية.
لقد صار يموت في الساعة عدة مرات وكان خاتمة هذا الهلع القاتل استسلامه لأعدائه طواعية.. ودون مقاومة.
ماذا كسب من ماضيه الأسود غير هذه النهاية الكارثية؟
تشتت أهله وضياعهم..
مقتل أولاده بطريقة درامية مفجعة.. ذوبان أمواله الملايينية التي سرقها من أفواه شعبه.. من قوتهم وادويتهم.. وتنكر القريب له قبل البعيد.. حتى صار كسمكة ميتة رمى بها الموج على الساحل جيفة منتنة.
فما قيمة ما كسبه في الماضي أمام هذه النهاية التراجيدية.
إنها العاقبة المخزية.. إنها عاقبة من أمن العقوبة.
وتنقل لنا الأخبار المصحوبة بصورته المسرحية المقززة قوله بعدم الندم على ما اقترف من جرائم قتل وتعذيب.
لأن من قتلهم ودفنهم في قبور جماعية كانوا - حسب قوله - خونة للوطن.. وهو الباغي على وطنه وعلى الباغي تدور الدوائر..
وأخيرا هذا البطل المتغطرس الذى سمى نفسه تسعة وتسعين إسما ولقبا كلها تدل على الإقدام والشجاعة.. سلم نفسه طواعية ودون مقاومة ورشاشاته بجانبه لم يطلق منها طلقة واحدة..
كان كتلة جبن تغلفه الشجاعة عندما كان رئيسا والآن خرج إلى الناس متسربلا بالجبن والخسة..
إنها خاتمة لم يحسب لها حسابا لذلك وقع في شر اعماله فليقطف ثمارها مرارة وحزنا وكمدا.