أخبار متعلقة
حين قدم أمين سر نادي المنطقة الشرقية الادبي د. عبدالعزيز العبدالهادي للضيف المحاضر في الامسية التي نظمها النادي مساء الثلاثاء الماضي أكد على سعي النادي الى استضافة اصحاب الفكر والادب من امثال ضيف الأمسية مشيرا الى ان عناية النادي بالادب والثقافة لاتقتصر على الوان وأشكال منه دون غيرها، بل هي عناية تشمل كل صورة واشكاله شملت الشعر والقصة والابداع والفكر والنقد الادبي والترجمة وغيرها من الاطروحات التي شهدها ويشهدها الجميع. فثمة امتداد افق ورحابة صدر تتسع لكل الرؤى والمشارب الثقافية والادبية ما دامت في اطار القيم والاخلاق والثوابت.
وحين بدأ في سرد السيرة الذاتية لضيف الامسية الناقد الدكتور سعد البازعي اتسعت المساحة الزمنية لتبدأ من الميلاد عام 1953 وتمر بمراحل الدراسة من الماجستير الى الدكتوراة (جامعة بوردو بأمريكا 1983م) ولانتوقف عند رئاسة تحرير جريدة الرياض ديلي ولا الموسوعة العربية العالمية. بل تمضي لتشمل الاسهامات العديدة والكثيرة التي ساهم بها د. البازعي في فضاء الحركة الثقافية السعودية والعربية عبر المقالات والابحاث والمؤلفات المتنوعة التي منها : ثقافة الصحراء، واحالات القصيدة، ومقاربة الآخر، ودليل الناقد الادبي.. لينتهي مدير الامسية بدعوة المحاضر ليأخذنا الى : قلق النقد : من الاستقبال الى التأصيل ولتبدأ محطة اخرى من الاستقبال ، ابطالها حضور الامسية من المثقفين والمبدعين والاكاديميين وغيرهم.
قلق النقد
بتعريف موجز قدم د. سعد البازعي لمحاضرته مشيرا إلى انها اختصار لمشروع بحثي انتهى منه عن استقبال الآخر (الغرب من النقد الأدبي الحديث) ووضح د. البازعي ان قلق النقد ليس بمعزل عن قلق الثقافة العربية فالنقد من نسيج هذه الثقافة فما ينسحب على النقد ينسحب على الثقافة مبينا ان تعبير (القلق) تعبير متفائل لما آل اليه الوضع في الثقافة العربية خاصة لمن يتابع قضايا النقد الادبي.
وقال د. البازعي : كانت لدينا نهضة نقدية عربية جاءت بمحفزات غربية وبمحاولة المثقف اللحاق بالآخر ولكنها وصلت إلى في مأزق او اخفاق نقول عنه (قلق) وان كان القلق ايجابيا ودليلا على الصحة فنحن نعرف ان هناك مشكلة ولكن هناك غياب الوعي المشكلة.
ماهية المشكلة
في محاولة للتوصيف اوضح د. البازعي ان المشكلة تتمثل في كيفية التفاعل مع المنجز الغربي في النقد الأدبي، والنقد الادبي يتداخل مع علوم اخرى ونظريات النقد الادبي مستقاه من العلوم.. وفي نهاية الامر هي مشكلة ثقافية عامة ومشكلة حضارية عامة في آن.
كيف نفهم الغرب وكيف نتمثله؟
للاجابة على هذا السؤال يطرح د. البازعي نموذجا حيويا يشعرنا بالمأزق الذي وقع فيه بعض المثقفين وكيف عبروا عن أنفسهم واستشهد بما قاله الناقد لويس عوض عام 1990م عن بلبلته فيما طرحه العقاد وسلامة موسى وطه حسين والتناقض بينهما فهو تارة رومانسي يترجم شيلي، وحينا عقلاني ديكارتي.. وتارة كلاسيكى.
ويرى د. البازعي ان هذه المشكلة لاتخص لويس عوض وحده ولكن العديد من النقاد والمثقفين.
ثلاثة أنواع
ويبين ان هناك 3 انواع من النقاد او المثقفين :
نوع يعي المشكلة ويتحدث عنها ويصفها ولايجد غضاضة في الاعتراف ونوع آخر ينكر المشكلة، ونوع يحاول ان يرصد الاتجاهين معا ويحاول تحليلها من زوايا معينة أكاديمية.
وقدم بعض الامثلة منها ما طرحته د. يمنى العيد في كتابها (في معرفة النص) وتعد العيد من اوائل من طبقت منهج البنيوية التكوينية وقد انطلقت من وعي بالمشكلة اذ تقول : (يقع نقدنا الحديث في موضع (القلق) والاضطراب.. ويجب العمل على تأسيس فكر علمي في ثقافتنا قادر على انتاج مناهج توازي ما ينتجه الغرب.
ويرى المحاضر ان هذا الوعي لدى الناقد واضح وموجود ويقدم مثالا آخر من جانب من يؤكدون وجود مشكلة وهو عالم الاجتماع كمال عبداللطيف فيما طرحه في كتابه (قراءات في الفلسفة العربية المعاصرة) اذ قال في بعض فقراته : (ان زمن المثاقفة الحاصلة في العالم العربي منذ منتصف القرن الماضي اتسم بالطغيان والهيمنة النقدية مما ولد مأزقا فكريا حادا).
ويقدم امثلة اخرى عن السيد الحسيني وما طرحه في كتابه (التبعية الثقافية مفاهيم وأبعاد) الذي يرى ان مهمة العلوم الاجتماعية في العالم الثالث لاتتعدى اعادة انتاج الفكر الاوروبي وان الامر لايتعدى الانبهار بالغرب دون ادراك بالخصوصيات.
الاختلاف
ويبين المحاضر ان الذي يختلف مع هؤلاء يقول بكونية العلم والثقافة ويوضح بأنه يرى احيانا ان هؤلاء على صواب لأنهم يجابهون أناسا يطالبون بالانغلاق والتقوقع الثقافي ويؤكد ان المشكلة ليست خاصة بالعالم العربي بل ان هناك ثقافات واجهت نفس المشكلة.
واستشهد ببعض ما طرحته احدى الاكاديميات الامريكيات ذات الجذور الصينية اذ ترى ان المقاربات النقدية الغربية الحديثة لاتقابل لها جذورا في الموروث النقدي الصيني.
وعن الجانب الآخر عند المثقفين والنقاد ممن عدوا روادا في الحركات النقدية قدم المحاضر طرحا للدكتور محمد غينمي هلال الذي قدم اشهر كتاب في الادب المقارن يوضح فيه عدم معرفة العرب بالمسرحيات رغم معرفتهم بأرسطو ويرجع ذلك ان اخطاء العرب في ترجمة كتاب (فن الشعر) لارسطو ويربط بين طرحه هلال وطرحته الباحثة الامريكية وطرح آخر لباحث أمريكي متخصص في الآداب الشرقية حول وضع الدراسات في الهند.
وجهة نظر
ويقدم د. البازعي نماذجا لوجهات النظر المخالفة ومنها وجهة نظر د. جابر عصفور الذي يرى ان النظرية النقدية تركيب فكري شامل ويستشهد بتاريخ العلم والقرية الكونية فلا نسمع من يتحدث عن نظرية من هذا القطر او ذاك ، فلن نجد ناقدا ادبيا في فرنسا او اوروبا يستحق صفة الناقد يطرح على نفسه سؤالا عن وجود او عدم وجود نظرية فرنسية او غيرها لانها تزييف في العلم.
ويرى د. البازعي ان المشكلة في طرح عصفور انه طرح (ايديولجي) لأنه يجرد صفة الناقد ممن يخالفه.
ويقدم المحاضر امثلة اخرى من (ادوارد سعيد) مما طرحه حول انتقال النظرية يحلل فيها ما اصاب مفهوما واحدا هو مفهوم الوعي الطبقي. ويرى ان النظرية تتغير عندما تنتقل من ناقد الى آخر ومن مكان الى مكان ويمثل لذلك بنظرية الوعي الطبقي بين لوكاتش الى (لويس جولدمان) ويخلص الى ان القرية الكونية كلام تجريدي والاتصال لن يلغي الاختلافات.
قلق النقد ينعكس في البداية على ما يسميه بالاستقبال فالاستقبال عنده له معنيان :
الاول : نتقبل او تنتظر احدا يأتيك من الخارج
في الدراسات النقدية نتحدث عن استقبال الادب، اي فهم الانسان ثقافة شخص ما.
ويقدم المحاضر للمصطلح دلالة معاكسة.. فيستخدمه بالمعنى الفقهي وهو استقبال القبلة.. فهم يجعلون الآخر قبله.
التأصيل
ويخلص المحاضر الى ضرورة التأصيل كشكل من اشكال الحلول ويقف طويلا عند د. شكري عياد فهو ممن اهتموا بالتأصيل وقدم مجموعة من الدراسات تطرح مفهوما للتأصيل وكان اكثر انفتاحا على الآخر.
ويرى ان المسألة لاتحل بالترجمة والنقل.. ولكن بالتأصيل وتجربته في هذا الامر مميزة وقدم العديد من الكتب.
ويخلص د. البازعي الى أن النقد العربي لايدرك الأسس الفلسفية للنظريات ويحدثنا عن مشكلة العلوم العربية في استفادتها من العلوم الغربية. ويطالب بباحث يدرس (الانتربولوجي) ويقدم تاريخا له ويتفق مع منهج التفكير حول العلوم ويستشهد ببعض مقولات د. عياد التي ترى ان التأصيل يتأطر بعاملين.
موقف من الآخر، وموقف من الذات
وقدم د. البازعي تعريفا للتأصيل من وجهة نظر عياد ثم يشير الى مفهوم وظيفي للتكييف الحضاري.
وفي نهاية محاضرته يبين أن موضوع التأصيل كبير وقد وجد ان هناك كثيرين اهتموا بهذا الموضوع خاصة في الدراسات الاسلامية.. والمفردة موجودة بشكل شائع ولكنها توظف لدينا باختلاف.. ويرى ان النقد الادبي هو الشاغل الاساسي له هنا وان كان مهموما بهم الثقافة ككل.
المداخلات
بعد ان قدم مدير الأمسية تلخيصا لما طرحه د. البازعي أعطى اشارة بدء المداخلات الزميل عبدالرحمن المهوس كان اول المداخلين اذ وضع في مداخلته ان كثيرا من النقاد العرب نواجه مشكلة كبرى في قراءتهم.. هذه المشكلة تتمثل في وجود فصل بين التنظير والتطبيق فنقادنا يهتمون بالتنظير بخلاف التطبيق وهذا مالا نراه عند د. البازعي الذي تبنى مشاريع بحثية يتواءم فيها التنظير والتطبيق..
واشار المهوس الى تفاؤله بمسألة المثاقفة وتناول بعض النقاط المرتبطة بذلك وبين بأن مقولة ابن خلدون بتأثير الغالب على المغلوب. وهي التي تحدد ما يسود العالم وهذا امر واقع وطبيعي.
ويرى المهوس ان هذه المعضلة لدى العرب اقل بكثير لان الثقافة العربية قادرة على هضم الثقافات الاخرى وتحدث عن فترة النهضة العربية التي اكدت قدرة الحضارة العربية على ذلك.
وعن مسألة الفكر الكوني قال : ان هذه القضية لا يمكن ان تتم بمعزل عن الجوانب الاخرى في الثقافة فنحن بحاجة الى تقدم حضاري في كل الجوانب..
اما د. عبدالرزاق حسين في مداخلته فوضح ان :
المحاضرة اثارت الكثير من الأسئلة والهموم والدكتور البازعي كان لطيفا في وصفه فما طرح ليس (قلقا) ولكنه خرق من ثقافتنا والبازعي تلتقي لديه ثقافتان العربية والغربية.
ورأى ان ثقافة الغرب ليست نظرية موحدة ونظرية النقد هي نظرية واحدة ولكنها في تنقلها تتغير.
ونحن كأساتذة في الجامعات نشعر أحيانا ان مثل هذه النظريات لاقيمة لها منطقا، وترميم بيتنا النقدي لايتم الا من خلال ثوابت ترسي دعائم ثقافتنا.. فنحن لاندعي العزلة عن الآخر.. بل يجب ان نتصل به ونستفيد منه.. وثقافتنا اثرت في الغرب.. في الاندلس وصقلية..
ويرى ان الرصد الذي اورده د. البازعي يبين ان الانحراف بالادب الى حداثة مقلدة اقلق الكثير.
وقدم العديد من الامثلة ووجه بعض الاسئلة للمحاضر منها : هل الرؤية النقدية الغربية واحدة ام متعددة وكيف لنا ان نأخذ بهذا الخليط؟ أ. عيسى قطاوي أبدى سعادته بالمحاضر والمحاضرة وبدأ مداخلته كما قال من حيث انتهى د. سعد البازعي اي تأصيل.. واشار الى انه تلميذ من تلاميذ شكري عياد ويعتز به كثيرا.
ووضح بأننا شبعنا من الاستقبال واجترار الحديث عن التأثر.
وطلب من المحاضر ان يطلعنا بايجاز عن كيفية التأصيل.. وعلق د. البازعي الى ما طرح فقال الاستاذ المهوس آثار عدة قضايا ومنها ان الثقافة العربية وتساءل كيف نصل الى هذا الحكم دون دراسة لكل الثقافات.. وبين أن الثقافة العربية مرت بمراحل انفتاح كان في مرحلة لا يمكن قياسها على حاضرنا الآن.. فهناك تغير في مراحل التاريخ والاشياء لاتتكرر كما هي فالقوة الحضارية التي يملكها الغرب تجعله في مأمن.
وبين ان يمنى العيد في ثقافتها الكونية تطمح الى مزيج من الثقافات يؤدي الى ذلك شرط الا يكون ذلك على حساب اسهامي.
وعما ذكره د. عبدالرزاق حول جملة قضايا ومنها ان الرؤية الغربية هل هي واحدة ومتعددة.. فوضح انه ليس هناك شرق ثابت أو غرب ثابت ولكنه قصور ذهني.. فالثقافة الغربية ذات موروثات كثيرة ومنابع تشكل وفق المكان.
والمشكلة هنا تكون في محاولة احداث ثقافة قسرية تكون على حساب أسس في التفكير وغيرها.
وعن مسألة التأصيل قال: ان هذا الامر يحتاج الى وقت أطول، وقد فصلت ذلك في كتابي. د. ابراهيم جميل في مداخلته اشار الى ان مشكلة التبعية تحتاج الى تكاتف من اجل الحل وطالب بكثرة طرحها وتناولها وعن القول بالخصوصية فقال انها امر مهم والقول بعدم الخصوصية هروب من الحل قد يكون نابعا من فقدان الثقة بالتراث ووضح بأن للنقد العربي مشاكل كثيرة ومنها مشكلة المصطلح النقدي. وبمداخلة د. ابراهيم جميل وبعدها مداخلة لكاتب هذه المتابعة احمد سماحة التي تناولت قضايا عديدة تساءلت عن ماهية التأصيل وماذا تؤصل في غياب العقل النقدي وامور اخرى.. انتهت أمسية من امسيات الثقافة اضاءها محاضر له دوره الفاعل وحضور اثروا الامسية بالانصات والمشاركة.
جانب من الحضور