(1)
اعمى اذا ابصر الفراشة، السابح في متاهة الغرق، تلك الليلة حين استوحشتني ثلاثة نصوص قصصية القاها القاص حسن دعبل في الامسية التي نظمتها جمعية الثقافة والفنون مساء الاربعاء الماضي وشهدت مشاركات نقدية عديدة من حضور الامسية.
الامسية ادارها القاص والكاتب عبدالله السفر الذي قدم لضيف الامسية مشيرا الى تجربته الابداعية ومنوها بتميزه السردي الذي يمتح من الشعرية ويتكئ على الميثجولجي وهذا ما لوحظ في مجموعته جمرة الضوء وما تيسر له.
دعبل الذي بدأ قراءاته بقصة (اعمى اذ ابصر الفراشة) ثم بالسابح في متاهة الغرق ثم تلك الليلة حين استوحشتني ينتقي مفرداته بعناية ويزخمها بشعرية واضحة تقودها الى الغنائية احيانا والى الحوارية احيانا اخرى ويتكئ على سارد بضمير المتكلم وهو سارد مشارك وغير محايد يرى الاشياء والاحداث بمنظار (الانا) فيبدو كحالة من حالات السرد رغم مركزيته في نسيج الحدث.
وحسن الذي تبحر قصصه في الزمان الذي يفيض احيانا ليلامس فضاء الزمن الروائي والمكان الذي يشي عن نفسه كفضاء واسع يستند على الاسطورة كشكل من اشكال ملحمة الوجود لشخصية الراوي التي ترى العالم وتأوله من وجهة نظرها.
(2)
في تعليقه على قصص الامسية قال مديرها: ان كتابة حسن دعبل تتكئ على تشعير السرد وشكل الكتابة يكاد يأخذ شكل القصيدة.. جمل قصيرة.. قيمة صوتية وهو يطرح ما يمكن تسميته ثقافة البحر في ذاكرتها البعيدة وهناك صقل واستبطان يبتعد بهما في الزمن لتغدو اسطورة اخرى.
الناقد محمد العباس اكد ان استراتيجية النص عند القاص تبدأ من منطقة الاسطورة ككائن بيولوجي واساس النص ذات كاتبة مهووسة بالمثلوجيا وهذا يتأتى بمحاولة تجديد المخيال الاجتماعي.
ويشير الى امتلاك القاص القدرة على العود الاتردادية للتاريخ واعاة تخصيبها وان اللغة لا تتولد من القاموس بقدر ما هي متولدة من الضرورة الشعرية فهو يختار الجملة الاولى ولكن الجملة الثانية تختاره حيث اللغة تبدأ لتتقدم الى اعمق نقطة في التاريخ ويرى العباس ان النص لابد ان يتفاعل مع شروطه التاريخية فهو شكل من اشكال الوعي وهذا التصور يجعل المكان مكانا لتعميق الوعي بالذات والاطلالة على التاريخ تعطي فرصة للمطابقة بين التاريخ الفردي والتاريخ الجماعي.. ويعتبر العباس ان هذا شكل من اشكال محو الكتابة اذ يستخلص القاص من التاريخ الصيغة المقطرة والخلاصة الجمالية وهي صيغة شعرية اكثر منها سردية.
(3)
الناقد محمد الحرز قال في مداخلته: ان مسألة الميثولوجيا بصورتها الموظفة أعطت للقاص مساحة كبيرة لان يوظف نصوصه هذا التوظيف اعتمد اساسا على مفهوم العائلة الذي يتحول من الشخصانية الى الميثلوجية وهذا يعطي مساحة لما يسمى الراوي بالتاريخ بمعنى استحضار الذاكرة من خلال الحواس وهذه الميزة تشكل الجانب الاكثر اثراء في النصوص.
اما الكاتب ابراهيم الشمر فأشار في مداخلته الى استغراق الذات الساردة في متاهتها وان القاص يعنى بالصورة ويركز على المخيال التاريخي للمنطقة وينحو نحو الشعرية التي تستغرقه على حساب السرد وتغييب الفكرة ووضح ان القصة تمتح من ملحمة جلجامش وان الذات كراو تستحضر همومها.
وكانت هناك مداخلة للناقد احمد سماحة حول ابعاد توظيف الاسطورة في القص والعوامل التي تحكم هذا التوظيف ودلالة الاشارة الى مكان بعينه وبشعرية القص والذات الساردة وغيرها اعقبت مداخلة سماحة مداخلات اخرى واسئلة من الحضور اجاب عنها القاص.